قال الدكتور تيدروس أدهانوم حبريسيوس مدير عام منظمة الصحة العالمية، لقد عملت دول العالم معا لأكثر من عامين من أجل تحقيق هدف تاريخى واحد يمتد عبر الأجيال، ألا وهو ضمان استعدادنا على نحو أفضل للجائحة المقبلة بالتعلم من الدروس المستخلصة مما حل من دمار بسبب فيروس كورونا .
فى الوقت الذى تثير فيه النزاعات والسياسات والاقتصادات الدمار والشقاق والانقسام، وجدت الحكومات ذات السيادة وسيلة للعمل على نحو تعاونى لإبرام اتفاق عالمى جديد يهدف إلى حماية العالم من الطوارئ الناجمة عن الجوائح، التى لا مفر من حدوثها فى المستقبل.
وأضاف، لقد أُطلق هذا الجهد الضرورى، الذى يقوده مئات المفاوضين المكلفين من أكثر من 190 دولة، فى أثناء الحدث الذى تسبب بأكبر دمار فى حياتنا فى ذروة هذه الكارثة، ومع ازدحام المستشفيات فى كل أنحاء العالم بالمرضى الذين يتلقون الرعاية على أيدى العاملين الصحيين المُرهقين، اجتمع أكثر من 20 من قادة العالم معا لتوجيه نداء عالمى يقولون فيه: "لن نسمح بذلك أبدا مرة أخرى".
تكافل المجتمعات..
وقالوا إنه يجب أن لا يسمحوا أبدا بترك مجتمعاتهم وكل مجتمعات الدول الأخرى على هذا القدر من الضعف أمام أى جائحة أخرى. واتفقوا على أنه يتعين على الحكومات أن لا تمتنع مرة أخرى عن التعاون فى تبادل المعلومات الحيوية والمعدات الطبية والأدوية. وشددوا على أنه لا يمكن أبدا السماح مرة أخرى بترك أفقر البلدان والمجتمعات فى العالم فى ذيل قائمة الانتظار عندما يتعلق الأمر بإتاحة الأدوات المنقذة للحياة مثل اللقاحات.
وقال رؤساء الدول ورؤساء الوزراء آنذاك، إن ما كان مطلوبا هو اتفاق تاريخى يلزم الدول العمل معا، عبر الحدود، اعترافا بأن الفيروسات القاتلة لا تحترم الحدود التى نعيش داخلها، ولا لون بشرتنا، ولا كم الأموال الذى فى حوزتنا.
وحفز ذلك الدول الأعضاء فى منظمة الصحة العالمية، البالغ عددها 194 دولة، على اتخاذ قرار ببذل جهدين بارزين بالتوازى: الشروع فى التفاوض على أول اتفاق فى شأن الجوائح للوقاية من الأوبئة والتأهب والتصدى لها، بالتزامن مع إدخال سلسلة من التعديلات المحددة الهدف فى الوقت نفسه على اللوائح الصحية الدولية الحالية، التى تشكل القواعد العالمية التى تستخدمها البلدان للكشف عن طوارئ الصحة العامة والتحذير منها والتصدى لها.
وانطلق هذان الجهدان فى وقت أدى فيه الانقسام الاجتماعى والسياسى والاستقطاب إلى إقامة حواجز تبدو غير قابلة للاختراق بين الكثير من دول العالم.
ولكن بدلا من الخضوع لمثل هذه الحسابات الجيوسياسية، نجح هذان الجهدان اللذان قادتهما الحكومات فى جنيف، فى الجمع بين الدول لجعل العالم أكثر أمانا فى مواجهة الجائحة التالية.
وتستمر المفاوضات فى شأن هذين الجهدين الفائقى الأهمية خلال الأسبوع المقبل، ومن المقرر أن ينظر فيهما اجتماع "الصحة العالمية" السابع والسبعون فى جنيف يوم 27 مايو المقبل.
نظم صحية تضمن الوقاية..
ومع الاقتراب الشديد من خط النهاية، لم يسبق أن كانت الأخطار المحدقة بالعالم أعلى مما هى عليه الآن. ولا تزال هناك قضايا رئيسة يتعين إيجاد حل لها، وتتعلق أولاها بكيفية قيام الاتفاق فى شأن الجوائح بضمان الإنصاف لجميع البلدان عندما يتعلق الأمر بجعلها مستعدة للوقاية من الجائحة التالية أو للتصدى لها. ويشكل "تفعيل" الإنصاف لازمة متكررة فى أثناء المحادثات.
ويستلزم ذلك ضمان حصول الدول فى الوقت المناسب على القدرات اللازمة لحماية عامليها الصحيين ومجتمعاتها المحلية من خطر الجوائح، حتى لا نشهد تكرارا لأوجه الإجحاف فى الحصول على اللقاحات ووسائل التشخيص والعلاجات ومعدات الحماية الشخصية وغيرها من الأدوات الحيوية.
ويعنى تفعيل الإنصاف امتلاك كل الدول نظما صحية قوية لضمان الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها فى المستقبل بطريقة جماعية، حيثما ظهرت. ويتوقف الأمن الصحى العالمى على ضمان عدم وجود حلقات ضعيفة فى سلسلة الدفاع ضد المُمرضات التى يحتمل أن تتحول إلى جوائح، وللإنصاف فى مجال الصحة العالمية أهمية بالغة فى ضمان القوة لكل حلقة من حلقات هذه السلسلة.
الوقاية من تهديد الجائحة التالية..
ويوفر الاتفاق الأساس الذى سيُقام عليه النهج التعاونى الذى يمكن أن يتبعه العالم فى المستقبل للوقاية من تهديد الجائحة التالية، وسوف يملأ الفجوة التى كشف سترها كورونا فى استعداد العالم للعمل معا وبفعالية لمنع انتشار الفيروسات المهددة للحياة. وهو يرتكز على الاعتراف بأنه لا يمكننا حقا تحقيق الأمن الصحى العالمى إلا عندما تزداد قوة كل بلد.
ويؤكد أن الأمن الصحى العالمى يقوى عندما يتحقق إنصاف حقيقى فى مجال الصحة العالمية، ويذكرنا جميعا بأنه لا يوجد أحد فى مأمن من فيروس يحتمل أن يتحول إلى جائحة إلا إذا أصبح الجميع آمنين. ومن شأن وجود اتفاق فى شأن الجوائح أن يؤدى إلى تقوية وتأمين الإنصاف فى مجال الصحة العالمية.
وليس الاتفاق فى شأن الجوائح مجرد قصاصة ورقية. بل هو فى جوهره أداة منقذة للحياة ستحدد كيفية تعامل البلدان بعضها مع بعض فى شأن مجموعة واسعة من القضايا للتصدى للجائحة التالية.
وأوضح، أنه وفى وقت يزخر بهذا القدر من الاحتكاك والتوتر فى العالم، تم إحياء كل الجهود التى يبذلها المجتمع الدولى لاغتنام هذه الفرصة الفريدة لجعل العالم فى مأمن من الجوائح.
الاتفاق فى شأن الجوائح أداة منقذة للحياة، وكأنه جهاز لإزالة رجفان العالم. ويجب بناء هذه الأداة وإتاحتها لفائدة الجميع، مع الاعتراف بأنه لا يمكن ترك أحد خلف الركب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة