ازداد وضع الرئيس الجزائرى هوارى بومدين الصحى حرجا، فاستدعت الحكومة أطباء من: «فرنسا، وأمريكا، وألمانيا، واليابان، والسويد، ويوغسلافيا، والصين، ولبنان، وتونس»، بالإضافة إلى وجود طاقم من كبار الأطباء السوفيت عاد معه من موسكو حين سافر إليها فى سبتمبر 1978 للكشف عليه، وفقا للكاتب الجزائرى خالد عمر بن قفة فى حلقات «القصة الكاملة للغز وفاة الرئيس بومدين» فى «الشروق الجزائرية - 22 يوليو 2008».
يذكر «بن قفة»: «لم يقترح أحد إضافة جديد للعلاج الذى تم وضعه فى موسكو، وبعد مداولات انتهى الأطباء - ومنهم الطبيب السويدى الشهير والدنستروم - إلى أن بومدين مصاب بالمرض الذى يحمل اسم هذا الطبيب والدنستروم، وأن الموت قادم لا محالة، ثم دخل فى غيبوبة حتى فارق الحياة فى 27 ديسمبر، مثل هذا اليوم 1978، عن 46 عاما وأربعة شهور و24 يوما، وربما كان صغر سنه سببا فى اعتقاد البعض باغتياله بطريقة ما، وكان «بن قفة» ممن أثاروا هذا الأمر مبكرا فى كتابه «اغتيال بومدين - الوهم والحقيقة».
هو محمد بوخريه محمد إبراهيم، المولود فى 23 أغسطس 1932، لفلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد، وختم القرآن الكريم سنة 1948، وقام بتدريس اللغة العربية والقرآن لأبناء قريته، واستدعاه الاحتلال الفرنسى للتجنيد، لكنه فر إلى تونس ومنها لليبيا ثم لمصر، والتحق بالأزهر وتفوق فى دراسته، وقسم وقته بين الدراسة والتدريب العسكرى، وأصبح أبرز قيادة عسكرية الثورة الجزائرية التى بدأت كفاحها المسلح بمساعدة مصر فى أول نوفمبر 1954، وفى 1957 يشتهر باسمه العسكرى «هوارى بومدين»، وبعد استقلال الجزائر عام 1962 أصبح وزيرا للدفاع، ثم انقلب على أول رئيس جزائرى أحمد بن بيلا، يوم 19 يوليو 1965 وأصبح رئيسا للجزائر، وفقا لفتحى الديب فى كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر».
أخلص «بومدين» لعروبته وللقضية الفلسطينية، وقصته مع مصر فى حربى 5 يونيو 1967 وأكتوبر 1973 نموذجا، ويذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار»، أن بومدين سافر لموسكو يوم 12 يونيو 1967 بطلب من جمال عبدالناصر، وحسب محضر الاجتماع مع القيادة السوفيتية، قال: «أنا لم أجئ لأتناول الغداء أو العشاء، وإنما لأفهم»، فرد عليه سكرتير الحزب الشيوعى «بريجنيف»: «أنا وزملائى نفضل أن نسمع منك أولا».
سأل بومدين: «ما هو حدود الوفاق بينكم وبين الأمريكيين؟ إننا نراه وفاقا من جانب واحد، أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف، وهم يتصرفون بأقصى درجات القوة»، فقاطعه رئيس الوزراء السوفيتى «كوسيجين»: «نحن لا نتصرف بضعف»، فرد بومدين: «بل تتصرفون بمنتهى الضعف، وإذا كنتم تتصورون أننى جئت لأجاملكم فإنى لن أفعل ذلك، والحقيقة أننا لسنا وحدنا الذين هزمنا، وإنما أنتم هزمتم معنا بل قبلنا، وإذا كنتم لا ترون أن ميزان القوى العالمية تحول لصالح الناحية الأخرى فهذه مصيبة، وإذا كنتم ترون ذلك ولا تفعلون شيئا فهذه مصيبة أكبر، لقد تركتم ما حدث يحدث دون رد فعل منكم إلا بالبيانات والمقالات».
رد «كوسيجين»: «هل تريدنا أن ندخل فى حرب نووية؟ وهل تقدرون ما معنى الحرب النووية واحتمالاتها؟»، فقال بومدين: «هذا كلام ينبغى أن تفكروا فيه قبل الأحداث وليس بأثر رجعى بعدها»، وتدخل «بريجنيف» قائلا: «إن الاتحاد السوفيتى لم يكتف بالبيانات والمقالات، وإنما قدم لأصدقائه العرب ما يحتاجون إليه من السلاح، ولكنهم لم يحسنوا استعماله»، فقد بومدين أعصابه، ورد: «ليكن، نحن لا نحسن غير أن نسوق الجمال ولا نعرف كيف نقود الطائرات الحديثة، فتعالوا أنتم وأرونا ما تستطيعون عمله، معلوماتى تؤكد أن السلاح الإسرائيلى كان متفوقا»، فرد «كوسيجين»: «حاولنا أن نستجيب لطلباتكم وقدمناها بأسعار مريحة، بل أنكم لم تسددوا حتى ربع تكاليف ما حصلتم عليه».
يؤكد «هيكل»، أن بومدين استبد به الغضب وقال، إنه تخوف من هذه الملاحظة، فاستعد لها بأن طلب من وزير المالية الجزائرى بتحويل مائة مليون دولار لصالح وزارة الدفاع السوفيتية، ثم أخرج «الصك» بالمبلغ، وكان يحتفظ به فى ملف أمامه، فاحمر وجه كوسيجين قائلا: «لست تاجر سلاح حتى تعاملنى بالشيكات»، فرد بومدين، أنا لم أبدأ، وإنما أنت الذى تحدثت عن نصف وربع الثمن، وتكهرب الجو، فاقترح بريجنيف رفع الجلسة لاستراحة قصيرة، وانتهت الزيارة بقرار أن يقوم رئيس الدولة «بادجورنى» بزيارة مصر.
أما فى حرب 6 أكتوبر 1973، وحسب الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب الجيش المصرى وقتها فى مذكراته: «اتصل بومدين بالسادات مع بداية الحرب وقال، إنه يضع كل امكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية، وطلب منه أن يخبره فورا باحتياجات مصر من الرجال والسلاح، فقال السادات، إن الجيش المصرى فى حاجة لمزيد من الدبابات، وأن السوفيت يرفضون تزويده بها، فطار بومدين لموسكو، وبذل كل ما فى وسعه بما فى ذلك فتح حساب بنكى بالدولار لتعجيل الروس بإرسال السلاح للجيشين المصرى والسورى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة