تواجه الأسماك بأنواعها تحديات كبيرة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، حيث يؤثر ذلك على إمدادات الأكسجين فى المياه، حيث لا يمكن للمياه الدافئة أن تحتفظ بنفس القدر من الأكسجين الذى تحتفظ به الباردة، كما أن الأسماك التى تعتمد على الأكسجين سوف تنمو ببطء أكثر، وستتعرض لانخفاض فى الحجم، والتكاثر بوتيرة أقل، وستضطر الأسماك التى تعتمد على كمية كبيرة من الأكسجين، فسوف تكون مدفوعة إلى المياه السطحية الغنية أكثر بالأكسجين، حيث ستجد نسبة كبيرة من فرائسها، وسيؤدى ذلك إلى زيادة المنافسة على الغذاء، أما الكائنات البحرية التى تعيش فى قاع البحار، فسوف تحتاج أيضاً إلى البحث عن مياه أقل عمقاً.
يقول الدكتور يوسف العبد، خبير الاستزراع السمكى، عضو المجلس السابق بنقابة الأطباء البيطريين، أن الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة نظرا للتغيرات المناخية والاحتباس الحرارى الذى أصبح يعانى العالم كله منه، بعد ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل أكثر من 1.1 درجة مئوية، أدى إلى تأثر أغلب الشوطئ ومزارع الأسماك، خاصة أنها أكثر القطاعات تعرضا للاحتباس الحرارى، وبالتالى ارتفاع درجة حرارة الأسماك والذى يمكن أن يتسبب فى نفوق الأسماك فى الأنهار أو المزارع أو البحار، لافتا إلى أن تلك الظاهرة عالمية وليست فى مصر فقط، حيث شهدت ولاية نفوق آلاف الأسماك بولاية تكساس الأمريكية، واستراليا، موضحا أن مصر أيضا بدأت تشهد تلك الظاهرة وخاصة فى الإسكندرية حيث نفوق كمية من أسماك فى منطقة الماكس.
وأوضح العبد، فى تصريحات خاصة لليوم السابع،: أن تلك الظاهرة فى مصر عادة تظهر فى يوليو وأغسطس من كل عام، وهو أمر معروف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 40 درجة مئوية لمدة طويلة، لافتا إلى أن العائلة البورية من الأسماك "البورى والطبار" الأكثر تأثرا بتغير درجة الحرارة، قائلا: أن البلطى أشهر سمكة للاستزراع فى مصر تعيش فى متوسط درجة حرارة من 18 إلى 25 درجة مئوية، وعند ارتفاع درجة الحرارة لتصل إلى 30 درجة تقل العلامات الحيوية والجهاز المناعى لدى الأسماك، وعند 36 درجة تقف الوظائف الحيوية عند الأسماك، أما إذا وصلت لـ40 درجة مع كثافات أعلى من الأسماك ووجود نسب تلوث يسرع من تدهور الحالة الحيوية للسمك، وصولا لنفوق الأسماك.
واقترح خبير الاستزراع السمكى، إجراء إعدادات لمواجهة هذه المشكلة نظرا للخسائر التى تتسبب فيها، حيث يمكن عمل خريطة مناخية خاصة بالاستزراع السمكى والبحرى، على أن تشمل معلومات بشأن درجات الحرارة وسرعة الرياح، خلال فصلى الصيف والشتاء، بالإضافة إلى الاهتمام بالتغذية السليمة والمتوازنة للأسماك لتقليل فرص الإصابة بالإجهاد وتحمل درجة الحرارة، لزيادة المناعة والحيوية للتأقلم مع الحرارة العالية، مضيفا: لابد من توفير مصدر للأكسجين خاصة بالمزارع السمكية، من خلال تركيب بدلات هوائية، ويتم تركيبها على ألواح طاقة شمسة لتغذية المزرعة بمعدل تبديل هوائى يتيح نسبة أكبر من الأكسجين، ليتنفس السمك بسهولة، لافتا إلى أن المزارع تلجأ إلى تقليل العلف أو تمنعه نهائيا إذا ارتفعت درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية.
فى سياق متصل، يقول الدكتور عاطف محمد كامل وكيل كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس، خبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية باليونسكو، وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة، أن التغيرات المناخية واحترار المحيطات يهدد 90% من الكائنات البحرية على مستوى العالم، وذلك وفقاً لدراسة جديدة من مصايد الأسماك والمحيطات فى كندا، حيث وجدت أن احترار المحيطات والظواهر المناخية المتطرفة دفع 25000 نوع بحرى وأنظمتها البيئية إلى مواقع أعمق وأكثر برودة، مما يغير سلوكها ويعيد تشكيل النظم البيئية البحرية بطرق جذرية وغير مسبوقة، وذلك نتيجة لسيناريوهات متوقعة لارتفاع متوسط درجة حرارة المحيطات العالمية بمقدار 3 إلى 5 درجات مئوية بحلول عام 2100.
وأوضح كامل، أن فى مصر الأسماك من أهم مصاد البروتين، فمتوسط الفرد من الأسماك 20كم فى السنة والمتوسط العالمى 21.5كم فى السنة، مما يعنى قرب اكتفاء مصر ذاتياً من الأسماك، حيث أن حجم إنتاج مصر من الأسماك بلغ 2 مليون فى عام 2022، بنسبة 80% من المزارع السمكية و20% من المصايد الطبيعية "بحر المتوسط والأحمر ونهر النيل والبحيرات"، كما تصدر مصر 30 ألف طن من الأسماك كل عام وتستورد مصر الأسماك فقط لإرضاء الذوق العام للمستهلك المصرى والأجانب للأنواع غير الموجوده فى مصر وليس استيراد احتياج.
وأشار إلى أن مصر لديها 14 بحيرة طبيعية تتوزع فى مختلف أنحاء مصر، وأن زيادة منسوب المياه فى البحيرات من مياه الصرف أدى إلى تغير التركيب النوعى للبحيرات واختفاء الكثير من الأسماك البحرية ذات القيمة الاقتصادية العالية مثل اللواط والقاروص والدنيس وأصبح البلطى يمثل 52% من أسماك البحيرات بنسبة كبيرة مقارنة بالسابق، لافتا إلى أن التغيرات المناخية سوف تؤدى لارتفاع مستوى سطح البحر والذى سيؤدى بدوره إلى تعرض مناطق واسعة من المنطقة الساحلية لدلتا النيل للفيضان مما سيؤثر على الاستزراع السمكى، كما أن نمو الأسماك فى ظروف بيئية غير ملائمة من درجات الحرارة المرتفعة وقلة نسبة الأكسجين المذاب فى المياه سيؤثر على العمليات الحيوية الخاصة بالأسماك وقدرتها على التكاثر مما يقلل من كمية وأحجام الأسماك المنتجة وكذلك قدرتها على مقاومة الأمراض والحفاظ على النوع.
وأشار إلى أن ارتفاع درجة الحرارة نتيجة الاحتباس الحرارى يمكن أن يؤدى إلى تغير طبيعة البيئة البحرية، مما يؤدى إلى تعريض حياة الآلاف من فصائل الأحياء المائية إلى خطر التهديد بالانقراض، وقد تلجأ بعض أنواع الأسماك للهجرة من موطنها الأصلى بحثاً عن بيئة ملائمة لحياتها وقد تتعرض فى رحلتها للنفوق أو الافتراس ويتسبب ذلك فى انقراض بعض أنواع الأسماك، مؤكدا ضرورة الاتجاه إلى توليد الطاقة من الموارد الطبيعية صديقة للبيئة التى لا تنفذ وتتجدد باستمرار مثل الرياح والمياه والشمس وحركة الأمواج والمد والجزر وحرارة الأرض، والحد من إزالة الغابات للتوسع السكانى والصناعى لتقليل تأثير التغيرات المناخية، والتوسع فى زراعة الغابات الصناعية والحد من انبعاثات الكربون على مستوى الكرة الأرضية.
وأكد أهمية عمل دراسات علمية تطبيقية لإنتاج سلالات من الأسماك قادرة على تحمل التغيرات المناخية من ارتفاع الحرارة ونسبة الملوحة، وتكاتف الجهات المختلفة من وزارات وجامعات ومراكز بحثية لتوعية المجتمع بخطر التغير المناخى وضرورة تغيير بعض سلوكيات وممارسات المجتمع التى تزيد من حدة التغير المناخى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة