أول وآخر تحقيق فنى كتبه عن مسرحية " كشكش بك" ونصحه نجيب الريحانى بالابتعاد عن الفن
عشق الشعر وحفظ 10 آلاف بيت والمتنبى وأحمد شوقى وعلى الجارم شعراءه المفضلين
معركة " عودة الوعى " التى باعدت بينه وبين توفيق الحكيم ودفاعه عن نجيب محفوظ بسبب " أولاد حارتنا"
الجولف رياضته المفضلة وفشل فى أن يكون لاعب كرة قدم ولم يكن زملكاويا ولا أهلاويا
شجع الإسماعيلي بعد فوزه ببطولة أفريقيا عام70 واستقبل الفريق فى " الأهرام" ومنحه مكافأة 5 آلاف جنيه..
دائما ما كنت أسأل نفسى وأسأل من حولى عن هذا الرجل الذى بات الرمز والأيقونة و "الأسطورة الحية" والمرادف لمعنى الكتابة الصحفية ولوصف " الجورنالجي" فى المعاجم والمراجع الصحفية فى مصر والعالم العربي..
وصفه الكثير من كبار الصحفيين حول العالم بأوصاف كثيرة كلها تتعلق بالكاتب السياسى الكبير وبالمفكر القومى وبـ"رئيس التحرير الأسطورى " والظاهرة الصحفية الفريدة التى لن تتكرر أو الغير قابلة للتكرار مهما حاول الكثيرون من مريديه والمعجبين به وحتى الذين اقتربوا منه والتصقوا به وتحلقوا حوله.
محمد حسنين هيكل...مجرد ذكر اسمه فقط يتجاوز ويعلو جميع الألقاب التى تسبق عادة الأسماء من الروساء والفنانين والكتاب والأدباء وغيرهم حتى لقب " الأستاذ" لم يمنحه القيمة والقامة التى تليق به ولم يقدر على اختزال التعدد والتنوع المهول له فى المسافة ما بين الصحافة ...والسياسة والتاريخ والفكر والأدب
كنت أسأل نفسى بشغف وأحاول أن يشاركنى أقرانى فى السؤال منذ اللحظات الأولى فى كلية الاعلام فى بداية الثمانينات واسم "هيكل" مجردا يتردد حولى فى كل مكان وكان الرجل ممنوعا من الكتابة فى مصر منذ أن ترك الأهرام عام 74 برغبة من السلطة السياسية وقتها لكن عناوين كتبه فى تلك المرحلة كانت هى حديث المدينة وخاصة كتابيه " خريف الغضب" وبين الصحافة والسياسة"
من هذا "الصحفى الفذ" الذى اختزل فى شخصه واسمه مهنة " صاحبة الجلالة " برمتها ويجاهد كل من يسعى أن يعمل فى المهنة أن يصبح مثل "هيكل" أو يقلده فى أسلوبه الرشيق الممتع الجامع المانع للكتابة.
من هو وأين تربى والى أى طبقة اجتماعية ينتمى و ماذا درس وماذا يأكل ويشرب وأين يعيش وماذا يقرأ وكيف يكتب.. وما اهتماماته الأخرى فى القراءة وعاداته وهواياته وتفاصيل حياته اليومية وهل يحب السينما ويستمع للغناء ..من أصدقاءه ..هل السياسيين وكبار الكتاب فقط أم له أصدقاء خارج هذا الوسط ومساحة الحب والحزن فى حياته ..أسئلة كثيرة لا علاقة لها بهيكل السياسى و.."الجورنالجي"
باختصار كان لدى شغف غير محدود لـمعرفة " الوجه الآخر" للرجل الساكن خلف بريق وتأثير الكاتب والمفكر الساحر والأسطورة و" خزينة أسرار مصر" فى مرحلة تاريخية استثنائية من عمرها....محمد حسنين هيكل المولود فى 23 سبتمبر 1923 والذى رحل عن عالمنا فى 17 فبراير 2016
كانت أول اطلالة للوجه الآخر لهيكل هو ذلك الحوار الذى فاجأ به الرأى العام فى مصر والوطن العربى الأستاذ عبد الوهاب مطاوع فى مجلة " الشباب" فى نهاية الثمانينات وكان يترأس تحريرها ..فهيكل يستيقظ مبكرا فى الخامسة ثم يتريض فى نادى " الجزيرة" ويلعب الجولف ويقرأ الشعر ويحفظه ويعشق المتنبى وشوقى ومكتبه لا يفصله عن بيته سوى باب أو جدار وينام مبكرا و يدخن السيجار ومشروبه المفضل هو البرتقال.
فى سنوات تالية رأيته فى ندوات ومؤتمرات وصافحته مصافحة عابرة و أحسد كل من يعرفه ويقترب منه ويجالسه فى بيته بعمارة " جوهرة النيل" بجوار فندق " شيراتون" أو فى منزله فى برقاش..كان-ومازال- لدى احساس بأن كل واحد منهم قد قبض قبضة من آثر وفكر وآراء " الأستاذ" وتشبه به
وفى إحدى المرات وأثناء عملى فى صحيفة" مصر الفتاة " أبلغنى الصديق الأستاذ مصطفى بكرى، رئيس التحرير، بإعجاب الأستاذ هيكل بتحقيق صحفى أجريته على عدة حلقات بالصحيفة عن المركز الأكاديمى الإسرائيلى الذى احتل إحدى الشقق فى نفس البناية.. وطرت فرحا وسعادة بإعجاب الأستاذ.
بالسؤال والمتابعة أو بالقراءة أو بالتفتيش فى الذكريات القديمة عبر وسائل الاتصالات الحديثة أدركت أن هيكل بعيدا عن السياسة موسوعة فى الأدب والتاريخ والفن والعلاقات الإنسانية.. ربما جانب وحيد فى حياته كان حريصا دائما على عدم التطرق اليه ويفضل عدم الحديث عنه وهو حياته الأسرية وآثر أن يبتعد أبناؤه الثلاثة أحمد وحسن وعلى عن عالمه وتجربته إلى عالم الطب والمال والأعمال وحتى السيدة الفاضلة زوجته هدايت تيمور رغبت فى الانزواء بعيدا عن عالم الأضواء والشهرة والأحاديث الصحفية
صدرت عدة كتب حاولت أن ترسم صورة متكاملة للأستاذ وازاحة ستائر الزمن عن وجه آخر له مثل كتاب الأديب والروائى يوسف القعيد " محمد حسنين هيكل يتذكر ..عبدالناصر والمثقفون والثقافة" وكتاب الأستاذ عبد الله السناوى "أحاديث برقاش .. هيكل بلا حواجز" وكتاب "هيكل : الحياة - الحرب - الحب - هو وعبد الناصر، للأستاذ عادل حمودة
وكتاب مفيد فوزى "هيكل الآخر إبحار فى عقل وقلب محمد حسنين هيكل "
مع أم كلثوم
هيكل والسينما والفنانون
فى 11فبراير 1956 ينشر الأستاذ هيكل مقالا فى مجلة آخر ساعة عن السينما وأحوالها بعد أن شاهد فيلم " صراع فى الميناء" بطولة فاتن حمامة
وعمر الشريف وأحمد ر مزى وإخراج يوسف شاهين.. وكانت هذه هى المرة الأولى التى يشاهد فيها فيلما فى السينما منذ سنوات وكتب يقول :" أريد أن أسجل أن هناك طلائع روح جديدة فى السينما المصرية!
لست من هواة الأفلام.. ولا أنا ناقد سينمائي.. وإنما أحسست بهذه الروح الجديدة وأنا أشاهد فيلما مصريا لأول مرة منذ سنوات!
والفيلم المصرى الذى رأيته هذا الأسبوع هو: صراع فى الميناء!
ولقد رأيت فاتن حمامة بعد أن كبرت.. فإن آخر مرة رأيت فاتن على الشاشة كانت عندما ظهرت مع محمد عبد الوهاب طفلة فى فيلمه القديم: دموع الحب.. منذ ما يقارب خمسة عشر عاما!
ولقد دخلت الفيلم مصادفة.. وخرجت منه وفى عزمى ألا أنكر الشهادة.. وأن أقول كلمة حق..
وأنا لم أر فاتن حمامة شخصيا فى حياتي.. وكذلك لم أر زوجها.. وبطل فيلمها.. عمر_ الشريف.
بل إن رأيى فى عمر الشريف من مجرد رؤية صورته فى الصحف لا يرضيه كثيرا.. ولو كان لى أمر عليه لأخذته من يده إلى أقرب حلاق وطلبت منه أن يحلق له شوشته التى ينكشها على مقدمة رأسه.. فتوة وشبابا
ولقد خرجت من الفيلم وأنا مؤمن أن الدولة يجيب أن تغير سياستها تجاه السينما المصرية.. ما دامت السينما المصرية قد بدأت تغير اتجاهها أيضا
لقد كنت حزينا لمأساة السينما المصرية. وأنا أكره أن تضمحل السينما المصرية كفن.. وكصناعة!
فيما بعد تعرف الأستاذ بالفنانة فاتن حمامة وزوجها الدكتور محمد عبد الوهاب، بمزرعة هيكل فى برقاش فى خريف 2007، ثم تعرف بالمخرج يوسف شاهين
لكن بعد ذلك بحوالى 6 سنوات – عام 1962-يجرى الصحفى والمؤلف المعروف جليل البندارى حوارا مثيرا وشيقا مع هيكل يكشف فيه الكثير عن علاقاته بالسينما والموسيقى
كان أول نجم سينما ومسرح يلتقيه هيكل فى حياته الصحفية هو نجيب الريحانى فى كواليس المسرح سنة 1943 أثناء إجراء تحقيق صحفى عن مسرحية كشكش بك وكانت معه الفنانة ميمى شكيب وأبدى كسوفه وخجله منها أثناء الحديث معها
ويقول عن الريحانى "استلطفته ونشأت بعد كده بيننا صداقة قوية وكان من رأيه إنى أبطل الكتابة عن المسرح " بسبب ضعف مستوى الكتاب فى مجال الفن وقتها ونصحه بألا يضيع وقته..! وكان هذا التحقيق هو الأول والأخير للأستاذ فى مجال الفن..!
أما أول ممثلة أجنبية التقى بها فهى النجمة الأميركية الشهيرة لانا تيرنر وعرفته بها الملكة السابقة نازلى فى لوس أنجلوس عام 1950
هيكل وأم كلثوم
العلاقة بين هيكل وبين أم كلثوم جاءت من خلال حب صديقه "جمال عبد الناصر لصوتها والاستماع اليها ثم توطدت لتصبح علاقة صداقة ممتدة بين كوكب الشرق وأسرة الأستاذ هيكل .. وكما حكى الأديب والروائى يوسف القعيد فقد أخبره الأستاذ إن عبد الناصر كان يحب الاستماع إلى أم كلثوم أساساً. كان يحبها جداً ويعشق أغانيها بشكل خاص. وبعد ذلك بسنوات، عندما أصبح عنده مكتب فى منزله يعمل فيه، ثم ظهرت الشرائط، وقبلها كانت هناك اسطوانات. وكانت موجودة عنده دائماً. وصوت أم كلثوم كان يؤنسه فى كل وقت سواء الأسطوانات أو الشرائط. أذكر أنه كان يتكلم أمامى باستمرار عن إعجابه بأم كلثوم. قال هيكل: رأيت دمعة فى عينى جمال عبد الناصر تأثرا بغناء أم كلثوم. وذلك يوم أن غنت أم كلثوم قصيدة لأحمد شوقي. كان هيكل يرى أن كل حاكم يحرص على أن يعرف عن قرب نجوم مجتمعه، وأهل الطرب يكونون فى المقدمة دائماً، فهم يسعدون الناس، والقرب منهم يجعل صورة الحاكم فى الذهنية العامة أكثر من إنسانية
تتوطد العلاقة بين الست والأستاذ على جسر حب الزعيم لصوتها وتجرى الست حوارا شهيرا وفريدا من نوعه مع هيكل فى الاذاعةالمصريةعام55 تحدثت معه عن حركة دول عدم الانحياز، التى انضم لها "عبدالناصر" فى العام 1955، ليشرح لها "الأستاذ" أن الحركة تعنى موقفا مستقلا تتحرك فيه الدولة حيال كل قضية وفقا لرأيها فقط، لتفاجئه "أم كلثوم" بسؤالها فى النهاية: "يعنى إحنا مع مين بقى فى الآخر".
فى 26 مايو من العام 1967، وهيكل ينشر مقاله الأسبوعى "بصراحة"، ليزيد مخاوف المصريين ويؤكد لهم دخول بلادهم فى حرب أكيدة مع إسرائيل، لتفاجئه "أم كلثوم" بزيارة تعاتبه فيها على ما وصفته بـ"إحباط المصريين"، وتطلب منه أن تذهب معه إلى مكتب المشير عبدالحكيم عامر لتطمئن على جيش بلادها، قبل أن تشدو بأغنيتها "راجعين بقوة السلاح".
وتجرى معه حوارا جديدا ينشر فى آخر ساعة فى ديسمبر 67تحدثت "الصحفية" أم كلثوم، مع "الضيف" حسنين هيكل، فى الكثير من الأمور بدايتًا من القمة العربية فى المغرب ودور الأمم المتحدة فى أزمات الشرق الأوسط، حتى وصلت إلى علاقة السياسة بالفن وغيره.
توطدت العلاقة وتعددت الزيارات ووثقتها الصور فى كل مناسبة وهناك صورة متداولة تجمع بين كل من هيكل، وأم كلثوم، ونجيب محفوظ، تعود إلى بداية الستينيات من القرن الماضي.حيث اجتمع الثلاثة للاحتفال بعيد ميلاد محفوظ، والذى كان فى ذلك الوقت قد تخطى سن الخمسين بأعوام قليلة، وقد ظهر هيكل فى الصورة وهو يتحدث إلى أم كلثوم وبينهما محفوظ، مما كشف عن العلاقة الطيبة التى كانت تجمعهم.
ويصف هيكل أم كلثوم بأنها صوت عميق انطلق من أرض الريف وشق طريقه إلى القمة, وقال من القدرة التى فيها قدرة ثورية, وقال إن قصة أم كلثوم ودورها لا يقارن عن صوتها وجمال صوتها فهى صاعدة أبدا كالشهاب..تمثل قدرة الفلاح على الانطلاق وقدرته على الثبات وتأكيد مكانه.وعندما سؤل ذات مرة عن أكثر عبارة غنائية يحبها من أم كلثوم قال:
- وعزة نفسى مانعاني..! ( أغنية حيرت قلبى معاك. تأليف أحمد رامى وألحان رياض السنباطي)
هيكل وام كلثوم
الأستاذ والموسيقار والود المفقود
لم تنسجم العلاقة بين هيكل وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وسارت فى نفس الاتجاه التى سارت عليها علاقة صديقة الرئيس بموسيقار الأجيال فلم تكن هناك قطيعة ولم تكن مثل العلاقة بينه وبين أم كلثوم.
فعندما سأله الكاتب الصحفى جليل البندارى عن رأيه فى مقال الأستاذ التابعى عن عبدالوهاب والاقتباس؟. . فأجاب هيكل: إن مطالبة عبدالوهاب بعمل سيمفونى غير معقولة.. ذلك ليس دوره، فعبدالوهاب نموذج طيب لهذه المرحلة وإذا اقتبس مفيش مانع، إن حلقة الخلق الأدبى بدأت بالترجمة وقبل ظهور توفيق الحكيم ليبنى البناء الكامل كنا نعتمد على الاقتباس والتأثر، فليس مطلوبا من عبدالوهاب أن يؤلف سيمفونيات وعبدالوهاب لم يخرج عن دوره فى موسيقاه، فليقتبس أو يلطش بعض نغمات العباقرة فإن ذلك لن يقلل من قيمة دوره فى تطوير الموسيقى فى هذه المرحلة من التطور الفنى العام.
وحسب الكاتب الصحفى عبد السناوى فى كتابه " أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز"، فإن أم كلثوم كانت أقرب الفنانين إلى قلب محمد حسنين هيكل، وكان رأيه أن فيها «شهامة أهل الريف»، بينما لم يحظ الموسيقار محمد عبدالوهاب بنفس المكانة، لأن فيه «براجماتية الحارة الشعبية».
ودلل «هيكل» على «براجماتية» عبدالوهاب، عندما شاع فى منتصف السبعينيات أن قراراً جمهورياً يوشك أن يسند منصب نائب رئيس الوزراء له، اتصل به عبدالوهاب قائلاً: «نهنئ أنفسنا يا أستاذنا»، فرد هيكل: «لكنى اعتذرت»، ولم يتصل مرة أخرى، وفق «السناوي».
وينقل «السناوي» عن هيكل قوله، إنه عندما كانت تزور سيدة الغناء العربي، تحية عبدالناصر، ويتصادف أن يراها الرئيس، كان يدعوها للغناء بمقاطع يحفظها، ويدندن خلفها، وكان من عادته أن يغنى لعبدالوهاب كلما سنحت فرصة للاختلاء بنفسه.
ربما كانت المشاعر متبادلة أيضا من جانب الموسيقار، فقد اعتاد محمد عبدالوهاب اقامة مائدتين فى رمضان ولم يكن هيكل من بين ضيوفه...المائدة الأولى تضم الطعام الصحى المشوى فقط مع سلطة الزبادى بالكمون وكل أنواع السلطات خالية الملح تمامًا مع العيش التوست الفرنسي، وتلك الأطعمة محببة للملك فاروق وأحمد شوقي.
أما المائدة الثانية فقد كانت تضم البط وطواجن البامية والمرق فى فتة الضانى والكوارع فكانت محببة للنحاس والموسيقار سيد مكاوي.
وكان من نجوم مائدة عبد الوهاب أيضا السيدة أم كلثوم ونجوم عاصروه، أو صحفيون كانوا من أصدقائه، وأشهرهم: الكاتب الصحفى محمود عوض، الكاتب محمد تبارك الذى ارتبط مع عبد الوهاب بعلاقة صداقة، مصطفى أمين، الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين
وذكر هيكل أيضا إحدى نوادر الموسيقار محمد عبد الوهاب، عندما قام بزيارة مفاجأة لبيته ووجد حينها صلاح نصر مدير المخابرات، وشمس بدران وزير الدفاع فى ضيافته، وعندما سأل هيكل عبد الوهاب عن سر الزيارة أجابه «مش بيقولوا الشديد القوي».. أهو هما الاثنين دول «الشديد والقوي» .
هيكل ومحمد عبد الوهاب
هيكل والعندليب
يحكى الأستاذ هيكل للكاتب الكبير عادل حمودة، فى حواره الطويل معه عام 1995، ان من بين الذين أحبهم ودائما ما يتذكرهم العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ
ويروى جليل البندارى أثناء احتفال محررى الأهرام بمناسبة مرور عشرين عاما على اشتغال هيكل بالصحافة.ودعاه على الجمال لحضور هذه الحفلة فى نادى الأهرام بالقرب من ميدان التحرير..ويقول فوجئت بالتغيير الذى أحدثه هيكل فى الأهرام ..فوجئت بالقمصان الاسبور والضحكات الرنانة والمسابقات الطريفة..وعثمان العنتبلى يقلد جميع زملائه من أول رئيس التحرير لغاية نفسه.وأحمد بهجت يختبر معلومات رئيسه فى الصحافة.
وكمال الملاخ يرقص عشرة بلدي.وعبد الحليم حافظ يغنى أغنية جماعية هى بالأحضان ويرددها معه جميع محررى الأهرام.ثم يغنى محررو الأهرام أغنية قلبى وافراحه ويقوم معهم عبد الحليم بدور الكورس..
كان يرى أن الأغنية لا تتجزأ ولا يجوز فى مجال النقد أن تفصل الكلمات عن النغم أو النقد عن الأداء, فهى عمل فنى كامل.والغناء عمل جماعى يشترك فيه المطرب والملحن وموزع الموسيقى والموسيقيون, وأى نقص أو فشل فى ناحية يؤثر على باقى العناصر.
وكان يرى أن صوت عبد الحليم عبارة عن"نبرة حنان فى وسط ضجيج عال."
وحكى يوسف القعيد عن هيكل حكاية تقول الكثير عن حليم. الذى منحناه كل الحب الذى كان فى صدورنا. وما زلت أشعر بحنين لصوته وللزمن الذى غنى فيه. كان الرئيس عبد الناصر يعتبر حليم نتاج ثورة يوليو. وصوت الثورة ومطرب الثورة. مرة عمل عبد الحليم حافظ حاجة غريبة لم يعرف كيف يتصرف فيها. وقد واجهها بحيرة كاملة.
كان حليم قد بدأ يسافر للخارج. وأصبح نجما. وكان يسمع أن الرئيس يحب أربطة العنق. حليم فى مرة جاء لبيت عبد الناصر، وأنا – يقول الأستاذ هيكل – كنت موجودا. كان من عادته أن يصل إلى البيت ويجلس مع أولاد الرئيس الذين كانوا فى سن الصبا.
ويثير حالة من الفرح الإنسانى النادر فى كل مكان فى البيت. كان يُزيط ويُهرِّج مع الأولاد. وكان الرئيس يحبه جدا.
دخل حليم على الرئيس وفى يده شى ما. دستة من الكرافتات. وعبد الناصر قال له:
- شوف يا حليم، أنا حاخد واحدة فقط. بس ما تعملهاش تانى أبدا.
قال له حليم: - طيب سيادتك اختار.
قال له عبد الناصر:- أنا حاخد واحدة بالبخت دون اختيار. ويكمل هيكل: حليم كان يمكنه أن يرى عبد الناصر فى أى وقت. لكن لم تكن هناك أى حوارات حقيقية بينهما. على أن لحليم مكانا فى كتابات هيكل عن تلك المرحلة. وحسب ما أمدنى به الصديق خالد عبد الهادى، الذى يحمل فى صدره وفى وجدانه تاريخ هيكل.
هيكل وحليم
وفى كتاب هيكل نفسه " عبد الناصر والعالم" يقول : ذات مساء وبينما الكل فى انتظار الغزو – فى يونيو 1956 - بعد انتخاب عبد الناصر رئيساً لمصر – كنت مع الرئيس فى مقر مجلس قيادة الثورة. فوجدت عبد الناصر يرزع الشرفة ذهابا وإيابا بمزاج معتكر. بعد سماعه أغنية: إحنا الشعب، كلمات: صلاح جاهين وألحان: كمال الطويل. والتى يغنى عبدالحليم فى بدايتها: إحنا الشعب، اخترناك من قلب الشعب.
ويصف هيكل كيف تعاملت الناس مع الأغنية: "ألهبت الأغنية خيال الجماهير. وغنوا والفرحة الغامرة وحرارة التفاؤل تملأ قلوبهم مع حليم. وأخذ كل إنسان يرددها وينشدها مؤمناً بالمستقبل الواعد الذى سوف يتحقق على يدى عبد الناصر. كان حليم قد أصبح أوسع المطربين شهرة.
وتوقف عبد الناصر أمام المقطع الذى يغنى فيه: - ياللى بتسهر لجل ما تظهر شمس هنانا...إحنا جنودك سيبنا فى إيدك مصر أمانة.وقال لى أحسست بشعور غريب وأنا أسمع التعبير: سيبنا فى إيدك مصر أمانة. إن مصر فعلاً فى ظرف خطر وهى فعلاً مرهونة على حسن تصرفنا وعلى شجاعتنا فى المواجهة. لهذا لا بد أن نبذل كل ما فى وسعنا لحمايتها وإنقاذها.
كان العندليب الأسمر شديد الحب والاحترام لهيكل، ويثق به، كان يذهب لمكتبه فى آخر ساعة، وقت أن كان هيكل، رئيساً لتحريرها، ليجرى حوارا صحفيا مع الصحفى جليل البنداري، حيث كان يتخوف حليم، من قسوة أسلوب البندارى فى طرحه للأسئلة
كان جليل البندارى موسوعة صحفية وثقافية وفنية تسير على قدمين، فهو الكاتب الصحفى والناقد الفنى والشاعر الغنائى والمنتج السينمائى وكاتب القصة والسيناريست أيضاً، وقد اشتهر جليل البندارى بطول لسانه فى كل المجالات التى عمل بها، وبعد أن شاع طول لسانه عرف البندارى بلقب "جليل الأدب .. وبندارى عليه" ونسب اللقب مرة لمصطفى أمين ومرة لتحية كاريوكا حيث كانت لها معارك مشهودة مع البنداري، وقد شخص البندارى نفسه تلك الحالة التى أصبحت جزءًا من تكوين شخصية، فأكد لصديقه محمد وجدى قنديل أنه " أبيح " أى طويل اللسان وليس قليل الأدب، فالأول يمسح الدموع والثانى يجرح المشاعر.
ويقول مجدى العمروسى صديق حليم وشريكه فى شركة صوت الفن فى مقال له نشر عام 1998 ان الفنان الوحيد الذى استطاع أن يستفيد من جليل البندارى وينجو من طول لسانه كان عبد الحليم حافظ، فقد كان للبندارى باب أسبوعى باسم "ليلة السبت" وقد طلب من حليم أن يأتى إليه ليجرى معه حواراً لنشره فى ذلك الباب .. وكان حليم يعلم قيمة تلك المقابلة وأنها ستزيد من شهرته ونجوميته ولكنه كان يخشى شتائم جليل البندارى، فتوجه حليم إلى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وعرض عليه مشكلته، فهو يرغب فى إجراء الحوار مع البندارى لكنه لا يحب أن يشتمه أحد، فقال له هيكل : أنت طبعاً تعرف قيمة حديث تجريه مع جليل البندارى فى باب ليلة السبت بأخبار اليوم وإلا ما كنتش جيت لي، وأنصحك ألا تجعل هذه الفرصة تفوتك .. ولكنى سوف أجد لك طريقة أمنع بها عنك شتائم البنداري.
أمسك الأستاذ هيكل بسماعة التليفون وطلب جليل البندارى وقال له : يا أستاذ جليل .. أنا عندى عبد الحليم حافظ، وهو سعيد جداً أنك سوف تجرى معه حديثاً فى ليلة السبت، وأنا نفسى أحضر هذا الحديث، فهل يمكنك إجراء الحوار فى مكتبي؟ .. ووافق جليل البندارى بعد أن فهم الأمر، وحضر إلى مكتب هيكل وبدأ إجراء الحوار مع حليم بطريقة الكتابة، فكان أول سؤال مكتوب لحليم هو : "إنت جايبنى عند هيكل علشان ما اشتمكش يا ابن الـ ..." وتظاهر حليم بأنه لم يقرأ الشتيمة وأجاب بمنتهى الجدية : "أنا اسمى عبد الحليم على إسماعيل شبانه الذى أصبح عبد الحليم حافظ بنصف اسمه فأصبح عبد الحليم حافظ " .. وتوالت الأسئلة والأجوبة بهذا الشكل الصامت وكان هيكل يدرى بما يدور، وقد مضى الحديث ممتعاً وأصبح حليم فى منتهى السعادة بأن حواره سينشر فى ليلة السبت، ومن هنا أحب عبد الحليم حافظ جليل البندارى وأعجب البندارى بذكاء حليم وتصادقا وقد أصدر البندارى كتاباُ عن حليم باسم "جسر التنهدات".
ظلت علاقة هيكل وحليم قوية وكان العندليب حتى وفاته فى مارس عام77 ويعتبره مستشاره ومعلمه ليس فى السياسة فقط وانما فى الفن أيضا وفى مجالات أخرى، ودائما ما كان يهدى اليه كتبه بتوقيعه الخاص
مع عبد الحليم وصلاح جاهين
الأستاذ هيكل والزعيم عادل امام
من بين من أحبهم هيكل فى الوسط الفنى النجم عادل إمام الذى ارتبط به بأواصر صداقة قوية جدا.
كان الأستاذ هيكل -بدوره- صديقاً للزعيم عادل إمام.. وكان أول تعارف بينهما.. اتصالٌ من الأستاذ هيكل قال فيه: أستاذ عادل.. أنا محمد حسنين هيكل.. إذا كانت لك قائمة معجبين فأنا على رأس القائمة.. وردّ الأستاذ عادل: معقول.. الأستاذ هيكل مرة واحدة... وهنا بدأت صداقة قوية بين «الزعيم» و«الأستاذ». وليس هناك تاريخا دقيقا لعلاقة عادل إمام وهيكل، فيقال إن صداقتهما بدأت بعد فيلم "اللعب مع الكبار"، أى فى العام 1992، ثم امتدت حتى رحيل "الأستاذ"، لكن المؤكد فى الأمر أنهما كانا على اتصال وثيق من يومها، وأنهما كانا يتقابلان بشكل دورى فى لقاءات عامة أو خاصة، أشهرها لقاءات إفطار رمضان التى كان السياسى اليسارى والكاتب الكبير الراحل ميلاد حنا يقيمها فى منزله بالمهندسين.
وتعكس الصور التى جمعت بينالأستاذ هيكل وعادل امام عمق العلاقة بين الزعيم والأستاذ والمفكرين والصحفيين الكبار وتؤكد أنه خاض معركة الوعى بكل بسالة مرتكزا على أرض راسخة
وأثناء العرض الخاص لفيلم الإرهاب والكباب الذى عرض عام92 بطولة عادل امام ويسرا وكمال الشناوى وأحمد راتب كان من اللافت أن يظهر الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فى مناسبة عامة كهذه، وهذا يدل على عمق محبة هيكل للزعيم، وقتها كان هيكل قليل الظهور بشكل كبير، وإن ظهر كان الأستاذ يفضل أن يكون ظهوره خاطفا فى مهام محددة أو اجتماعات محددة الهوية والحضور
مع أحمد زكي
كان هيكل من المعجبين بالفنان الراحل أحمد زكى وبأدائه المتميز وعند مرض زكى الأخير ، قام الأستاذ هيكل بزيارته فى المستشفى حيث كان يعانى امن «السرطان»، وكان هيكل يشد من أزره، ويقول له: لقد مررت بتجربة مماثلة وانتصرت على السرطان بالإرادة.. شد حيلك.
وبسبب مكانته وقيمته الكبيرة ودوره المؤثر فى فترات زمنية مختلفة، تم تجسيد شخصية هيكل فى 3 أعمال سينمائية وتلفزيونية، هى فيلم «أيام السادات» وقام بتجسيد شخصيته الفنان مخلص البحيري، أما فى مسلسل «ناصر» فقدمها الفنان شريف حلمي، وقام الفنان صبرى فواز بدوره فى «صديق العمر» .
هيكل والأدب والأدباء والشعراء
على مدار عمره كانت لهيكل علاقاته العميقة بصناعة الثقافة فى مصر وبعدد كبير من المثقفين، والجميع يعرف علاقته بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، الذين فتح لهم أبواب الأهرام، كما خاض مع نجيب محفوظ أزمة رواية "أولاد حارتنا" التى بدأت الأهرام نشرها مسلسلة قبل حدوث الأزمة، لكن هناك مثقفون آخرون كانت علاقتهم بـ"هيكل" قوية ومنهم ومن هؤلاء الكتاب جمال الغيطانى والدكتور والمفكر عبد الوهاب المسيرى، والشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودى، والروائى الكبير يوسف القعيد.
هيكل وتوفيق الحكيم
الشعر كان عشقه الأول، كان يحفظ نحو 10 آلاف بيت من التراث العربى القديم والحديث خاصة لـ«المتنبي» و«شوقي» ويستعيدها فى أحاديثه العادية كأنه يتنفسها، فلكل موقف بيت شعر يستدعيه من الذاكرة يعلق عليه ويبدى رأيه فيه.. واستعادة محفوظاته الشعرية كانت من وسائله لتدريب الذاكرة أن تأبى نسيان ما جرى. وكان يعتبر نفسه " شاعر مقموع "
وفى لحظاته الأخيرة، وهو ينازع الروح، أخذ يردد أمام أبنائه بعض أبيات شعر تؤكد أنه لا فائدة من معاندة الطبيعة والقدر.
فى سنوات التكوين الأولى بالمدارس الابتدائية تتلمذ على يد شاعر كبير هو «على الجارم»، ساعدته تلك المصادفة على تنمية ذائقته الشعرية.
ويقول: "كنت قريبا من الأدب والشعر والمسرح، ولم تخطر الصحافة ببالى فى البدايات".
فى غرف وصالات التحرير بأخبار اليوم شهدت علاقة صداقة متينة بين هيكل وتوفيق الحكيم... وكلاهما على النقيض من الآخر... فتوفيق الحكيم مغامراته فى رأسه..ومحمد حسنين هيكل مغامراته فى خارج رأسه..
وتوفيق الحكيم يجوب العالم من خلال الكتب والتأملات، وهو جالس فى مكانه بالساعات.. ومحمد حسنين هيكل يجوب العالم بجسده وعينيه وحواسه جميعا..
ولم يكن الاثنان قد تزوجا بعد.وفى تلك الأيام وضع توفيق الحكيم ـ ملك البخلاء قانونا جديدا للبخل. كان يقول لهيكل:
"اليوم اللى تغدينى فيه أدفع أنا السينما... وإذا اخترت أنت المطعم, أختار أنا الطبق".
فإذا اختار هيكل المطعم وقال: سميراميس مثلا.. وذهبا إلى سميراميس فعلا، فيختار توفيق الحكيم الوجبة التى لا تزيد عن اثنين سندوتش جبنه!.
كانت أحب أعمال الحكيم بالنسبة للأستاذ هيكل هى "عودة الروح " و "يوميات نائب فى الأرياف."
لكن فيما يبدو أن هذه الصداقة مع الحكيم اهتزت وارتبكت كثيرا وأصابها العطب بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر بعد رحيل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما أصدر توفيق الحكيم كتاب "عودة الوعي" عام 72مهاجما الزعيم ومرحلته، ودارت معركة شارك فيها كتاب وسياسيون أبرزهم محمد حسنين هيكل، وبحسب الكاتب الصحفى محمد شعير: كتب هيكل معتبرا أن كل من هاجم عبد الناصر بعد رحيله "كانوا أشباحا خائفة، أشباحا ضعيفة، من يملك الشجاعة لا ينتظر الموت ليمارس شجاعته.. وأضاف واصفا هؤلاء، وعلى رأسهم الحكيم: "هؤلاء، بالرجوع إلى مواقفهم جميعا، لم يكن هناك أسبق منهم إلى حرق البخور أمام عبد الناصر".. من جانبه أعتبر الحكيم أن هيكل رد بنفسه على نفسه:" هل توجد الأشباح الضعيفة إلا فى جو من الفزع والرعب؟ لماذا إذن لا توجد أشباح خائفة ضعيفة فى بلاد مثل فرنسا وإنجلترا وأمريكا والسويد وغيرها من البلدان التى لا يعيش أهلها فى الرعب والهلع من التعذيب والمعتقلات والقتل والنفخ فى البطون والاعتداء على أعراض الزوجات والبنات والأخوات مع تشويه الآراء المعارضة بتلطيخها بتهم التآمر والخيانات".
كما ربطت محمد حسنين هيكل و الدكتور عبد الوهاب المسيرى علاقة وطيدة يحكمها التقدير والإعجاب المتبادل، وعندما تقلد هيكل وزارة الإعلام عين المسيرى مستشارا فى وزارته، وكانت العلاقة بين هيكل والمسيرى علاقة شخصية وفكرية وكانا يلتقيان كل أربعاء بمكتب هيكل المطل على النيل فى الدقى، وعندما قرر هيكل ترجمة كتابة “عودة آية الله” من الإنجليزية للعربية، عهد إلى المسيرى بالمهمة ونشره تحت اسم “مدافع آية الله”.
مع يوسف إدريس
كما نشأت علاقة قوية من الصداقة بين هيكل والروائى الراحل جمال الغيطانى، وقال عنه الغيطان، إن هيكل صحفى عظيم، وأكبر مثقف فى مصر والعالم العربى بالمعنى الحقيقى، وهذا الرجل يرجع إليه الفضل فى إبراز دور الثقافة المصرية فى الخمسينيات والستينيات بحكم موقعة بالأهرام، وبما لديه من وعى كبير، وقد عمل على توفير المناخ المناسب للكتاب والمثقفين لأن يكتبون مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وثروت أباظة، فكنا نحلم بأن نكتب بالأهرام وكنا نتخيل أنه عندما نكتب بها يكون شعر الرأس شاب، ولكن بفضل هيكل الذى حمى الكتاب كتبنا بها، فهو أستاذى وله دور كبير فى خدمة الثقافة.
أما الخال عبد الرحمن الأبنودى فقد قال عنه هيكل فى مقدمته لديوان الأبنودى الأخير "مربعات": "لا يحتاج إلى من يقدمه للناس، لأنه حاضر أمامهم طلعةً وطّلة، وصوتًا هادرًا، وجاذبية مغناطيس يشد ما حوله، ولا يحتاج إلى من يحلل الإنسان فيه، فالخلاصة فى شأن الأبنودى، أنه شراع على النيل جاء من صعيد مصر، مرتحلًا إلى الشمال، حاملًا معه خصب النهر العظيم، ينثره حيث يصل، ويحول الطمى بالفن إلى زهر وورد - وإلى شوك أحياناً، ولا يحتاج إلى من يمهِّد لعمله، فذلك العمل أغنية تتردد صوتاً وصدى فى أرجاء الوطن".
وقال هيكل :حين سألنى «عبدالرحمن الأبنودى» إذا كنت أستطيع تقديم مربعاته عندما تنشر على شكل كتاب، فإن طلبه أسعدنى، ليس فقط لأننى كنت أتمنى لهذه المربعات أن تظهر كاملة على شكل كتاب، وإنما سعادتى أن طلبه جاء فرصة متجددة أقرأ فيها المجموعة موصولة ببعضها، بعد أن تابعتها يوما بيوم تنشر متقطعة على صفحات جريدة يومية. فهو شاعر عاش وسط الجماهير وهى تحاول بالثورة أن تصنع مستقبلا، وهو لا يغنى لهذا المستقبل من بعيد، وإنما ينشد من وسط الجموع وبلغتها، وهى تتدافع بالزحف أحيانا، وبالتراجع أحيانا أخرى، خطوة بالأمل وخطوة بالإلم، وهى أحيانا صيحة بالفرح تهلل، وفى أحيان أخرى جرح بالوجع مفتوح.والثائر الشاعر فى قلب المعمعان، هو الثائر يوما، وهو الشاعر فى اليوم التالى، هو بالفعل فى الصبح، وهو الضمير فى المساء.
أما علاقته بالروائى والأديب يوسف القعيد فقد اختاره الأستاذ لإجراء العديد من الحوارات فى مختلف المجالات فى السياسة أو الفن والثقافة، وكان يجمع بينهما صداقة قوية حيث ذهب الأستاذ الاحتفالية التى نظمتها دار الهلال للاحتفال بعيد ميلاد القعيد السبعين.
بدأت علاقة الصداقة بين الكاتب والصحفى الراحل محمد حسنين هيكل، والرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، منذ عين هيكل المتحدث الرسمى باسم حركة الضباط الأحرار.
هيكل شكل رابطا بين عبد الناصر وعالم الفن والثقافة، الذى يعد أهم العوامل المؤثرة على الحراك المجتمعى فى تلك الفترة.
كان هيكل، السبب فى التقارب بين عبد الناصر والكتاب البارزين وقتها، وبحسب ما ذكر يوسف القعيد فى كتابه" هيكل يتذكر» أوضح هيكل أن من قاموا بثورة 1952 بمن فيهم عبد الناصر، لم يكونوا مشهورين، على عكس كبار الكتاب فى ذلك الوقت، وهذا لم يخلق حافزا لدى هؤلاء الكتاب يدفعهم للتقرب من السلطة، وظل البعد قائما حتى مع شهرة الضباط الأحرار واتساع نفوذهم.
الأمر الذى دفع هيكل لجمع عدد من أهم الكتاب تحت مظلة مؤسسة «الأهرام»، حين كان رئيس تحريرها، أهمهم نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، فى فترة الشاعر الفلسطينى محمود درويش عندما غادر فلسطين واستقر فترة فى القاهرة وكان « الاهرام» احد عناوينه.
كما سمحت علاقاته القوية والمتشعبة بعمل شبكة تواصل بين المثقفين والفنانين وبين السلطة، سمحت له بمواكبة العديد من الأحداث والقصص فى هذا الوسط.
وذكر هيكل العديد من الحكايات الطريفة لعدد من الكتاب أثناء لقائهم بعبد الناصر، من بينهم صلاح عبد الصبور الذى أصابه ارتباك أثناء اللقاء، ولم ينطق بحرف واحد كما وصف هيكل اللقاء، على عكس طه حسين الذى لم تصبه هيبة عبد الناصر بسبب فقدانه البصر، لذلك كان أكثر ثقة وراحة فى لقائه، بحسب تفسيره أيضا.
الرياضة فى حياة هيكل
فى 23 نوفمبر عام 1994، أجرت مجلة "الأهرام الرياضي" حوارا صحفيا مع "الأستاذ" حول أبرز اهتماماته الرياضية، وتبين لمتابعيه أن يومه يبدأ منذ السادسة صباحا حينما يصل، بسيارته، لنادى الجزيرة، ليقضى ساعتين، فى حديقة النادي، يمارس فيهما رياضة "الجولف"، التى يعشقها قبل أن يتجه إلى مكتبه حيث حان وقت العمل.
اختيار الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل لرياضة "الجولف" يرجع لما تحويه اللعبة من مزايا عديدة، وفقا لحواره مع المجلة، فهو يبدأ يومه بين الخضرة التى تضمن له بداية صحية فى جو نقي، علاوة على أن "الجولف" له علاقة كبيرة بالسياسة ويتخذه الكثير من الساسة رياضة مفضلة لهم، لأن "الجولف" و"السياسة" لهما سيناريوهات محددة يترتب عليها نتائج معينة.
ووفقا لكتاب "الأستاذ ينصرف" للمؤلف حازم عوض يقول هيكل عن الرياضة:" أنا واحد من الناس المعتقدين أن جسم الإنسان هو الوعاء الذى يضم كل الحواس وكل الملكات... إذا لم تقم بجزء من الجهد البدنى أو العضلى المتمثل فى الرياضة بالدرجة الأولى، فإنك ستفقد شيءا ضروريا من اللياقة الإنسانية"... وهذا يضع تفسيرا لاهتمام "الأستاذ" بتمرينات "السويدي" ثم لعب "التنس" الذى تعلم منه رد الفعل السريع والقدرة الخاطفة على اتخاذ القرار ورد الهجوم.
"السباحة" كان لها أثر كبير فى حياة "الأستاذ"، فهو يعتبرها أنها رياضة جميلة يستطيع من يمارسها أن يفكر فى أشياء كثيرة، وفقا لحواره مع "الأهرام الرياضي"، غير أن "هيكل" لم يكن لديه أى اهتمام بكرة القدم أو لاعبيها القدامى أو الجدد، علاوة على عدم وجود أية انتماءات كروية لـ"الأهلي" أو "الزمالك"، بعكس أولاده الذين كان لهم اهتمامات عميقة بكرة القدم العالمية منها والمحلية.
ويذكر الأستاذ عادل حمودة فى برنامجه «واجه الحقيقة» على قناة القاهرة الإخبارية، أن هيكل حاول أن يلعب كرة القدم لعله يصبح واحدا من نجوم الملاعب ولكنه تراجع عن تخيله بعد أول مباراة
ومع ذلك تفاعل الأستاذ هيكل مع فوز فريق الاسماعيلى ببطولة أفريقيا لكرة القدم كأول نادى مصرى يفوز بالبطولة وتسبب فى فرحة عارمة للمصريين بعدنكسة يونيو67 ولذلك حرص الأستاذ على تكريم النادى الاسماعيلى فى مبنى جريدة الأهرام فى يناير عام ومنح الفريق خمسة آلاف جنيه.. وتظهر احدى الصور لأستاذ هيكل وعلى أبوجريشة والأب الروحى للنادى عثمان أحمد عثمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة