وسط الحركة الدؤوبة داخل مدبح السيدة زينب، من الصعب ألا يخطفن نظرك بجلستهن الواثقة أمام الأوعية الممتلئة، تتحرك عيونهن بسرعة فى كل اتجاه، يتابعن بنظرات يقظة كل ما يدور حولهن، بينما تنشغل أيديهن بالعمل الروتينى فى تنظيف "حلويات اللحوم". لا تختلف ملابسهن كثيرًا، فغالبيتهن يرتدين عباءة سمراء وغطاء رأس فى شكل عصبة معقودة بنفس الطريقة تقريبًا. ملامحهن قد تتشابه، ربما لتشابه ظروفهن الحياتية وتحملهن للصعاب كربات أسر مسئولة، حتى أصواتهن أصبحت جهورية عالية وفقدت القليل من نعومتها يومًا بعد آخر من ندائهن المتكرر على "الحلويات النظيفة".
فى السطور التالية نتعرف على حكايات سيدات مدبح السيدة زينب وتفاصيل مشوار "المرأة والساطور":
سوق مدبح السيدة زينب
أم محمد سعيد أول مرة تطأ قدمها السوق كانت فى الحادية عشر من عمرها كانت تأتى مع والدتها والأن تخطت الثلاثين عامًا، كانت تلهو بين البائعات يمين ويسار تلتقط وتتعلم حتى كبرت وتزوجت من عامل محارة وأنجبت طفلا واحدا، وبعدها تعرض زوجها لحادثة عمل، اضطرت بعدها للنزول إلى السوق المدبح لتساعده على المعيشة وتربى ولدها الوحيد، تقول" أم محمد": "أنا متعودة على الشغل في المدبح اتعلمت من أمى وأبويا، بصحى من قبل الفجر أروح على المجزر أشوف الدبايح وأنقى إللى أنا عايزاه، من فشة وكرشة وممبار وسقط وروس وطحال وكوارع وكبده، أخدهم وأجى أفرش وأنظف وانقعه في الميه، وعلى الساعة 9 كده تبدأ الزباين تيجى ونبيع ونشتغل".
كلاولى وكبدة
الممبار هو البضاعة الرئيسية أمام "أم محمد" فى الأيام العادية فيتهافت عليه الزبائن لذلك تكثر منه وتقوم بتنظيفه جيدًا بالماء الساخن والخل، أما باقى الحلويات فيكثر الإقبال عليها فى موسم عيد الأضحى فقط، لا تتخلف الأسعار داخل السوق كثيرًا، تقول "أم محمد" عن المتاعب العمل" الشغل ده أكل عيشى عشان أجيب اللى نفسى ونفس ابنى فيه، لازم أساعد جوزى مش لازم أتقل عليه لازم أشقى وأشتغل".
تستعد سيدات المدبح لعيد الأضحى بشراء الأوانى الجديدة وسن السكاكين والسواطير وتجهيز مكانها وتوصيل المياه وتثبيت الشمسية فى مكانها الصحيح، والتأكيد على الجزار التى تتعامل معه داخل المجزر لتجهيز ما تريده من حلويات اللحوم يوميًا بداية من يوم 1 ذو الحجة حتى اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك.
أما أم يوسف مطر فقالت: "أول مرة أنزل السنة دى، لكن جوزى بقاله 40 سنة فى الشغلانة دى، قلت أنزل معاه أجرب أساعده لازم نكافح عشان عيلنا، فى الأول كانت خايفة وقلقانة الناس مش زى بعضها لكن اتعودت بقالى حوالى شهرين، بنصحى كل يوم الساعة 4 الفجر جوزى بيروح على المجرز يشترى الحاجة وأنا باجى على هنا أفرش واملى الميه على ما ييجى وبعدين أقعد أنظف الممبار وأسمط الكرشة بالمية السخنة، وأقطع لحمة الراس، لكن الفشة والكبدة والطحال والقلب نضاف، واستعد على ما الناس تيجى تشترى منى، طبعًا ده موسم والزبائن بيكونوا كتير والحمد لله ربنا بيكرمنا عشان عيالنا".
اختلفت "حلويات اللحوم" هذا العام عن الأعوام الماضية فلوحظ ارتفاع أسعارها، فيتراوح سعر كيلو الممبار من 100 إلى 110 جنيهات، و120 جنيها للكارع الواحد أو أكثر حسب حجمه ونوعه، و180 جنيها كيلو الكبده، 50 جنيها كيلو الكرشه، ولحمة الرأس 150 جنيها، أما الفشة والطحال والقلب فتتراوح أسعارهم من 40 إلى الـ 60 جنيها.
يارا عاشور وولدها زينهم .. احدى سيدات مدبح السيدة زينب
أم زينهم 24 سنة "ابنة المدبح" كما تقول ورثت هذه المهنة هى وزوجها من الاباء والأجداد، عشقت العمل فى المدبح، فرغم صغر سنها إلا أنها هى التى تقف فى الشادر وتجادل مع الزبائن وتفاصل وتحاسب وتعطى التعليمات للعمال، وزوجها يقوم بتنظيف الكوارع وتقطيع لحمة الرأس، تعمل هذا وهى حاملة رضيعها على كفتها طول الوقت، تقول "يارا عاشور" أو "أم زينهم" أهلى كلهم جزارين فى مجزر المنيب مابعرفش أشتغل غير الشغلانة دى بحبها، من 6 سنين وأنا شغالة هنا مع جوزى، إيد على إيد عشان يكبر ويبقاله اسم فى السوق، ونربى ابننا كويس".
وتابعت" ده الموسم بتاع شغلانة حلويات الدبيح، طول السنة احنا شغالين جزارين لكن فى العيد بنشتغل فى الحلويات، اتعودنا على كده، بروح المجزر الصبح بدرى أنقى العجل إللى يعجبنى، يكون صاحى وما فيهوش عيب لون عينه أبيض بيلمع ما فيش إفرازات وما بيرشحش، ويكون صاحى كده ونشيط، بعد الدبيح بشترى كل حاجة جوة عنده وأجى على هنا أنظف وأبيع".
رحمة تعمل في مدبح السيدة زينب
وتقول أم سعد 50 عامًا" بقالى هنا 15 سنة شغالة فى المدبح من يوم ما جوزى مات أخدت الشغلانة مكانه ربيت عيالى بيت واربع ولاد علمتهم المهنة ومشغلاهم كلهم معايا، الشغل فى المدبح صعب مش أى حد ممكن يشتغل هنا ويتعلم المهنة دى لازم يكون من أهل المكان ومتعلم وهو صغير عشان يقدر يعيش فى المديح ويثبت نفسه وياكل منه عيش، على الرغم أن أهلى مش من المدبح لكن اتعلمت من جوزى وأهله ولما مات مسكت مكانه".
وتابعت" أحنا بنشتغل لبعد العيد لخامس سادس يوم عشان الناس اللى بتدبح فى العيد احنا إللى بندبح لها، وبنعيد بعد ما الناس تعيد، ناخد إجازة ونعيد بقى، بنروح الأرافة ونزور الأموات وخلاص هنعمل إيه هو ده العيد عندنا".
أم سعد
لكل منا مجتمعه الخاص وبيئته التى عاش فيها وتعود عليها، هن سيدات المدبح تعودن على عيشة وحياة خاصة سعداء بها يجيدون فيها أنفسهن وغايتهن فى الحياة.
ممبار
أم سعد تنظف الكوارع
رحمة تعمل في مدبح السيدة زينب (1)
رحمة تعمل في مدبح السيدة زينب (2)
غسيل الممبار
مدبح السيدة زينب
ممبار
يارا عاشور وولدها زينهم .. احدى سيدات مدبح السيدة زينب
يارا ورحمة في شادر حلويات اللحوم
نسخة من العدد الورقى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة