عمليات عسكرية واسعة النطاق، شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، على العديد من المناطق السورية، تجاوزت الجولان المحتل، نحو العاصمة دمشق، ساهمت في تدمير ما تبقى من مقدرات الجيش السوري، وذلك بعد ساعات قليلة من الإعلان عن سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وهو ما يعكس ارتباطا عميقا بين تحرك الفصائل المسلحة، والأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في ضوء الاعتداءات الإسرائيلية على العديد من دول المنطقة، وهو ما يمكن استنتاجه بالنظر إلى بتزامن الاقتتال الداخلي في سوريا مع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وهو ما يمكن رصده في تهديد نتنياهو المباشر للأسد، جراء ما أثاره حول دعم دمشق لحزب الله، واصفا هذا الأمر بـ"اللعب بالنار".
والملفت أن سياسات التوسع التي تتبناها إسرائيل، ارتبطت بصورة وثيقة منذ العقد الماضي، مع حالة عدم الاستقرار الأهلي التي تشهدها المنطقة، في ضوء ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وهو ما بدا بوضوح في تسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية خلال السنوات الماضية، تزامنا مع الفوضى التي هيمنت على دول المنطقة، وهي الحالة التي سعت إسرائيل إلى إعادة استنساخها مجددا في الأشهر الماضية، عبر توسيع نطاق العدوان، انطلاقا من قطاع غزة، مرورا بلبنان، وحتى اليمن، وما تخلل ذلك من هجمات على سوريا، كانت على استحياء، إلا أنها باتت أكثر وضوحا، إلى حد اتخاذ العديد من الخطوات التي من شأنها المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة المشتعلة أساسا، منها الإعلان عن انهيار اتفاق فض الاشتباك والذي يعود إلى السبعينات من القرن الماضي، مع التوغل العسكري في الجولان، والتي أعلن عنها نتنياهو باعتبارها إسرائيلية.
إعلان نتنياهو عن السيطرة الإسرائيلية على الجولان، بالتزامن مع لحظة سقوط الأسد، في الوقت الذي تتكثف فيه الغارات على معاقل الجيش السوري، تعكس حقيقة مساعي الدولة العبرية القائمة في الأساس على تفكيك الدول ومؤسساتها، باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق هدف التوسع، على حساب جيرانها العرب، بحيث يقتنص الفرصة لفرض سيادته على الأرض.
وبالنظر إلى الخطاب الذي أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي، حول الجولان، نجد أنه لم يخلو بأي حال من الأحوال من الذريعة التقليدية، والتي طالما تبناها الاحتلال لتبرير الانتهاكات التي يرتكبها هنا او هناك، وهي "الدفاع عن النفس"، في ضوء ما تشكله الجماعات المسلحة التي سيطرت على زمام الأمور في سوريا من خطر داهم، على أمنها، حيث أكد أن هجماته على الأراضي السورية تهدف الأساس إلى حماية أمن المواطن الإسرائيلي.
حديث نتنياهو، سواء عن الجولان أو حماية أمن إسرائيل، يتماهى ضمنيا مع التحركات التي قامت بها الجماعات المسلحة في سوريا، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة الدولة العبرية على صناعة الأعداء بمعايير كرتونية تتناسب معها، بحيث يمكن استغلالهم لتحقيق أهدافها على الأرض، بينما يمكن تفجيرهم في اللحظة المناسبة، وهو ما ينطبق بصورة ما على العديد من الجماعات المسلحة، والتي لا تملك إمكانات كبيرة، يمكنها مضاهاة ما يمتلكه جيش الاحتلال من سلاح وعتاد وتكنولوجيا متقدمة، لتستخدمها تل أبيب بعد ذلك لتكون بمثابة أداة لممارسة المزيد من الانتهاكات، ولتحقيق أهدافها التوسعية، تحت ذريعة ما تمثله تلك الجماعات من تهديد لأمنها وأمن مواطنيها.
وفي الواقع، تبقى الحقيقة التي لا جدال فيها، أن سوريا باتت الجبهة البديلة لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، بعدما أجبرها الغرب الأوروبي على الرضوخ لمطالب وقف إطلاق النار في لبنان، وذلك لتحقيق مزيد من التوسع، بالإضافة إلى مواصلة سياساتها التي تهدف في الأساس إلى مواصل الحرب في غزة، والتي تعد أولوية قصوى، في إطار خطتها لتهجير سكان القطاع وفصله جغرافيا عن الضفة الغربية بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة