تجلت براعة المصريين القدماء فى استغلال عناصر البيئة وتطويع جغرافيا المكان لخدمة التنمية والاستقرار فى كل ربوع الدولة المصرية وصولًا إلى واحات الصحراء الغربية حيث جرى استغلال التخطيط والهندسة فى شق السراديب والممرات تحت الأرض وعبر الجبال لنقل المياه من خلال ما عرف باسم المناور والتى تجلت هندستها فى منطقة "عين مناور" والتى تعتبر من أهم المواقع الأثرية بنطاق قرية دوش القديمة التابعة لمركز باريس بمحافظة الوادى الجديد وتحتوى على منظومة مناور الرى التى كانت منتشرة فى تلك الحقبة العتيقة وكانت النظام المعتمد فى الرى فى العصر الفارسى أثناء سيطرتهم على تلك المنطقة قديمًا، وتبعها دخول عدد من الحاميات التابعة لحكم الإمبراطورية الرومانية، وكانت المناور هى المصدر الأساسى للحصول على المياه فى الرى والزراعة فى ذلك المكان، وكان لهذا المكان الشأن الأكبر فى الاهمية عند الرومان، وكان هو أحد أبرز أنشطتهم التاريخية القديمة فى الصحراء ومن ثم الواحات.
وقال الباحث الأثرى محمد إبراهيم مدير عام الآثار المصرية بالخارجة وباريس، إن عين مناور يرجع تاريخها للعصر الفارسى أى منذ ما يقرب من 2500 عام وهى أقدم المناور المكتشفة بالواحات حتى الآن وكانت تسمى فى ذلك التوقيت (بر إيست) أى بيت ايزيس وهو الاسم الذى حرف بعد ذلك لبيريس ثم باريس اسم المدينة الحالية. وذلك يعنى أن عين مناور هى البلدة الرئيسية بباريس خلال العصور الفارسية ويحيط بالمعبد بقايا المدينة السكنية من الطوب اللبن، كرس معبد دوش لعبادة الثالوث (سيرابيس. ايزيس. حربوقراط)، مؤكدًا على أن مناور دوش بالقرب من معبد دوش على يمين الطريق الأسفلتى المؤدى إلى قرية دوش ويتم الوصول اليها عن طريق عربات الدفع الرباعى وتضم المنطقة الأثرية معبد من الطوب اللبن مخصص لعبادة المعبود امون رع ويرجع فى الاغلب إلى العصر الفارسى، بالاضافة إلى نظام الرى الشهير باسم المناور، حيث يقوم برى مساحات الأراضى الزراعية الكبيرة المنتشرة حول المنطقة حيث كانت مقر المدينة القديمة وبها العدد الأكبر من السكان.
وأضاف إبراهيم أن تلك الفكرة العبقرية التى قام بها أجدادنا للحفاظ على الماء وذلك لرى أكبر مساحات ممكنة من الأراضى، فالمناور كلمة مشتقة من النور وهى عبارة سراديب وأنفاق أسفل الأرض يتم نحتها فى الحجر أو الصخر الرملى أو الطفلى الصلب، على أعماق مناسبة تلك السراديب تحوى بداخلها على خطوط وقنوات المياه التى تصل إلى مسافات كبيرة وطويلة لتروى الأحواض الزراعية بكميات مناسبة من المياه بدلا من هدرها والحفاظ عليها، مؤكدًا على أن المياه تخرج من خلال العيون الارتوازية فى سفوح الجبال أو أعلى التباب أو الهضاب من خلال ضغط التربة، فتجد المياه لنفسها أضعف مكان مابين الصخور لتنفذ وتخرج منه، ولكن فى هذه الحالة ستتدفق المياه بكل قوتها وطاقتها من الأعلى وتفور بقوة فلا يستطاع التحكم فيها وتهدر بشكل كبير حول نقطة خروج المياه فقط فضلا عن نسبة التبخير العالية جدا فى اوقات ارتفاع درجات الحرارة فلا يستفاد من المياه بكمياتها بشكل مناسب ولكن مع فكرة المناور العبقرية استطاع الأجداد الحفاظ على المياه من خلال حفر خنادق أو سراديب لكى تسير فيها المياه من خلال قنوات سلفية اسفل الأرض لتخرج عند سطح الأرض المستوى لتروى تلك الأراضى والمساحات الواسعة بكميات كبيرة محافظ عليها من المياة، مع إمكانية التحكم فيها من خلال الإغلاق والفتح للمنور، من خلال فتحات الإضاءة التى تدخل النور والإضاءة ويمكن من خلالها النزول بطريقة التشبيح لمتابعة جريان وسير المياه وتدفقها من عدمه وفى حالة التوقف يمكن من خلال هذه الفتحات للمناور نظافة السدد والعطل وكذلك القفل والفتح لسريان المياه وتتبعها من فتحه أو منور إلى فتحة ومنور آخر.
وقال الباحث الأثرى محمد حسن جابر ومفتش آثار الخارجة، لـ" اليوم السابع"، إن هذه الفكرة استمدت فى الأصل من الفرس فى العصر المتأخر وتطورت جدا فى العصر الرومانى حيث كانوا ماهرين جدا فى هذا الأمر وقامو بزراعة الواحات كلها من خلال هذا النظام الفريد فى الرى ومن أشهر الأماكن التى يوجد بها خطوط للمناور هى منطقة أم الدبادب ومنطقة اللبخة ومنطقة البليدة ومنطقة الجب ومنطقة عين مناور بالقرب من معبد دوش بباريس والتى يوجد بها معبد للمعبود آمون رع وغيرها، مشيرًا إلى أن إعداد خطوط المناور تختلف من منطقة إلى آخر حيث يصل عدد الخطوط ويتراوح مابين 6 إلى 8 وأحيانا يصل إلى 12 خط فى بعض المناطق، وهذا النظام الفريد فى الرى هو مايميز مناطق الواحات والصحراء قديما فقد كان هذا هو أسلوب ونظام الرى المتبع وأستمر حتى فترات زمنية قريبة ويتبين من شكل المناور والسراديب والإنفاق التى تمر بها المياه اسفل الأرض كذلك شكل الفتحات التى تدخل النور والتى جاء منها اسم المناور لمتابعة المياه وإمكانية الرؤية والنزول ومتابعة أعمال النظافة والتطهير للعين والمجرى.
وأضاف جابر أن المنطقة تضم أيضا معبد دوش الأثرى الذى يعتبر النموذج المعبر عن فنون مصر فى فن العمارة القديمة، وأطلق عليه اسم القرية القديمة التى كان قد أقيم على أرضها فى ذلك الوقت، وهى كانت بالفعل قرية دوش الواقعة فى مدينة باريس، وذلك حيث حملت تلك القرية الأثرية القديمة عدد من الأسماء المختلفة، ولكن كانت البداية كلمة “كشت”، وحرفت بعد ذلك إلى قرية “جشت”، ومنها إلى قرية “دشت” وهو ذلك الاسم الذى قد جاء منه اسمها الحالى وهو قرية “دوش” فى الخارجة وكانت قديمًا هى عبارة عن مدينة أثرية زراعية مزدهرة جدا.
وأكد جابر أن تاريخ معبد دوش الأثرى يرجع إلى حكم العصر الرومانى وذلك فى عهد جميع الأباطرة القظام مثل دومتيان، وهادريان، وتراجان، وكان المعبد يقع بالفعل داخل بقايا حصن أثرى قديم مكون من عدد من أربعة طوابق تقريبا، كما أنه يطل ذلك الحصن على طريق الدروب وعلى جميع تلك القوافل التجارية وهى الأشهر فى منطقة الواحات قديمًا مثل منطقة درب الأربعين وتلك المنطقة الواصلة حتى الآن بين وادى النيل فى محافظة أسيوط حتى منطقة دارفور فى مدينة السودان، حيث تم بنائه من مادة الحجر الرملى، بينما كان ذلك الحصن ومعه السور وتلك المبانى الإضافية من حوله أو الملحقة به مبنية من مادة الطوب اللبن.
وأكد جابر أن المعبد يحتوى فى داخله على أغلب تلك المناظر الطبيعية الخاصة بالمعبودات المصرية القديمة، والتى كانت تبرز وقتها عمليات تقديم الإمبراطور عدد من القرابين المختلفة وتقديمها إلى أرباب المعبد، وهذا كان يتم نوع من انواع التقرب لتلك المعبودات الأثرية المصرية القديمة، وكان يحدث أيضا إرضاءً لجميع الكهنة وعدد من الأهالى فى الواحات وفى داخل مصر كلها، وكان ذلك للتقريب بين تلك المعبودات الأثرية ومعبوداتهم الخاصة الموجودة فى بلادهم.
وأشار جابر إلى أن معبد “دوش” الأثرى يشبه فى تخطيطه وعمارته كلا من المعابد التى كانت بالفعل تبنى فى داخل مصر القديمة فى ذلك الوقت، وذلك من حيث تواجد عدد من بوابات وعدد من الصالات والتى كانت تضم مجموعة محددة من الأعمدة واقعة على 3 صفوف كانت تؤدى فى النهاية إلى غرفة أو منطقة قدس الأقداس، وكان يوجد فى نهاية تلك الصالات الأثرية سلم مخصص فقط للصعود إلى ذلك الطابق فى الأعلى، وكان يوجد على تلك البوابة الأثرية الرئيسية للمعبد ذلك النص التأسيسى الذى تم وضعه فى عصر الإمبراطور القديم تراجان، وهو المذكور فيه اسم ذلك الحاكم العسكرى القديم لتلك المنطقة الأثرية فى وقتها، أى وقت البناء والتشييد.
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (2)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (3)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (4)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (5)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (6)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (7)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (8)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (9)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (10)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (11)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (12)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (13)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (14)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (15)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (16)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (17)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (18)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (19)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (20)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (21)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (22)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (23)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (24)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (25)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (26)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (27)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (28)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (29)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (30)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (31)
عين مناور الأثرية بالوادي الجديد (32)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة