شهدت الإدارة المالية خاصة للقروض الخارجية في الفترة الأخيرة، تحولا كبيرا، حيث أعلنت الحكومة أنه لا يتم تنفيذ أي مشروع له مكون دولاري قبل استكمال المشروعات القائمة، وهو ما يؤكد تحول في طريقة انفاق القروض الخارجية إلى الانفاق الاستثماري المستدام الذي يضمن الحصول على عائد من هذه الاستثمارات ليس فقط بالعملات المحلية وإنما أيضا بالعملات الأجنبية بما يضمن قدرة على سداد أصل القرض من ناتج المشروع.
كما عملت الحكومة المصرية مؤخرا على إعادة جدولة بعض الديون أو تحويلها إلى استثمارات مثل ما حدث في الودائع الخليجية سواء الإماراتية أو السعودية وغيرها، ومن أهم الأمثلة على ذلك ما حدث في صفقة رأس الحكمة، حيث كان من ضمن بنودها تحويل الودائع الإماراتية إلى جزء من الصفقة، وهو ما ساهم بشكل كبير في تراجع قيمة الدين الخارجي العام.
وهناك أيضا إجراء مهما بدأت الحكومة في تنفيذه وهو تفعيل "الشفافية في إدارة الديون" الإعلان عنها بشكل دوري، فأصبحنا نجد رئيس الحكومة يتحدث بوضوح عن حجم الديون الخارجية والداخلية في مؤتمرات صحفية، ويشرح خطط الحكومة لمواجهتها، ويعرض خطوات التعامل مع أقساط الديون والإلتزام بتسديها في موعدها، وحرص الحكومة على أن تظل مصر قادره على سداد إلتزاماتها في موعدها دائما مهما كانت التحديات.
وفي هذا السياق نصح تقرير لعدد من المحللين في صندوق النقد الدولي الدول ذات الديون الخارجية المرتفعة بتجنب "الديون عالية التكلفة"، مشيرين إلى أنه لا تملك البلدان ذات مخاطر الدين المرتفعة رفاهية الانتظار، ويتعين عليها إصلاح سياساتها لدعم النمو وتحقيق المزيد من الإيرادات من خلاله، بما في ذلك عبر الإصلاحات الضريبية، وسيسهم ذلك مباشرة في تحسين مقاييس الدين الأساسية في البلدان وضمان تجنيبها أزمات الدين عالية التكلفة، ولكن نتائج الإصلاح لا تتضح إلا بمرور الوقت، لذلك ينبغي أن تبادر البلدان بتعبئة التمويل بتكلفة أقل، ولا سيما المنح.
كما نصح التقرير بضرورة المشاركة الدولية في مواجهة أزمة الديون العالمية، حيث أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان التحرك على مستوى فرادى البلدان وزيادة الدعم المالي متعدد الأطراف كافيين لمواجهة هذه التحديات، ولكن بعض المحللين قد بدأوا في التساؤل حول ما إذا كان من الضروري تعديل خصائص الدين أو إعادة تمويله من منظور نظامي أشمل.
وقال التقرير إنه يمكن للبلدان منخفضة الدخل بالفعل طلب تخفيف ديونها من خلال الإطار المشترك لمجموعة العشرين، بما في ذلك لتخفيف العبء الناتج مباشرة عن خدمة الدين. وحتى الآن، لم يُستخدم الإطار المشترك إلا لمساعدة البلدان في تخفيض ديونها (باستثناء الموافقة على تأجيل ديون إثيوبيا)، حيث كان الهدف منه توفير مساعدات نقص السيولة المؤقتة أيضا، غير أن الكفاءة في أداء هذا الدور تقتضي المزيد من الوضوح والسرعة، وتم إحراز تقدم في هذا الصدد – فقد أمكن التوصل إلى اتفاق حول معالجة الدائنين الرسميين لديون غانا خلال أقل من نصف المدة التي استغرقها اتفاق تشاد قبل ذلك بعامين. ولكن من المهم مواصلة التعاون على القضايا الفنية، بما في ذلك من خلال اجتماع المائدة المستديرة بشأن الديون السيادية العالمية (الذي انطلق العام الماضي بالتعاون بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين).
وأكد التقرير أنه بوجه عام، يتعين إحكام الرقابة على أزمة التمويل التي تواجه البلدان منخفضة الدخل. ويعد سيناريو توافر تمويل كاف منخفض التكلفة ممكنا، ولكن هناك سيناريوهات أخرى أيضا قد تتطلب تنفيذ إصلاحات أكثر طموحا وتعزيز التعاون الدولي والتعجيل بتحسين البنيان العالمي لإعادة هيكلة الديون للمساعدة في جعل هذه البلدان أكثر قوة وصلابة.
ومن جانب آخر ولأول مرة شهد الدين العام الخارجي لمصر اتجاها نزوليا قويا، حسب المؤشرات الأخيرة للدين العام، حيث أظهرت المؤشرات تراجع الدين العام الخارجي لمصر بأكثر من 15 مليار دولار (تراجع الدين الخارجي لمصر بنحو 15.149 مليار دولار بنسبة 9.9% خلال النصف الأول من العام الجاري- يناير إلى يونيو- مقارنة بنهاية ديسمبر الماضي) حسبا أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي منذ أيام .
وتراجع إجمالي الدين الخارجي إلى نحو 152.885 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي مقارنة بنحو 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، في الوقت الذي زاد فيه الاحتياطي النقدي الخارجي إلى 46.6 مليار دولار بنهاية أغسطس 2024، بزيادة بأكثر من 11.2 مليار دولار خلال آخر 6 أشهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة