لحظة مفصلية تمر على الحكومة الفرنسية اليوم، تجعلها على مفترق طرق، قبل أسابيع قليلة من وصول الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يواجه رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه، تصويتاً بحجب الثقة، من المرجح أن يطيح به وبمجلس وزرائه، ما يترك البلاد بدون حكومة أو ميزانية مع دخول العام الجديد، وسيدفع ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى أزمة سياسية غير مسبوقة.
البداية، حين اقترح حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، الذي تتزعمه مارين لوبان، إلى جانب تحالف يساري، عقد تصويت حجب الثقة ضد الحكومة ، بسبب معارضتهم ميزانية بارنييه التي تسعى لكبح العجز العام المتزايد في فرنسا من خلال توفير 60 مليار يورو عن طريق زيادة الضرائب وخفض الإنفاق.
ما الأسباب التي قد تؤدى إلى حجب الثقة عن رئيس حكومة فرنسا؟
ولإسقاط حكومة ميشال بارنييه، يجب أن يصادق 289 نائبا على الأقل من الجمعية الوطنية على ذلك، وبما أن الجبهة الشعبية الجديدة التي تجمع عدة أحزاب، بينها الحزب الاشتراكي والشيوعي والخضر، أعلنت مرارا وتكرارا بأنها ستصوت على حجب الثقة عن حكومة بارنييه، فهذا يعني بأن النصاب سيكتمل إذا أضفنا نواب التجمع الوطني الذين يريدون هم أيضا الإطاحة بحكومة بارنييه.
وهذا العدد كفيل بتمرير قرار حجب الثقة من حكومة بارنييه، وبالرغم من أن أحزاب التحالف الرئاسي وبعض السياسيين الفرنسيين من اليمين المعتدل قد انتقدوا خطوة الجبهة الشعبية التي قد تعزز أصوات التجمع الوطني اليميني المتطرف، إلا أن ماتيلد بانو، رئيسة كتلة الحركة الشعبية في الجمعية الوطنية، لم تأخذ بعين الاعتبار هذه الانتقادات وأكدت مرار بأن الكتلة التي تترأسها ستصوت هي الأخرى من أجل اسقاط الحكومة الفرنسية.
وإذا نجح التصويت، فسيكون أول حكومة فرنسية تجبر على الخروج من خلال تصويت بحجب الثقة منذ 1962.
كيف مرر بارنييه قانون الموازنة دون تصويت البرلمان؟
من جانبه، استشهد بارنييه بالمادة 49.3 لتمرير قانون الموازنة دون موافقة البرلمان، وبينما تسمح هذه الآلية للحكومة بتجاوز التصويت البرلماني، إلا إنها تعرض إدارة بارنييه أيضاً لاقتراح بحجب الثقة، حيث تمنح النواب فرصة الطعن في هذا القرار من خلال تقديم اقتراح بحجب الثقة في غضون 24 ساعة.
وحذر رئيس الوزراء ميشيل بارنييه من أن فرنسا وصلت إلى لحظة الحقيقة، حيث قال في مقابلة مع قناتي TF1 وFrance 2: إنها ليست مسألة بقاء سياسي بالنسبة لي، وهذه هي المرة الأولى منذ عام 1958 التي لا توجد فيها أغلبية على الإطلاق، لا أغلبية ممكنة بين 3 مجموعات رئيسية، أعلم أن هذا وضع هش وزائل .
وبعد الانتخابات البرلمانية في يونيو ويوليو، انقسمت الجمعية الوطنية (البرلمان)، إلى 3 كتل رئيسية: ائتلاف يساري يُعرف باسم "الجبهة الشعبية الجديدة"، وحلفاء ماكرون الوسطيين وحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف. لم يفز أي منهم بأغلبية صريحة.
سيناريوهات سقوط الحكومة في فرنسا
وفي حال سقوط الحكومة، يقدم دستور فرنسا عدة سيناريوهات قد تبقي شؤون البلاد في حالة من النظام إلى حد ما، على الأقل في الأمد القريب، فالمؤسسات الفرنسية قوية نسبياً، وتنص قوانين البلاد على الاستمرارية في غياب الحكومة والميزانية، حسبما نقلت "واشنطن بوست".
ولكن هناك ثمن قد تدفعه فرنسا، فالمستثمرون يبيعون بالفعل الأسهم والسندات الفرنسية، ما يرفع تكاليف الاقتراض في البلاد، كما أن الاضطرابات السياسية التي عصفت بفرنسا، منذ دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى انتخابات مبكرة في الصيف الماضي، تتفاقم.
وإذا ما انهارت الحكومة الفرنسية فإن ذلك سيحدث فراغاً في قلب الاتحاد الأوروبي، في وقت تعيش فيه ألمانيا على وقع انقسام حكومي، قبل أسابيع فقط من عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
وقد يطلب ماكرون من بارنييه البقاء في دور القائم بأعمال رئيس الوزراء بينما يسعى إلى رئيس وزراء جديد، وهو ما قد يحدث العام المقبل فقط.
كما ستدخل فرنسا فترة من عدم اليقين السياسي، ومن المرجح أن تكون هناك حاجة إلى تدابير دستورية طارئة لإدارة ميزانية عام 2025.
ويملك ماكرون مجموعة من الخيارات، لكنه مقيد دستورياً بحقيقة أنه نظراً لأنه حل البرلمان في يونيو، فلا يمكنه القيام بذلك مرة أخرى حتى يونيو 2025.
ويمكن للرئيس إعادة تعيين بارنييه كرئيس للوزراء، وهو ما قد يراه البرلمان استفزازياً ويعتبره معظم المراقبين غير مرجح، يمكنه أيضاً أن يطلب من الأحزاب السياسية محاولة بناء ائتلاف جديد، هذه المرة بدعم أكبر.
وقد يقرر ماكرون أيضاً تعيين حكومة تكنوقراطية للإشراف على إدارة فرنسا لمدة 6 أشهر أخرى، كما قد يستقيل هو نفسه، ما يؤدي إلى انتخابات رئاسية جديدة، ولكن في الوقت الحالي يُنظر إلى ذلك على أنه غير مرجح، وفق "الجارديان".
ماذا يريد اليمين المتطرف من ماكرون ؟
ومن الواضح أن حزب التجمع الوطني المتطرف والجبهة الشعبية الجديدة، يريدان إسقاط الحكومة وتعقيد الوضع السياسي أكثر في ظل أزمة سياسية واقتصادية خانقة، لكن مارين لوبان وجان لوك ميلنشون يطالبان ماكرون بالاستقالة، معتبرين بأنه هو العقبة الاساسية أمام تسوية الوضع السياسي في فرنسا لا سيما وأنه هو الذي أخذ قرار تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في يوليو الماضي وأدت إلى هذا المشهد المعقد.
ولم يكف جان لوك ميلنشون باتهام الرئيس الفرنسي بأنه هو المشكلة الجوهرية، داعيا ومؤكدا على ضرورة تنظيم انتخابات مبكرة لاختيار رئيس جديد يكون قادرا على تسوية الأوضاع السياسية ويحظى بقبول من قبل جميع الأحزاب السياسية.
نفس الشيء أيضا بالنسبة لمارين لوبان التي ترى أن تعقد الأزمة الفرنسية يقف وراءها الرئيس الذي أصبح معزولا نوعا ما ولا يملك أغلبية برلمانية.
لكن الرئيس ماكرون أكد سابقا أنه لن يستقيل من منصبة وسيواصل عمله إلى انتهاء عهده، مع الإشارة إلى أن مايو 2027 هو التاريخ القانوني المحدد لإجراء انتخابات الرئاسية المقبلة.
وجدير بالذكر أيضا أنه لا توجد أية مادة دستورية تجبر رئيسا فرنسيا على الاستقالة من منصبه قبل نهاية ولايته. إلا في حالات طارئة جدا مثل المرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة