أكد الشيخ أحمد المالكى، من علماء الأزهر الشريف، أن الأمن والاستقرار مطلب شرعي وإنساني ، فما من إنسان إلا وهو ينشد الأمن الذي يؤمّن حياته بشكل عام ( دينه ، وفكره ، ومعتقده، وأسرته، ومعاشه )، وينشد الاستقرار الذي يؤمّن له متطلبات الحياة ؛ ويستطيع من خلال هاتين النعمتين أن ينجز ويتقدم ويستشرف المستقبل .
وأضاف في تصريحات خاصة ، لكن لن يتوفر الأمن للإنسان بمجرد أن يضمن تأمين نفسه فحسب، بل يضمن أمن نفسه وغيره، ويشمل الأمن على معتقده الذي يؤمن به، وعلى هويته الفكرية والثقافية، وعلى موارد حياته المادية، وبهذا التكامل يكون الطريق نحو مستقبل أفضل، وعلى الإنسان أن يجاهد لحفظ أمن بلده واستقراره من أن يعبث به عبثيٌّ ، وأن يعمل على زيادة استقراره ؛ فالأمن ضرورة لا قيام للدول ولا للعمران ولا للتمدّن إلا به.
قال الماوردي: (اعلم أن ما به تصلح الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة، وأمورها ملتئمة، ستة أشياء، هي قواعدها وإن تفرعت، وهي: دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن، وخصب دارّ، وأمل فسيح).
وكذلك قال الجويني :(لا تصفو نعمة من الأقذار، ما لم يأمن أهل الإقامة والأسفار من الأخطار والأغرار.. فالأمن والعافية قاعدتا النعم كلها، ولا يهنأ بشيء من دونها).
وإنّ الناظر إلى الوحيين الشريفين يجد الأمن مقصدًا عظيمًا من مقاصد الشريعة .
فقد امتنّ الله تعالى على المسلمين بنعمة الأمن في البلد الحرام، فقال تعالى : ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾ [البقرة:١٢٥].
كما امتنّ الله على القوم الغابرين بأمْن القرى والبلدان، كامتنانه على أهل مصر في عهد يوسف بالأمن: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ﴾ [يوسف:٩٩]، أي: (يَعْنِي عَلى أنْفُسِكم وأمْوالِكم وأهْلِيكم لا تَخافُونَ أحَدًا).
كما يقول الرازي وهو دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام:آمنا، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا﴾ [البقرة:١٢٦] وبهذا الدعاء جمع خليل الله إبراهيم عليه السلام جميع ما يُطْلَبُ لخير البلد.
وفي السنة النبوية، ما يؤكد أهمية أمن الإنسان في البلد والوطن الذي يعيش فيه، يقول ﷺ : (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ) رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وابن ماجه، والطبراني في الكبير.
فالأمن على نفس الإنسان، وعلى سلامة بدنه من العلل والأمن على الرزق، هو الأمن الشامل ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ما هو ضدّ الأمن كالخوف والرعب، حتى ولو كان أقل الخوف وأهونه.
فقال عليه الصلاة والسلام : (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) رواه أبوداود وأحمد ، ونهي عن إشهار السلاح في وجه أخيه الإنسان ، ولو كان مازحًا ، فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان يتزع في يده فيقع في حفرة من النار ).متفق عليه، وغير ذلك من الأدلة التي تبرهن على عِظم الأمن .
وفي الأخير ؛ لا قيمة لكل أنواع الأمن ( أمن الدّين، والفكر، النفس، والمجتمع،و المعاش، من غير وطن آمن.
يقول الجويني: (إذا تمهّدت الممالك، وتوطّدت المسالك، انتشر الناس في حوائجهم، ودرجوا في مدارجهم... واتسق أمر الدين والدنيا، واطمأنّ إلى الأمَنَةِ الورى).
حفظ الله وطننا ووقاه شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة