تقدم رئيس الديوان الملكى من العاهل المغربى، الملك الحسن الثانى، وقام بتقبيل يده ثم أبلغه بجاهزية افتتاح مؤتمر القمة العربية، بمشاركة 14 رئيسا وملكا، لكن الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى غضب مما رآه، وامتد غضبه إلى جلسات المؤتمر، فجعل منها «أغرب مؤتمرات القمة العربية التى عقدت من قبل»، بوصف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، الذى كان ضمن شهودها، ويذكر وجه غرابتها فى كتابه «الطريق إلى رمضان».
كانت شهور قليلة تفصل بين الثورة الليبية بقيادة القذافى، يوم 1 سبتمبر 1969، وبين موعد انعقاد هذه القمة فى العاصمة المغربية الرباط، التى انتهت فى 23 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969، ويرى «هيكل» أن هذه الشهور القليلة جعلت من القذافى مركز اهتمام المؤتمر، لأنها كانت المرة الأولى التى يظهر فيها على المسرح الدولى.
ترأس الملك الحسن الثانى المؤتمر، ويذكر «هيكل» أن مسألة تقبيل يد الملك الحسن من رئيس ديونه كانت أول الأشياء التى أغضبت القذافى، فعندما شاهد ما فعله رئيس الديوان كسا الذعر وجهه، وقال: هل ترون ذلك الرجل- مشيرا إلى رئيس الديوان- يقبل يد الحسن؟ أما زال تقبيل اليد معمولا به فى العالم العربى؟ وهل مازلنا متمسكين بهذه المخلفات من الإقطاع والعبودية؟ كيف يمكننا أبدا أن نحرر فلسطين، إذا كنا لا نزال نقبل الأيدى؟
أسفرت هذه الغضبة عن حرج شديد حاول «عبدالناصر» بعده أن يهدئ القذافى، وفقا لـ«هيكل»، مضيفا: «فى الجلسة الأولى للمؤتمر استمع الملوك ورؤساء الدول مرة أخرى إلى تقرير من الفريق محمد فوزى، وزير الحربية المصرية، عن الاستعدادات للمعركة «ضد إسرائيل»، ومرة أخرى تدخل القذافى مقاطعا، وتساءل: «أمن الحكمة فى شىء أن تقال كل هذه الأسرار أمام كل الحاضرين هنا؟ إن من المؤكد أن من بينهم من سينقلها إلى الإسرائيليين».
يضيف «هيكل»: «مع مضى المؤتمر فى إجراءاته ازداد عدد من ارتفعت حواجبهم دهشة، بعدما رأوا القذافى يوجه الخطاب إلى رئيس المؤتمر باسم «الأخ الحسن»، وإلى الملك فيصل باسم «الأخ فيصل»، وكان عبدالناصر يدعو الملك باسم «الأخ الملك فيصل»، لكن القذافى تمسك باسم «الأخ فيصل»، وقد وجه الملك فيصل إلى الرئيس عبدالناصر نظرة ذات مغزى، كأنه يقول له: «ما الذى ستفعله بشأن صديقك؟
يتذكر «هيكل»: «فى أحد اجتماعات المؤتمر- وكانت هناك شبه أزمة- خرج القذافى إلى أحد الممرات التى تؤدى إلى قاعة الاجتماعات، وجلس بجانبى حيث كنت أجلس، وفى تلك الأثناء مر أمامنا شخص حيانى فرددت تحيته، وسألنى القذافى: «من هذا؟ فقلت له إنه الجنرال أوفقير «وزير داخلية المغرب» ألا تعرفه؟ وانفجر: «أوفقير؟ إنه الرجل الذى قتل بن بركة»، «المهدى بن بركة هو الزعيم المغربى المعارض الذى اختفى فى باريس عام 1965، وأدين أوفقير من قبل إحدى المحاكم الفرنسية بالتآمر فى عملية اختفائه».
يضيف «هيكل»، أنه وافق القذافى على أن أوفقير كان متهما بالاشتراك فى عملية الاختطاف والاغتيال، لكن الرئيس الليبى رد قائلا:«كلا، لقد قتله. إنه قاتل، كيف يسمح له بأن يكون هنا بيننا؟ لا بد أن يصدر الأمر إلى البوليس بالقبض عليه؟»، يذكر «هيكل» أنه رد قائلا: «ذلك أمر صعب، لأن أوفقير نفسه هو مدير البوليس».
يتذكر «هيكل» أنه فى هذه اللحظات مر أمامهما شخص آخر يعرفه القذافى، فقال عنه: إنه الرجل المسؤول عن تلك الصفقة الكبيرة الخاصة مع إحدى شركات السلاح وإحدى شركات البترول، وتقاضى فيها عمولة ضخمة «لم يذكر هيكل طبيعة هذه الصفقة ولا اسم الشخص».. يضيف: «لم يكد القذافى يفيق من هذه الصدمة الجديدة، حتى مر شخص ثالث من أمامنا، فقلت له: إنه مساعد أوفقير، ولم أكد أتم كلامى حتى رأيته يتركنى ويتجه مباشرة لمقابلة عبدالناصر حيث قال له: «إننا فى هذا المؤتمر محاطون بلصوص، ومتآمرون وجواسيس، ولا يمكن اجتماع كهذا أن يسفر عن أى خير، ومن الأفضل لنا ألا نكون هنا، وسأعود أنا إلى بلادى غدا».
يذكر «هيكل» أن الملك الحسن سمع بتهديد القذافى بالانسحاب، فكتب ورقة صغيرة مررها إلى عبدالناصر قال فيها: «فخامة الأخ، لقد أصدر رئيس ليبيا أوامره بأن تكون طائرته مستعدة للسفر فورا، وهو ينوى السفر بالفعل. إن سفره المفاجئ هكذا قبل أن ينتهى المؤتمر من أعماله سيفسر بما يعنى أن المؤتمر يواجه أزمة، أرجوك أن تبذل كل ما تستطيع لإقناع الرئيس الليبى بالبقاء»، يؤكد «هيكل»: «قبل عبدالناصر الرجاء وبقى القذافى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة