تزداد التحركات الدولية خلال الفترة الأخيرة، لوضع حد للحرب الضروس المشتعلة فى السودان، واحتواء الأوضاع لحماية المدنيين، وزاد الاهتمام الدولى والإقليمي بالحرب التى خلقت أكبر أزمة نزوح فى العالم وفقا لبيانات الجهات المعنية التابعة للأمم المتحدة.
وتحتل حماية المدنيين الأولوية القصوى فى كافة التحركات الدولية، إذ أنهم الحلقة الأضعف فى هذه الحرب، ووقعوا فريسة لنيران الحرب والاشتباكات العنيفة والجوع بل وانتشار الأمراض والأوبئة التى تفتك بأجساد السودانيين دون رحمة.
الأمم المتحدة تنوى عقد مشاورات مع الجيش والدعم السريع
وفى دلالة هامة على الاهتمام الدولى المتزايد بالوضع فى السودان، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة الثلاثاء، لمناقشة الأوضاع في السودان، واستمع لإحاطات من مسئولي الأمم المتحدة، حول حقيقة ما يجري في السودان.
ويدرس المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة إجراء محادثات غير مباشرة مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تركز كأولوية على حماية المدنيين.
ومن جهتها قالت وكيلة الأمين العام للشئون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، في إحاطة قدمتها إلى مجلس الأمن، إن المبعوث الشخصي للأمين العام لعمامرة يدرس المرحلة المقبلة انخراطه في مباحثات مع الطرفين المتحاربين، بما في ذلك عقب جولة أخرى من المحادثات غير المباشرة تركز على الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين.
وكشفت أن لعمامرة يعتزم السفر إلى السودان ودول أخرى في المنطقة، في الأسابيع المقبلة، للقاء أصحاب المصلحة الرئيسيين، كما سيعمل مع الجماعات المدنية السودانية لضمان انعكاس وجهات نظرها في مساعيه.
وشددت على أن الهجمات التي تشنها الدعم السريع في ولاية الجزيرة تعد من أسوأ أعمال العنف وأكثرها تطرفًا، حيث قُتل عدد كبير من المدنيين وفقد الكثيرون منازلهم وأُجبروا على الفرار.
وأضافت: "نتلقى تقارير عن انتهاكات مروعة، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، فيما تستمر المعارك في الفاشر والخرطوم ومناطق أخرى، حيث يتعرض المدنيون لمعاناة مروعة".
وتابعت: "الشعب السوداني في حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار، حيث إن إنهاء القتال هو السبيل الأكثر فعالية لحماية المدنيين".
ومن جهته قال راميش راجاسينغام، مدير قسم التنسيق بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، إحاطة إلى مجلس الأمن شدد فيها على توقعات مثيرة للقلق بشأن تصعيد وشيك للصراع.
وقال إننا نتلقى تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين نتيجة القتال العنيف وعمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي المروع الذي أصبح سمة مميزة لهذا الصراع، فيما تظل النساء والفتيات في قلب المعاناة حيث يعرضهن النزوح والجوع لخطر العنف والاستغلال والإساءة.
وأكد أن المنظمات غير قادرة على الوصول إلى غالبية الأشخاص في مناطق الصراع الساخنة، حيث إن بعض المناطق معزولة تمامًا، بينما لا يمكن الوصول إلى البعض الآخر إلا بعد المرور بإجراءات معقد، ودعا مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الوضع في السودان.
ومن جهتها أعربت ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة عن بالغ قلقها إزاء الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع في الجزيرة.
ودعت ممثلة الولايات المتحدة إلى وضع حد للأعمال العدائية ووقف إمداد الأطراف المتقاتلة بالأسلحة، معلنة دعم بلادها لإنشاء "آلية امتثال" والمساءلة عن الفظائع التي ارتكبت خلال النزاع.
بدورها، قالت ممثلة روسيا في الأمم المتحدة إن الأولوية في السودان تتمثل في إنهاء الأعمال العدائية، غير أن الجهود الدولية لتسوية النزاع لم تحقق هدفها بعد، كما أن إعلان جدة لم يُنفذ.
وأضافت: "نظرًا لخطورة تأثير النزاع، نسمع اقتراحات للتسوية، بعضها يبدو منقطعًا تمامًا عن الواقع، حيث إننا على قناعة بالحاجة إلى تحليل معمق بشأن أسباب الصراع".
وشددت على أن وحدة السودان معرضة للخطر، مما يتطلب دعم مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش الذي أصبح العمود الفقري لكيان الدولة، حيث يهرب السكان إلى مناطق سيطرته بحثًا عن الحماية.
وتمسكت بأن دعم مؤسسات الدولة ينبغي أن يكون أساس أي حوار سوداني ـ سوداني لبحث مستقبل البلاد، حيث إن أي مبادرة لا تجد دعمًا من هذه المؤسسات لن تحقق نجاحًا.
وترأس جلسة مجلس الأمن وكيل وزارة الخارجية البريطانية للشئون الأفريقية ورئيس الإحاطة الوزارية لمجلس الأمن بشأن السودان، كولينز أوف هايبري.
وقال هايبري إن الطريقة المثلى لحماية المدنيين هي وقف فوري للأعمال العدائية، داعيًا إلى دعم جهود الأمم المتحدة الساعية لحمايتهم وحث أطراف النزاع على ضرورة الانخراط في المحادثات غير المباشرة المرتقبة بنية حسنة.
ونادى بضرورة التحرك الفوري لاتخاذ تدابير لحماية المدنيين، بعد تقييم الأمين العام للأمم المتحدة بأن الظروف غير ملائمة لنشر قوات أممية في السودان.
كيف يعتزم مجلس الأمن محاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد المدنيين؟
أبدى عدد من أعضاء مجلس الأمن دعمًا لآلية الامتثال التي يبدو أن الوصول إلى اتفاق بشأنها يتطلب وقتًا، نظرًا لتباين الآراء في مجلس الأمن حيال الوضع في السودان.
ومن جهتها أكدت ديكارلو أن إنشاء "آلية الامتثال"، بدعم من الشركاء، سيكون خطوة حاسمة لتحميل الأطراف المسئولية عن التزاماتهما، كما أن هناك حاجة ماسة إلى إحراز تقدم بشأن وقف إطلاق نار محلي لفتح سبل الحوار.
وكان من المقرر أن تطرح بريطانيا، والتى ترأس مجلس الأمن، مشروع قرار على مجلس الأمن، يقضي بإنشاء "آلية امتثال" لرصد ومراقبة التزامات الطرفين المتحاربين الواردة في إعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023، وهو ما لاقى دعم من ممثلى الولايات المتحدة وروسيا فى المجلس.
واشنطن تفرض عقوبات على قائد بارز في الدعم السريع
وفى سبيل محاسبة قادة الدعم السريع على جرائمهم ضد المدنيين، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات على قائد قوات الدعم السريع بولاية غرب دارفور، الجنرال عبد الرحمن جمعة بارك الله، لتورطه في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وقال بيان أصدره المتحدث باسم وزارة الخزانة ماثيو ميلر، إن الوزارة فرضت عقوبات على عبد الرحمن جمعة بارك الله، قائد قوات الدعم السريع بولاية غرب دارفور".
وأوضح البيان أن بارك الله يخضع كذلك لقيود التأشيرة الأمريكية لتورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تشمل اختطاف وقتل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر.
وقُتل خميس أبكر في 14 يونيو 2023 بمدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، بعد وقت وجيز من ظهوره معتقلًا على يد قائد قوات الدعم السريع في الولاية.
وأعرب ميلر عن ترحيب الولايات المتحدة بالتحرك الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي، مشيرًا إلى أنه يعكس استعداد المجلس لمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات ضد المدنيين في دارفور.
وأشار إلى أن تحرك الولايات المتحدة يشكل جزءًا من الجهود الدؤوبة التي تبذلها لدعم الشعب السوداني واستخدام الأدوات المتاحة لفرض التكاليف على الذين يرتكبون الفظائع ويواصلون الصراع.
وفي الثامن من نوفمبر الجارى، فرضت لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي عقوبات على كل من عبد الرحمن جمعة وقائد عمليات قوات الدعم السريع عثمان عمليات بسبب زعزعة استقرار السودان من خلال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وتضمنت العقوبات حظر السفر الدولي وتجميد الأصول.
فرض واشنطن عقوبات على بارك الله لم تكن الأولى خلال الفترة القليلة الماضية، ففى 9 أكتوبر الماضى، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على القونى حمدان دقلو شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لدوره في توريد الأسلحة إلى السودان.
وأضافت وزارة الخارجية في بيان إن القوني تورط في شراء الأسلحة وغيرها من المعدات العسكرية التي مكنت القوات من تنفيذ عملياتها الجارية في السودان بما في ذلك هجومها على الفاشر عاصمة شمال دارفور.
وذكر بيان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أن "تصرفات القوني أدت إلى تأجيج الحرب والفظائع الوحشية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين التي شملت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي".
وأضاف البيان أنه "بدلا من الاستجابة لتحذيرات الولايات المتحدة وشركاء آخرين، استمرت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في ارتكاب الفظائع بما في ذلك تلك التي تنطوي على العنف الجنسي والهجمات التي تستهدف عرقيا الجماعات غير العربية".
ملاحقة الانتربول
وفي السياق ذاته، أصدرت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول" نشرة زرقاء بأسماء القائدين بالدعم السريع عثمان عمليات وعبد الرحمن جمعة، بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي الصادر الأسبوع الماضي، بهدف تنبيه الدول الأعضاء لمنع تحركاتهم عبر أراضيها وتجميد أي أرصدة مالية تخصهم.
مصر والسودان علاقات ممتدة واهتمام بالقضية
وتبدى مصر على وجه التحديد اهتماما بالغا بالأوضاع فى السودان، وتتحرك باهتمام بالغ نابع من العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، ففى مطلع أكتوبر الماضى وفور تولى مصر رئاسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي، حرصت على زيارة بورتسودان، ومناقشة الأوضاع فى السودان مع الجهات المعنية، فى أول تحرك لها كرئيس لمجلس الأمن الأفريقى.
وأبدى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقى، وقتها مرونة في موقفه من عودة السودان لعضويته للاتحاد الإفريقي، ودعا لفتح مكتب اتصال في بورتسودان، لدعم جهود السلام.
وأكد المجلس على ضرورة التواصل مع جميع الأطراف السودانية المعنية، وأعرب عن تطلعه لإجراء حوار غير رسمي مع ممثلي الحكومة السودانية، في اجتماع في أديس أبابا.
ووجه المجلس الدعوة لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، بإعادة فتح مكتب اتصال في بورتسودان، بأدنى حد من الموظفين مراعاة للوضع الأمني، للتواصل مع الأطراف الفاعلة وتقديم الدعم الفني.
كما تستضيف مصر أكبر عدد من اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب، إذ أعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، أن مصر أصبحت الآن أكبر دولة مستضيفة للسودانيين الفارين من النزاع المستمر، حيث إنه منذ اندلاع النزاع في السودان قبل 19 شهرًا، نزح قسراً أكثر من ثلاثة ملايين شخص، بحثًا عن اللجوء في البلدان المجاورة.
وأشارت بيانات حديثة إلى أن أكثر من 1.2 مليون سوداني فروا إلى مصر منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023.
ولم تنقطع الاتصالات المشاورات بين مصر والسودان على مختلف المستويات فى محاولة لإيجاد حل لاحتواء الحرب، آخرها استقبال الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، اليوم الخميس، رمطان لعمامرة المبعوث الشخصي لسكرتير عام الأمم المتحدة للسودان، وذلك لبحث آخر التطورات ذات الصلة بالأزمة في السودان وسبل تجاوزها.
وأكد وزير الخارجية والهجرة خلال اللقاء على حرص مصر على الانخراط بفاعلية في مختلف الجهود الإقليمية والدولية الرامية لوقف إطلاق النار، وتحقيق تسوية في السودان الشقيق ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، مشدداً على أن الهدف الأساسي للتحرك المصرى هو صون مصالح السودان والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة