هناك كتاب لـ"مارك مانسون" بعنوان "فن اللامبالاة"، وهذا الكتاب في التنمية البشرية، والحقيقة أن فلسفة هذا الكتاب جديدة ورائعة في ذات الوقت، فهي تدعو إلى السلبية، بالقطع هذه الدعوة لن تلقى استحسان الكثيرين، ولكن مَنْ يقرأ الكتاب سيكتشف أنها فكرة في قمة الإيجابية، فهل نُنكر أننا كثيرًا ما نلجأ إلى السلبية لمُعالجة الكثير من الأمور، والدليل على ذلك مقولة: "أحيانًا يكون الصمت أبلغ من الكلام"، فلو تعمقنا فيها، سنجد أنها إيجابية رغم أن شكلها الخارجي يُوحي بالسلبية، فالصمت في حد ذاته سلبية، ولكنه في بعض الأحيان يكون قمة الإيجابية، عندما نرفض الدخول في جدل سُفسطائي، وعندما تكبح جماح نفسك عن التسرع في الكلمات، وعندما تتيقن أن كلماتك سوف تُدمر علاقتك بشخص يهمك ألا تخسره، وعندما تكتشف أن كلماتك لن تُجدي مع الطرف الآخر.
والمواقف التي تدعو للصمت كثيرة، ولا يُمكن حصرها، ولكنها كلها تدل على أن الصمت في هذه الحالة نوع من أنواع اللامبالاة، فتجاهل بعض المواقف ، والتغاضي عنها، وتعمد تغافلها، يكون قمة الإيجابية، في حين أن البعض قد يعتبر ذلك هو السلبية بعينها، ولكنها سلبية ظاهرية تحمل في طياتها إيجابية حقيقية.
فنحن نحتاج اللامبالاة لكي نعيش في سلام، ولكي لا نتعمق في الأمور بما يتسبب في إيذائنا نفسيًا، ولكي لا نصل إلى مرحلة خسارة أشخاص لهم مكانتهم لدينا، ولكي نُريح أنفسنا من الصراعات الداخلية التي قد تُطيح بأعصابنا وتصل بنا إلى طريق مسدود.
ومَن يظن أن اللامبالاة بُرود أعصاب، واستسهال للأمور، فهو بلا ريب مُخطئ، لسبب بسيط للغاية، أن اللامبالاة تحتاج إلى أعصاب قادرة على تحمل المواقف الصعبة والسخيفة، وتحتاج كذلك إلى ثبات انفعالي يُجبر صاحبها على التظاهر باللامبالاة، في حين أنه يُدرك مدى أهمية الأمر، ولكنه على علم تام بأن اهتمامه بالأمر سيصل به إلى نتائج غير حميدة.
فاللامبالاة أصعب بكثير من الاهتمام، لأنها اختيار طريق مُعاكس للطبيعة البشرية، ولكن صاحبها يُدرك أنها الطريق الآمن والسليم، والذي سوف يصل به إلى بر الأمان، أو على أقصى تقدير إلى أقل الخسائر، فهي فنّ من الطراز الأول، وتحتاج إلى تدريب نفسي شاق.
ولكن في النهاية، علينا أن نعترف أن الحياة في أحيان كثيرة تُجبرنا على اختيار السير في طريق مُجافٍ لطبيعتنا البشرية، ولتركيبتنا النفسية، حتى نستطيع التنصل من صدماتها، وتحمل تبعات مُقدراتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة