اختلافات جذرية تشهدها سوريا، لا تقتصر في جوهرها على مجرد الانتقال من نظام إلى آخر، في أعقاب سقوط بشار الأسد، وإنما تمتد في إدارة العلاقة مع المحيطين الإقليمي والدولي، وهو ما يضع السلطة الجديدة في البلاد، في اختبار حقيقي، يرتبط في الأساس في إدارة مرحلة "ما بعد الأسد"، وهو ما يحمل أهمية كبيرة، إذا ما نظرنا إلى العديد من المعطيات، ربما أبرزها أن السبب الرئيسي في سقوط النظام السابق، في دمشق، تجسد بجلاء في فشله في إدارة المرحلة التي أعقبت الجزء الأول من "الربيع العربي"، بعدما نجا من السقوط، بفضل التدخل الروسي، والتي شنت عمليات عسكرية واسعة النطاق تمكنت من تحرير أجزاء واسعة من البلاد من قبضة الإرهاب.
صعوبة المرحلة الراهنة، يتجلى بوضوح في كونها انتقالية، تواجه فيها البلاد تغييرات جذرية، في ضوء طبيعة الحكم، والرؤية الدولية، ناهيك عن ارتباط سوريا في واقع الأمر بحالة من الاستقطاب الدولي، يبدو بجلاء بين روسيا، والتي تمتلك قواعد عسكرية على أراضيها، والغرب، وفي القلب منه الولايات المتحدة، والتي ربما تسعى لتقويض الجهود التي بذلتها موسكو طيلة السنوات الماضية، لإحياء دورها في منطقة الشرق الأوسط، عبر البوابة السورية، أملا في الانطلاق نحو ملفات تبدو أكثر أهمية وتأثيرا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو ما يفسر تواتر الزيارات الغربية، إلى دمشق للقاء القيادة الجديدة، في انعكاس لحالة ضمنية من الدعم، افتقدها الأسد، في أعقاب الانتصار المرحلي الذي حققه في أواخر العقد الماضي.
حالة الاستقطاب التي تشهدها دمشق، في لحظة محورية في تاريخها، تبدو كذلك في المشهد الإقليمي، في ضوء تباعد ملموس تجاه إيران، يقابله تقاربا مع أنقرة، بينما تبقى الدول العربية، حريصة كل الحرص على مصلحة سوريا وسيادتها ووحدتها الإقليمية، مع إعطاء الأولوية للشعب السوري، وهي ميزة إضافية، تقدم، حال استغلالها جيدا من قبل القائمين الجدد على السلطة في البلاد، قدرا كبيرا من الحماية للسوريين، خاصة إذا ما نظرنا إلى الموقف الأولى الذي اتخذته الدول العربية، عبر اجتماع العقبة، والذي عقد في أعقاب المستجدات في سوريا مباشرة، لتقدم الدول العربية، عبر لجنة الاتصال المرتبطة بها، والمشكلة من قبل جامعة الدول العربية، يد العون إلى السوريين، عبر مبادرة حملت مسارين، أولهما يقوم في الأساس على تحقيق حالة من الاندماج بين كافة أطراف المعادلة في دمشق، بينما يعتمد الثاني على إدانة الانتهاكات التي طالت أراضي سوريا في أعقاب التطورات الأخيرة.
ولعل الزيارات المتواترة، التي قام بها العديد من المسؤولين العرب، بين الأردن وقطر ولبنان، والمملكة العربية السعودية، وغيرهم، تعكس حقيقة مفادها حرص الجانب العربي، على تقديم يد العون إلى دمشق، في ظل ما تعانيه من أوضاع صعبة، جراء سنوات طويلة من الفوضى، بينما تمثل في الوقت نفسه دليلا دامغا على تعددية القضايا التي ينبغي أن تكون محلا للنقاش، منها على سبيل المثال، مواقف دمشق من الحرب على الإرهاب، ومستقبل اللاجئين، وقضية إعادة الإعمار، والتي تمثل أحد أهم الأولويات.
في المقابل، يبدى قائد النظام السوري أحمد الشرع، قدرا من المرونة في التجاوب، مع الكثير من القضايا المثارة، في ضوء تأكيداته على احترام دول الجوار، وعدم تهديدها، موضحا أن الهدف الرئيسي تحقق بسقوط الأسد، وإقصاء إيران عن المعادلة السورية، وهو ما بدا واضحا خلال حديثه مع السياسي اللبناني وليد جنبلاط، والذي زار دمشق مؤخرا.
وأما مسألة اللاجئين، فتمثل أولوية عربية، في ضوء أهمية عودة السوريين إلى بلادهم، وهو ما رحبت به القيادة السورية الجديدة، إلا أن لغة التصريحات ربما لن تكون كافية، في ضوء ارتباط العودة بما يمكن ملامسته من سياسات، تقوم في الأساس على التوافق بين السوريين، وتراجع النزعة الانتقامية، ناهيك عن تحسين الأوضاع في الداخل السوري، بما يسمح باستيعاب الأعداد الكبيرة، التي غادرت البلاد خلال سنوات تجاوزت العقد من الزمان، إلى دول الجوار.
وهنا يمكن القول بأن الكرة في ملعب القيادة الجديدة، حيث يبقى احترام الجوار، والالتزام بعدم تهديد أمنهم، مع العمل على تحسين الأوضاع في الداخل، لاستقبال السوريين المشتتين في كافة أقطار المنطقة، أولويات قصوى، من شأنها تعزيز الانفتاح، واستغلال الزخم الناجم عنه، ناهيك على تلاشي الأخطاء التي سبق وأن سقط فيها النظام السابق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة