حين قدمت الفنانة نجاة الصغيرة، أغنيتها «أسهر وانشغل أنا» عام 1957 سهر الناس معها وانشغلوا بفنها، وكانت هذه الأغنية هى ميلادها الفنى الحقيقى باعترافها فى حوارها لمجلة «الكواكب» عدد 797 فى 8 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1966.
كانت ابنة 19 عاما وقت أن غنت «أسهر وانشغل أنا» فهى من مواليد عام 1938، وحين أجرى الكاتب الصحفى عبدالتواب عبدالحى حواره معها ونشرته «الكواكب»، كان عمرها 28 عاما، وأصبحت لها شخصيتها الغنائية بعد أن قدمت قصيدة «أيظن» لنزار قبانى، وأغنيات «ساكن قصادى، والشوق والحب، وشكل تانى، وأنا باستناك»، فكيف وصلت إلى هذه المرحلة؟
تكشف فى حوراها مرحلة البداية، قائلة: «أولى حفلاتى أقمتها فى بلكونة بيتنا المطلة على ميدان الأوبرا، وحدى فى جانب من البلكونة والنهار بيودع الميدان، وأخوتى فى جانب آخر يتعلمون الحساب بقراءة نمر العربات التى تمر، تخنقنى رغبة فى أن أغنى، فأسرسع أى أغنية تخطر أنغامها على أذنى، أحيانا ألحن جملة مثل «يا بتاع الدرة»، أغنيها بألحان مختلفة كل مرة بطريقة ولون، وتغمرنى حالة انسجام حتى تبتل عيناى بدموعى».
تضيف: «صوت أم كلثوم فى أذنى أغلب أوقات يقظتى، فأبى لا يفتح الراديو لغير أغانيها، أخى عز الدين يدرس الموسيقى فى المعهد، ويعصر أشواقه على الكمان فى البيت كلما هزته أشواق، يزهق من العزف فينادى سامى أخويا الأكبر منى مباشرة، ويمرنه على السلم الموسيقى، كل العائلة كانت تعتقد أن صوت سامى هو مستقبله، لكن سامى نفسه لم يكن يعتنق رأيهم، وحين سمعنى مسك فىَّ، اكتشف إنى لا أنشز أبدا، وأمشى على السلم الموسيقى دون أن أتشرف بمعرفته علميا، اكتشف قدرتى على حفظ أى لحن بمجرد أن أسمعه، أصبحت ظله القصير كلما راح إلى معهد الموسيقى».
وعن الصدفة التى جعلتها تغنى فى حفل وهى طفلة، تذكر أنه فى سنة 1944 كانت هناك حفلة على مسرح الأزبكية، وكانت مع أطفال بابا شارو لتلقى معهم نشيدا، وكانت أم كلثوم ستشارك بالغناء لكنها تأخرت، فطلعت هى لتغنى أى حاجة حتى تصل، وغنت «حبيبى يسعد أوقاته»، تتذكر: «بعد أول مطلع الصالة اترجت بالتصفيق، وأصوات تناهت من آخر الصالة «شيلوا الكمبوشة»، كمبوشة الملقن، فلشدة قصرى كانت تحجبنى عن عيونهم، فأحضر واحد من عمال المسرح كرسيا، ورفعنى لأقف عليه، وأكمل الأغنية، وبعد الستار لقيت الست أم كلثوم فى الكواليس، حضنتنى وباستنى وهى تتمتم بسعادة ودهشة وتقول لى: «كل ده وانتى قد كده، آه يا عفريتة».
تكشف ما حدث معها بعد هذه الحفلة، قائلة، إن متعهد الحفلات «صديق أحمد» سمع عنها وسمعها، فجاء لأبيها ليتفق معه لتشترك فى عدد من الحفلات بالإسكندرية، وبعد مقاوحة اقتنع والدها وقبل العرض بأن تشترك فى 30 حفلة، الحفلة الواحدة بخمسة جنيهات، تتذكر: «غنيت فى مسرح فؤاد بالإسكندرية «سلوا قلبى»، وكانت مفاجأة للجمهور، فالقصيدة جديدة غنتها أم كلثوم مرة واحدة منذ أيام قليلة، لكن هذا أثار غضب فكرى أباظة فكتب فى مجلة «المصور»: «مثل هذه الطفلة مهما كانت معجزة، كيف يسمح لها بالسهر إلى ما بعد منتصف الليل»، ومحمد عبدالوهاب يقول فى حديث صحفى فى مجلة «الفن»: «موهبة زى دى موش معقول تُستغل، انى أطالب الحكومة بالحجر عليها وإلحاقها بمعهد لتتعلم، إلى أن تسمح لها سنها بالسهر ومواجهة الجمهور».
تعترف نجاة: «لم أدخل فى حياتى مدرسة، لكنى علمت نفسى بنفسى، أبى أعطانى مفاتيح القراءة والكتابة، علمنى «ألف باء»، أخذت المفاتيح ورحت أجربها فى صفحات الصحف والمجلات وكلمات الأغانى، كنت أضع الحرف جنب الحرف حتى أنطق الكلمة، وأضع الكلمة جنب الكلمة حتى أنطق الجملة، وبعد مران قاس على صفحات الصحف والمجلات، انتقلت إلى الكتب، قراءة النفس الطويل أتعبتنى فى البداية، لكنى قهرت نفسى وعقلى وتعودتها، استمتع بقراءة الكتب النفسية الناعمة، وأستمتع أكثر بقراءة الحكم والأمثال، حكمة واحدة لبرنارد شو تعطينى جانبا عظيما من خبرة عمره فى سطرين».
تذكر كيف خرجت من مرحلة تقليدها لأم كلثوم بعد أن أصبحت بنت 14، وتغيرت سحنتها كطفلة وتفاصيل جسمها ولم تعد معجزة وهى تغنى «نهج البردة، وولد الهدى»، تصف هذا الخروج بأنه كان «محنة»، لكنها صممت عليها لتصنع لنفسها شخصيتها الغنائية، تكشف: «أخى عز وقف بجانبى فى هذه المحنة، جاب لى كلام أغنية «أوصفوا لى الحب» من مأمون الشناوى، وأعطاه لمحمود الشريف ليلحنه، وأنا أحفظ اللحن من الشريف انتابنى إحساس كسيح، تمنيت لو أن أحدا غنى الأغنية، لأغنيها أنا وراءه، غنيتها بربع ملامح شخصيتى، وربع طريقة أخى عز فى الأداء، والنصف الباقى تقليد لحركات أم كلثوم وإيماءاتها الغنائية»، تعترف بأنها لا تعرف كيف اشتهرت أغنية «أوصفوا لى الحب» بعد استقلالها عن شخصية أم كلثوم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة