رشح الفنان متعدد المواهب عبدالرحمن الخميسى، سعاد حسنى لبطولة فيلم «حسن ونعيمة»، وهى فى عمر 16 عاما فقط «مواليد 26 يناير 1943»، وبنجاح الفيلم مضت فى تألقها حتى أصبحت «أكثر الموهوبين إتقانا، وأكثر العباقرة تواضعا، وأكثر المتواضعين عبقرية»، بوصف عبقرى آخر هو الفنان أحمد زكى فى نعيه لها بالصحف بعد وفاتها فى حادث غامض بلندن يوم 21 يونيو 2001.
بعد سبع سنوات من بدايتها الفنية وكان عمرها 23 عاما عادت إلى بئر ذكرياتها فى حوار موسع لمجلة الكواكب، عدد 787، يوم 30 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1966، أجراه الكاتب الصحفى عبدالتواب عبدالحى، كانت الذكريات حزينة خاصة ظروف اليتم المقنع التى عاشتها فى بيت أبيها بدون أم، وفى بيت أمها بدون أب، ولم تسمح لها هذه الظروف التعيسة بأن تصل فى دراستها أبعد من الابتدائية.
قالت سعاد: «أنا بنت حرب، جئت للدنيا فى عز الحرب، فى 26 يناير 1943، أتذكر حادثتين فى بئر أيامى، الأولى فى ساحة قصر كبير ربما كان قصر عابدين، سرادق كبير، أكبر سرادق شاهدته فى مأتم أو فرح فى حياتى، لكنه كان فرحا بدليل أننى هناك لأغنى، لعله كان احتفالا بعيد جلوس الملك، أو عيد وقوفه، لا أذكر، المهم أننى جئت مع أطفال بابا شارو، سيارات، جنود فى أزياء ملونة، سيدات على أكتافهن فراء، ورجال بالطرابيش، وملابس السهرة الغربية وعلى عيونهم «مونوكل» لكنى لم أر الملك، وتأخرت بنا السهرة، فرحنا فى نوم عميق وأنا جالسة على كرسى صغير وراء الكواليس وأفقت على يد تربت على وجهى لأستيقظ، كان دورى، فقمت إلى التخت المنصوب لأواجه هذه الوجوه الغريبة، وأغنى، ويبدو أنهم طربوا لى فقد صفقوا طويلا، وفزعت من تصفيقهم.
ولست أدرى لماذا تصورت أننى ارتكبت خطأ ما يستوجب هذا التصفيق، فبكيت من الهلع بصوت مسموع، وجاء بابا شارو ليحتضننى ودفعنى أمام الناس فيزداد تصفيقهم، وتزداد حدة بكائى، ثم ينسحب بى إلى ما وراء الكواليس لأجد فستانا جديدا وعلبة شوكولاتة فى انتظارى، قطعة منها ملأت بها فمى، فألهتنى عن مواصلة البكاء».
تتذكر سعاد الحادثة الثانية قائلة: «كان عمرى أقل من خمس سنوات، ذهبت إلى الإذاعة لأغنى فى برنامج بابا شارو، وقفت على كرسى أمام الميكرفون ورحت أغنى على الهواء: «طولى شبر، وجهى بدر، صوتى سحر، كلى بشر»، وكان طولى أيامها شبرا بالفعل أو شبرين على الأكثر، انبسط لأدائى أحمد خيرت مؤلف الأغنية وملحنها فأعطانى «كبشة من الملبس»، وعدت إلى البيت لأجد أمى تجمع ملابسها وملابس أخوتى فى حقيبة قديمة، وفى عينيها دموع، بينما الغضب يسيطر على وجه أبى وهو خارج من الشقة ويرزع الباب وراءه بعنف، غادرت الشقة مع أمى وإخوتى فى طابور طويل، تتقدمنا حقيبة الملابس القديمة، سكنا فى شقة بشارع السكاكينى، عرفت فيما بعد أن أبى طلق أمى، افتقدت عروستى الصغيرة التى نسيتها فى بيت أبى وصديقاتى الصغار من بنات الحتة.
تزوجت أمى، نشب نزاع بينها وبين أبى حولنا، كل إخوتى عادوا إلى بيت أبى، وبقيت وحدى مع أمى وزوجها، دخلت إحدى المدارس الابتدائية القريبة من البيت بعد عامين، صحبتنى أمى فى زيارة لأبى، يبدو أنها كانت اتفقت معه على أن أعيش هناك مع الأولاد، فقد انتهزت فرصة انشغالى باللعب معهم، وتسللت خارجة من البيت، بكيت بحرقة، ثم نسيت كل شىء بعد قطعة كنافة قدمتها لى أختى كوثر.
بعد أشهر استردتنى أمى، وبعد عام استردنى أبى، تنقلت 8 مرات فى 8 سنوات بين البيتين، وسحبت أوراقى 9 مرات من مدرسة لمدرسة، كنت عند أمى عندما مرضت بالحمى، أخذنى أبى من المستشفى بعد أن تماثلت للشفاء، واستطعت أن أمشى دون أن اتعكز على أحد، لكن الحمى تركتنى جلدا على عظم، وتزوجت أختى نجاة من كمال منسى، استعدت عافيتى وبدأت حيوية «بنت 14» تتدفق فى جسدى، كنت فى زيارة لأمى عندما انتحت بى على جنب، وسألتني: «تحبى تقعدى معايا هنا يا سعاد؟»، وأجبتها: «يا ريت يا ماما».
تذكر سعاد أن الفنان عبدالرحمن الخميسى كان صديقا لخالها، وفى عام 1957 كان مشغولا بتكوين فرقة «أنصار التمثيل المسرحية»، ودعاها لتتفرج على البروفات، فبهرها المسرح، تتذكر: «كنت أقف وراء الكواليس وأعيد أداء بعض المشاهد التى شفتها، لمحنى الخميسى، خبط جبهته وقال: «هايلة فيكى صدق فنانة لها مستقبل، ضحكت ولم أصدق»، أعطانى نص رواية «هاملت» تحفة شكسبير، وطلب منى أن أحفظ دور «أوفيليا»، عشت الدور وحفظته عن ظهر قلب، لكن الفرقة فشلت قبل أن ترفع لها أمام الجمهور «ستارة».
بعد ذلك أخذها الخميسى إلى أول أدوارها وكانت بطولة فيلم «حسن ونعمية»، فكيف حدث ذلك؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة