وأثَّرت بالسلب على الأمن الفكري

المفتى: وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار فوضى الفتاوى

الأحد، 15 ديسمبر 2024 11:35 ص
المفتى: وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار فوضى الفتاوى الدكتور نظير عياد - مفتي الجمهورية
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال الدكتور نظير عيَّاد مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم: نلتقى فى هذه اللحظات المباركة احتفاءً بـ اليوم العالمى للفتوى، واحتفالًا بيوم تأسيس "الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء بالعالم"، وتعزيزًا للجسور الدينية والمعرفية والفكرية بين دار الإفتاء المصرية وجميع المؤسسات العلمية والإفتائية والإعلامية بالعالم؛ بما يمكننا من ترسيخ دعائم الوسطية والاعتدال وتحقيق الأمن الفكرى وتعزيز السلم العالمي، والتكامل نحو صياغة خطاب إفتائى رشيد يبين صحيح الدين ويحقق مقاصده، بالإفادة من القرائح المتميزة، والثقافات المتنوعة، والأطروحات التجديدية الكريمة التى سيطرحها السادة العلماء.

وأضاف خلال كلمته بالندوة الدولية الأولى التى تعقدها دار الإفتاء المصرية بمناسبة اليوم العالمى للفتوى تحت عنوان: "الفتوى وتحقيق الأمن الفكري" المنعقدة فى الفترة 15 – 16 ديسمبر برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى -رئيس جمهورية مصر العربية- متوجهًا بخالص الشكر والامتنان للرئيس، على رعايته للندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء المصرية، مشيرًا إلى أن رعاية سيادته لها تأتى ضمن دعمه الكبير واللامتناهى للمؤسسات الدينية من أجل القيام بدَورها الدينى والوطنى والعالمى نحو نشر وسطية الإسلام وتصحيح صورته بعيدًا عن تحريف الغالين أو تأويل المبطلين.

وتابع: هناك تحديات جسيمة وخطيرة تواجهنا فى الواقع الذى نعيشه اليوم، وتعد هذه التحديات المهدد الرئيس لأمننا ومجتمعاتنا بشكل كبير، ومنها بلا شك: "الفتاوى الشاذة" أو "فوضى الفتاوى"، التى تصدر من غير ذى صفة فى الفتوى، وتكون فتياه عارية عن النظر والاستدلال الصحيح المتفق مع نصوص الشريعة الكلية ومقاصدها الكريمة، أو تصدر ممن ظن أنه بمجرد قراءة بسيطة فى بعض الكتب أو المواقع قد أصبح بها فى مصافِّ أهل الفتوى؛ وهذه الفتاوى أصبحت سببًا للطعن فى الإسلام وتشويه صورته، ومعوقًا رئيسًا لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا شك أن تسميتها فتوى هو بالأساس من باب المجاراة، وإلا فحقها أن تسمى دعوة أو دعوات للإفساد فى الأرض، فإن التطرف نحو تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتخويف الآمنين وترويعهم ليس من الإسلام فى شيء.

كما أكد أن وسائل التواصل الاجتماعى ساعدت على انتشار هذه الفوضى، حتى إننا نجد عدد المفتين فى الواقع الافتراضى يكون بعدد مَن لهم صفحات أو مواقع عليها، الأمر الذى أثر بالسلب على الأمن الفكرى والاستقرار المجتمعى بشكل خطير، ومن ثم فإن المرء ليتعجب عندما ينظر فى حال هؤلاء القوم ويقارن بينهم وبين حال الصحابة الكرام رضى الله عنهم الذين كانوا يتورعون عن الفتوى بالأساس، فعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله ﷺ -أراه قال: فى المسجد- فما كان منهم محدِّث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا». وورد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «مَن أفتى الناس بكل ما يسألونه فهو مجنون».

فى الإطار ذاته قال المفتي: عندما نتحدَّث عن الأمن الفكرى نقصد به: حماية العقول الإنسانية من أى تطرف أو غلو فى فهم النصوص الدينية، أو تطبيقها بشكل خاطئ على أرض الواقع، ونهدف بذلك إلى ضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة وصيانة الأفكار من كل انحراف أو شذوذ فكري، وبذل الجهود نحو تحصين الشباب من الاستقطاب الفكرى الذى تحرض عليه الجماعات المتطرفة، وحمايتهم من الجنوح نحو الإلحاد والإباحية.

وإننا فى الوقت ذاته نواجه منهجَى [الإفراط والتفريط]، ونبحث كيف نحمى الإنسان من شرورهما الأثيمة، لذا فإن اهتمامنا بالأمن الفكرى وقضاياه المتنوعة يأتى من منطلق الترابط الوثيق بينه وبين الأمن المجتمعي، فهو أهم ركائزه الرئيسة؛ لأنه مرتبط بالفهم الوسطى والمعتدل لصحيح الدين، ويشكل هوية الأمة وعقيدتها فى النواحى الدينية والمدنية، ويبنى إنسانًا صالحًا سليمًا من الأفكار المتطرفة، فاعلًا فى المجتمع، مشاركًا فى استقراره وتعزيز أمنه وسلامته.

ومن ثَمَّ تظهر خطورة الجماعات المتطرفة على الأمن الفكرى والمجتمعى على السواء؛ حيث إنها تغرس أفكارًا منحرفة فى العقول، تجعل الإنسان مسخًا مشوهًا بلا انتماء أو هُوية، غير الانتماء لها ولمصالحها الخبيثة، وتعزِّز فيه معاداة المجتمع باعتباره من وجهة نظرها مجتمعًا كافرًا جاهليًّا لا يمثِّل المجتمع المسلم الصحيح، ثم إنها تنمى عنده العزلة الشعورية أو الحسية تجاه المجتمع، وفى النهاية تطلب منه أن يستبيح الدماء المعصومة، ويمارس أعمالًا إرهابية تخريبية فى المجتمع بذريعة أن هذا هو طريق الإصلاح.

ولفت النظر إلى أن اجتماعنا اليوم يجب أن يؤكد أن هذه الجماعات لا تمثِّل الإسلام فى شيء، وأنها كانت سببًا رئيسًا لوصف الإسلام بما ليس فيه.

وأردف مؤكدًا أن الفتوى لها دَور مهم فى إرساء دعائم الأمن الفكري، من خلال: تعزيز الانتماء الوطنى والشعور بالهوية، وإرساء مبادئ المواطنة الشاملة، التى تقوم على التعايش والتسامح وقَبول التنوع الدينى والعِرقى والمجتمعى فى الوطن الواحد، وتجلى قيمة العقل والفكر والعلم، وتعلى من شأن العلوم الإنسانية وتنظر إليها باعتبارها تتكامل مع العلوم الأخرى من أجل تحقيق النهوض الحضارى المنشود، وتدعم الابتكار والإبداع والفن الذى يعزِّز القيم الأخلاقية والمجتمعية، كما أنها بمنزلة الحارس الأمين الذى يحرس الأمة من الفتن والاضطرابات والحيرة والبَلبلة التى تنشرها الجماعات المتطرفة فى المجتمع.

وفى سياق ذى شأن أوضح المفتى أنه وفقًا لمكانة الفتوى وقيمتها وجدنا جماعات العنف والتطرف قد حرصت على أن تنفذ لقلوب الناس من خلالها، فأنشأت مواقع ودوائر إفتائية بمسميات دينية براقة، وأصدرت كتابات تتضمَّن محتويات إفتائية فى قضايا فكرية ومجتمعية بالغة الخطورة، تتعلَّق بتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم بداعى الردَّة لأدنى سبب، وتطورت فتاوى التكفير إلى الحكم على الإسلام بالإرهاب وعلى المسلمين بالتعصب والدموية.

وقد قامت دار الإفتاء المصرية بجهود كبيرة وفعالة فى تعزيز الاستقرار المجتمعى ودعم ركائز الأمن الفكرى على مدار مسيرتها الدينية والوطنية، منذ تأسيسها حتى هذه اللحظة التى أقف فيها بين يدى حضراتكم الآن، وتأتى هذه الندوة المباركة امتدادًا طبيعيًّا لهذه الجهود، ومن المهم أن أعلن لحضراتكم عن استراتيجية دار الإفتاء المصرية لتحقيق الأمن الفكرى فى المرحلة المقبلة، والتى ستكون وفق المسارات الآتية:

المسار الأول: تفعيل مشروع "التجديد المؤسسى لقضايا الفكر والمجتمع"، والذى يأتى امتدادًا لما قام به الأزهر الشريف فى مؤتمر (التجديد فى الفكر والعلوم الإسلامية عام 2020م)، وسيكون ذلك من خلال التعاون والتكامل مع جميع المؤسسات الدينية والمجتمعية المصرية وفى مقدمتها "الأزهر الشريف" برعاية مولانا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بهدف التعاون والتكامل نحو رصد القضايا والإشكاليات الملحَّة فى الواقع، لدراستها دراسة فقهية وإفتائية جادة تنتهى إلى صياغة الحكم الشرعى صياغة دقيقة ومحكَمة تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، وتراعى المصالح الوطنية والمجتمعية، وتغلق الباب أمام كل متربص بالإسلام أو مزايد على صلاحيته لكل زمان ومكان، مع ضرورة إتاحتها والترويج لها بشكل مجتمعى مناسب يُسهم فى تعزيز الوعى عند أفراد المجتمع، الأمر الذى سيتحقق به الأمن الفكري.

وفى الوقت نفسه ستقوم "الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء بالعالم" بالتواصل مع جميع دور وهيئات الفتوى بالعالم لرصد القضايا والإشكاليات الملحَّة عندهم والتعاون معهم بهدف بيان وجهة النظر الشرعية المناسبة لهذه القضايا، بما سينعكس بشكل إيجابى على السِّلم والأمن الدولى والمجتمعي.

المسار الثاني: تدشين العديد من البرامج المجتمعية التى تُعنى بقضايا الأمن الفكري، مع نشر الوعى بمخاطر منهجَى الإفراط والتفريط وتداعياتهما السلبية على الأمن المجتمعي، والتحذير من خطورة الاستقطاب نحو الأفكار المنحرفة، وتعزيز القيم والمبادئ التى تُعنى ببناء الإنسان بناءً معرفيًّا وثقافيًّا وجسديًّا وروحيًّا بناءً جادًّا، وذلك وفق خطة دقيقة ومحكمة سيلتقى فيها أمناء الفتوى بالدار جميعَ أطياف المجتمع ومؤسساته للردِّ على أسئلتهم واستفساراتهم حول القضايا الملحة والمستجدة.

المسار الثالث: تطوير "وحدة حوار" بهدف تعزيز الأمن الفكرى عند الشباب، وبناء الجسور المعرفية والثقافية مع جميع أفراد المجتمع، وتعزيز مكانة المرجعية والمؤسسات الدينية التى حرصت – ولا تزال – الجماعات المتطرفة على تشويهها.

وهذا التطوير سيكون بدفع طاقات شبابية جديدة قادرة على الحوار الجاد الذى يقوم على تعزيز قضايا الأمن الفكرى بناء على حجج عقلية وبراهين منطقية، لا يستطيع طرفى الإفراط والتفريط نقضها أو تجاوزها، بالإضافة إلى تحديث البرامج التدريبية التى تؤهل أعضاء هذه الوحدة تأهيلًا معرفيًّا وثقافيًّا جادًّا يحقق غايتها ورسالتها التى أُنشئت من أجلها.

المسار الرابع: تكليف "مركز سلام" التابع لدار الإفتاء المصرية بالتواصل مع مؤسسات وهيئات البحث العلمى لدراسة الظواهر والأفكار المهددة والمعوقة لتحقيق الأمن الفكري، دراسة علمية جادة تتكامل فيها وجهات النظر والرؤى الدينية والإنسانية حتى تؤطر مخرجاتها للإجراءات الواقعية والمناسبة لتعزيز وتحقيق الأمن الفكري.

المسار الخامس: تعزيز قدرات دار الإفتاء فى مواجهة "الإرهاب الإلكتروني" الذى يعدُّ أكبر مهددات الأمن الفكرى والمجتمعي، والذى تكرس له الحركات والجماعات المنحرفة جهودها، بهدف نشر العنف، وزعزعة الثقة بين أفراد المجتمع، ونشر الشائعات المغرضة، ومحاولة تجنيد الشباب لأفكارها الإرهابية المتطرفة، والابتزاز المادى والمعنوى الذى تمارسه بحق بعض الأفراد والأُسر، وغير ذلك مما يهدد أمن المجتمع ويزعزع استقراره، وستبذل الدار جهودًا حثيثة فى مواجهة ذلك من خلال صفحاتها ومواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال برامجها التوعوية الميدانية على أرض الواقع.

وفى ختام كلمته توجَّه المفتى بخالص الشكر والتقدير لحضور الندوة الكريم من داخل مصر وخارجها، كما توجَّه بالشكر والتقدير لجميع العاملين بدار الإفتاء المصرية الذين قاموا بأدوار كبيرة وأسهموا بشكل فعال فى الإعداد لهذه الندوة ونجاحها على النحو المنشود، وكذلك توجه بالشكر والتقدير للجهات التنفيذية والأمنية والإعلامية التى أسهمت فى نجاح الندوة.

 

مؤتمر الفتوى (1)
 
مؤتمر الفتوى (2)
 
مؤتمر الفتوى (3)
 
مؤتمر الفتوى (4)
 
مؤتمر الفتوى (5)
 
مؤتمر الفتوى (6)
 
مؤتمر الفتوى (7)
 
مؤتمر الفتوى (8)
 
مؤتمر الفتوى (9)
 
مؤتمر الفتوى (10)
 
مؤتمر الفتوى (11)
 
مؤتمر الفتوى (12)
 
مؤتمر الفتوى (13)
 
مؤتمر الفتوى (14)
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة