سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 مايو 1804.. خورشيد باشا يتحفظ على «أم المماليك» السيدة نفيسة المرادية.. والشيوخ يذهبون إلى القلعة ليطالبوه بالإفراج عنها

الإثنين، 22 مايو 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 مايو 1804.. خورشيد باشا يتحفظ على «أم المماليك» السيدة نفيسة المرادية.. والشيوخ يذهبون إلى القلعة ليطالبوه بالإفراج عنها خورشيد باشا
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرسل خورشيد باشا، والى مصر، يستدعى السيدة «نفيسة المرادية»، فاصطحبت امرأتين وطلعت إلى القلعة، فى نفس الوقت كان جنوده يفتشون نساء أمراء المماليك، فاختفى بعضهن وقبض على بعضهن بعد عصر 22 مايو، مثل هذا اليوم، 1804، حسبما يذكر المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى، فى الجزء السادس من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار «عن الهيئة المصرية العامة للكتاب».
 
انتقل «خورشيد» إلى القلعة يوم 20 مايو 1804 ليتخذها مقرا لإقامته وحكمه بالرغم من ولايته منذ أواخر مارس، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر»، وبالإضافة إلى ظلمه الذى أدى إلى ثورة الشعب عليه، كان يواجه سعى المماليك لاستعادة سلطتهم التى كانت قبل مجئ الحملة الفرنسية لمصر عام 1798، وفى هذا السياق كان الاستدعاء للسيدة نفيسة المرادية بعد إقامته فى القلعة بيومين، فلماذا، ومن تكون هذه السيدة؟
 
هى شركسية الأصل، اشتهرت باسم «نفيسة البيضاء»، ويذكر دكتور ياسر ثابت فى كتابه «قصة الثروة فى مصر» نقلا عن كتاب «دراسات فى تاريخ الجبرتى» لمحمود الشرقاوى، أن نفيسة دخلت فى حريم على بك الكبير، فأحبها، وبنى لها دارا تطل على بركة الأزبكية فى درب عبدالحق، غير أن المملوك مراد وقع فى هواها، فلما اعتزم محمد أبوالدهب خيانة سيده على بك الكبير، وتحدث إلى المملوك مراد فى ذلك اشترط عليه الأخير أن يزوجه من هذه الجارية نظير موافقته على الخيانة، فلما قتل على بك عام 1773 تزوجها مراد، وعرفت باسم «نفيسة المرادية».
 
يضيف ثابت: «حكم مراد بك مصر مع إبراهيم بك بعد موت أبوالدهب لمدة تزيد على عشرين سنة، وفى حياته نالت نفيسة مكانة كبيرة، وعاشت كواحدة من أثرى أهل مصر بما امتلكته من القصور والجوارى»، ويذكر «الرافعى»: «كانت نفيسة على جانب كبير من التثقيف والتهذيب، إلى روعة فى الجمال وسمو فى العواطف، تعلمت القراءة والكتابة، وأقبلت على الكتب العلمية تطالعها، واكتسبت احترام العلماء والبكوات المماليك الذين بيدهم الحل والعقد، واجتذبت قلوب الشعب بما اشتهرت به من البر والإحسان ورفع المظالم وحماية الضعفاء، وسرت شهرتها إلى الأوساط الأوروبية إذ عرف عنها الميل إلى تنشيط التجارة والصناعة، وأهدتها حكومة فرنسا قبل الحملة الفرنسية ساعة مرصعة بالماس قدمها إليها القنصل «مجالون» اعترافا لها بميزاتها وبخدماتها للتجارة»، ويضيف ثابت، أن زوجها مراد بك مات بالطاعون ودفن فى سوهاج يوم 22 إبريل 1801، وبعد خروج الفرنسيين من مصر نجحت فى الحصول على حماية البريطانيين الذين بسطوا نفوذهم لفترة قصيرة، ومع تعزيز العثمانيين سيطرتهم على مصر واصلت سياسة حماية المماليك وأسرهم، فعرفت باسم «أم المماليك».
 
توجهت أنظار خورشيد باشا إليها فى محاولاته مطاردة المماليك، ويذكر الجبرتى ما جرى بينهما حين صعدت إلى القلعة، قائلا: «قام إليها وأجلها ثم أمرها بالجلوس، وقال لها على طريق اللوم: «يصح أن جاريتك منور تتكلم مع صادق أغا، وتقول له يسعى فى أمر المماليك العصاة».. فأجابته: «إن ثبت أن جاريتى قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها»، فأخرج من جيبه ورقة، وقال لها: «وهذه؟»، وأشار إلى الورقة، فقالت: «وما هذه الورقة أرنيها، فإنى أعرف أن أقرأ لأنظر ما هى»، فأدخلها ثانية فى جيبه، ثم قالت له: «أنا بطول ما عشت بمصر وقدرى معلوم عند الأكابر وخلافهم، والسلطان ورجال الدولة، وحريمهم يعرفوننى أكثر من معرفتى بك، ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم أعداء الدين، فما رأيت منهم إلا التكريم، وكذلك سيدى محمد باشا، كان يعرفنى ويعرف قدرى، ولم نر منه إلا المعروف، أما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك ولا غيرهم، فقال: ونحن أيضا لا نعمل غير المناسب.. فقالت له: وأى مناسبة فى أخذك من بيتى بالوالى «رئيس الشرطة» مثل أرباب الجرائم، فقال: أنا أرسلته لكونه أكبر أتباعى، فإرساله من باب التعظيم».
 
يؤكد «الجبرتى» أن خورشيد اعتذر لها، وأمرها بالتوجه إلى بيت السحيمى بالقلعة فى حراسة جماعة من العسكر، أى التحفظ عليها، ولما أشيع الخبر تكدر الناس، وذهب القاضى ونقيب الأشراف عمر مكرم والشيخ السادات والشيخ الأمير ليكلموه فى أمرها، وبعد مفاوضات وتهديد منهم بأن لا علاقة لهم بشىء من هذا الوقت، وافق خورشيد على اقتراح بأن تنزل فى بيت الشيخ السادات، ويذكر الرافعى أن هذه الحادثة تبين مقدار مكانتها بين الناس.
 
يذكر «الرافعى» أن نفيسة أدركت عصر محمد على بعد أن أدبرت عنها الدنيا، وفقدت أملاكها، ولم يبق لها سوى النزر اليسير منها فعاشت فى قلة وفاقة إلى أن توفيت عام 1816، ودفنت فى القرافة الصغرى بالإمام الشافعى، وينقل وصف الجبرتى لها: «الشهيرة الذكر بالخير، وأنها عمرت طويلا مع العز والسيادة والكلمة النافذة، وكانت من الخيرات ولها على الفقراء بر وإحسان».     









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة