كان موعد الوزير البريطانى، جورج طومسون، يقترب، مع الرئيس جمال عبدالناصر فى 26 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1965، فى القاهرة، وكانت الترتيبات تمضى وفقا لما هو متبع، غير أن كل شىء تغير فجأة، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار».
وصل «طومسون» إلى القاهرة فى 25 سبتمبر 1965، وتم إبلاغ السفير البريطانى «جورج ميدلتون» بأن الرئيس جمال عبدالناصر سيستقبلهما فى الثانية عشرة والنصف ظهر اليوم التالى 26 سبتمبر، ويذكر «هيكل» الأجواء السياسية لهذه الزيارة، مشيرا إلى أن منطقة الخليج وتحديدا الإمارات كانت الأساس فيها، فمن ناحية كانت الإمارات خاضعة للنفوذ البريطانى، ومن ناحية أخرى كان شاه إيران يشجع هجرة عناصر غيرعربية إلى هذه المنطقة، مما بدا معه أن هناك مخططا مرسوما لتغيير طبيعة تركيبها السكانى.
يؤكد «هيكل»: «تنبهت الحكومات العربية إلى ما يجرى، وراحت تتحوط لمخاطره، فاتخذ مؤتمر القمة العربى الثانى «الإسكندرية - سبتمبر 1964» قرارا بضرورة «دعم العلاقات العربية الأخوية بإمارات الخليج، وإرسال بعثة أخوية عربية لبحث تقديم المساعدة والدعم لإمارات ساحل عمان»، «أبوظبى- دبى- الشارقة- عجمان- الفجيرة- أم القوين- رأس الخيمة»، ثم قرر مجلس رؤساء الحكومات العربية إنشاء صندوق فى الجامعة العربية لمعونة إمارات الخليج، ورصدت الدول العربية بسرعة مبلغ مليون ونصف المليون جنيه إسترلينى، ساهمت فيه بالتساوى «مصر والعراق والسعودية والكويت»، واتصلت الجامعة العربية بحكام إمارات الخليج لتحصل على موافقتهم على التعاون مع الصندوق العربى، وإذا بالحكومة البريطانية تسخر كل نفوذها لكى تحول دون حدوث هذا التعاون».
فى هذه الأجواء وصل «طومسون» إلى المنطقة، وحسب هيكل، فإن الأخبار بدأت ترد بأنه يجتمع مع حكام الإمارات ويخطرهم بأن الحكومة البريطانية قررت إنشاء صندوق لمعونة إماراتهم، وأن هذا الصندوق هو المصدر الوحيد لتوزيع المعونات، وإذا رغبت الجامعة العربية أو أى من دولها فى تقديم مساعدة، فلا بد أن تمر عن طريق الصندوق البريطانى ليتصرف فيها مع ما لديه من اعتمادات واردة من مصادر أخرى.
يؤكد «هيكل»: «زادت التقارير، فإذا بتفاصيلها تؤكد أن بعض الحكام حاولوا أن يبينوا لـ«طومسون» أنهم لا يستطيعون رفض معونات عربية، ولا أن يمتنعوا عن التعاون مع الجامعة العربية، وإذا بـ«طومسون» يهددهم بالعزل إذا لم يخضعوا لما طلب». ويضيف «هيكل»: «كانت القاهرة تتوقع أن يخرج «طومسون» من لندن متوجها مباشرة إليها باعتبارها مقصد رحلته، لكنه اتجه أولا إلى منطقة الخليج، ومن هناك بدأت القاهرة تتلقى تقارير متوالية عن نشاطه فى مختلف المشيخات والإمارات».
لم تقتصر بريطانيا فى سياستها الاستعمارية على ما تفعله بمنطقة الخليج، وإنما زادته مع جنوب اليمن التى تحتله، وتذكر جريدة الأخبار، يوم 26 سبتمبر 1965، أنه بعد ساعات من وصول «طومسون» إلى القاهرة، أعلنت بريطانيا عن إجراءات فى عدن وهى إلغاء الدستور وإقالة الوزارة، وحل المجلس التشريعى، ومنح الحاكم البريطانى سلطات مطلقة، وفرض الأحكام العرفية، وحظر التجول من الساعة الثامنة مساء حتى الخامسة صباحا، ورد ثوار الجنوب على ذلك بعنف، حيث دوت الانفجارات فى عدن، وأضافت الأخبار أن «طومسون» كان على علم بما ستفعله حكومته قبل سفره إلى المنطقة، حيث حضر اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون ما وراء البحار قبل سفره، وتناول هذا الاجتماع بالتفصيل بحث الخطة البريطانية أمام نشاط الوطنيين فى عدن، ويذكر هيكل أن راديو لندن أذاع قرارات الحكومة البريطانية فيما يتعلق بعدن، وأذاع بعدها خبر أن طومسون سوف يلتقى عبدالناصر.
اجتمع «طومسون» مع الدكتور محمود فوزى ومحمود رياض وزير الخارجية، بعد وصوله، وانتظر لقاءه مع عبدالناصر يوم 26 سبتمبر، ولم تتم المقابلة، ونشرت الأخبار يوم 27 سبتمبر، خبرا صغيرا بالصفحة الأولى عنوانه: «راديو لندن يقول: عبدالناصر لا يستقبل طومسون»، فلماذا ألغيت المقابلة؟
يكشف «هيكل» أن الإجراءات البريطانية فى عدن، كانت صورتها الكاملة أمام الرئيس عبدالناصر بعد دقائق من إعلانها، وقبل لقائه مع طومسون، ويؤكد: «أجرى عبدالناصر اتصالات تليفونية مع بعض الوزراء وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، ثم قرر بعدها أنه لم يعد يستطيع مقابلة الوزير البريطانى، وإلا اعتبرت مقابلته له موافقة على الإجراءات البريطانية، إلى جانب أن شكل التصرفات كلها يوحى برغبة الاستفزاز».
يضيف «هيكل»: «توصل عبدالناصر إلى قراره فى الساعة الثانية عشرة إلا الربع، ولم يتبق على موعد الوزير البريطانى معه غير خمسة وأربعين دقيقة، واتصلت تشريفات الرئاسة بالسفير البريطانى، جورج ميدلتون، ولحقت به على باب السفارة قبل أن يهم بركوب السيارة مع طومسون متوجهين إلى الرئيس فى بيته بمنشية البكرى، وقال رئيس التشريفات للسفير: إنه مكلف بإبلاغه أن الموعد المحدد للوزير البريطانى وله لمقابلة الرئيس لم يعد قائما».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة