<< المنظمات الدولية تبرز جهود مصر فى استقبال السودانيين
<< زيادة أعداد الفرق الطبية لتقديم خدمات الدعم النفسى للقادمين من السودان
<< مبادرات فى أسوان لاستضافة النازحين دون مقابل
<< سياسيون مصريون وسودانيون: القاهرة أدارت الأزمة باحترافية وسهلت مهمات الدخول وتوفير السكن والاحتياجات الصحية
فى فجر 15 أبريل 2023، وبدأت اشتباكات عنيفة فى السودان، منذ ذلك التاريخ، واتخذت الدولة المصرية جهودا مضنية ليس فقط لإجلاء رعاياها من المصريين المقيمين فى السودان، بل أيضا مد يد العون للأشقاء السودانيين، لاستضافتهم فى مصر، كعادة القاهرة التى دائما تفتح ذراعيها للأشقاء العرب، ففى 25 أبريل، قررت السلطات المصرية بتيسير دخول السودانيين إلى الأراضى المصرية، عبر المنافذ البرية دون تأشيرة، خاصة من معبر أرقين والقسطل.
أعداد السودانيين الفارين إلى مصر
أعداد السودانيين الذين استطاعوا المجيء إلى مصر كثيرة للغاية، وآخر تصريح رسمى صدر حول تلك الأعداد كان على لسان عُبيدة الدندراوى، مسؤول شؤون جامعة الدول العربية بوزارة الخارجية المصرية، فى أول مايو الجارى، والذى أكد أن 40 ألف سودانى عبروا الحدود إلى الأراضى المصرية حتى الأول من مايو، لافتا إلى أن مصر استقبلت حتى صباح، الاثنين، قرابة 40 ألف مواطن سودانى عبروا معبرى أرقين والقسطل.
وفى 8 مايو، خلال لقاء سامح شكرى، وزير الخارجية برئيس التشادى محمد إدريس ديبى، استعرض سامح شكرى الجهود والاتصالات التى قامت بها مصر منذ بداية الأزمة، وأكد أن مصر فتحت ذراعيها لاستقبال الفارين من جحيم المواجهات العسكرية من الأشقاء السودانيين بأعداد تزيد عن 60 ألف شخص.
جهود محافظة أسوان لاستقبال السودانيين
فى 6 مايو الجارى، أصدرت محافظة أسوان بيانا، تكشف خلاله الجهود المبذولة لمساندة الأشقاء النازحين السودانيين، وذكرت أن ملحمة عظيمة من الدعم والمساندة تستحق كل الاحترام يتم تقديمها بأسوان للوافدين من دولة السودان الشقيقة، سواء المصريين أو السودانيين أو الجنسيات المختلفة، وذلك تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، حيث أكد اللواء أشرف عطية، محافظ أسوان، أنه تم تكليف الجهات المعنية بتهيئة الأجواء وتوفير كافة الإمكانيات بالموقف البرى الدولى بكركر لتقديم أوجه الدعم والمساندة لجهود الدولة المصرية فى احتواء تداعيات الأحداث الجارية بدولة السودان، حيث تتم المتابعة دقيقة بدقيقة لأى مستجدات للتدخل الفورى معها بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، بجانب وزارة النقل وهيئة السكك الحديدية والجهات الأمنية لتوفير الأتوبيسات وقطارات السكك الحديدية على مدار اليوم.
منظمات دولية تشكر مصر على جهودها لاستقبال السودانيين
وفى 8 مايو الجاري، زارت السفيرة نيفين الحسيني، نائب مساعد وزير الخارجية لشئون الهجرة واللاجئين، يرافقها جيريمي هوبكنز ممثل يونيسف في مصر، ووفد الأمم المتحدة معبر قسطل البري على الحدود المصرية السودانية.
وقال ممثل يونيسف في مصر: "نحن هنا على الحدود لنوفر الخدمات الصحية ومياه الشرب، وكذلك دورات المياه المتنقلة وأدوات العناية الشخصية والدعم النفسي الاجتماعي، وقد توافد على الحدود المصرية السودانية الآلاف من الأسر النازحة الذين تعرضوا إلى ظروف قاسية جداً حتى وصلوا إلى الحدود"، كما ثمن جيريمي الجهود التي تقودها الحكومة المصرية، قائلاً :"نشكر الحكومة المصرية على الاستجابة السريعة وتسهيل عملنا على الارض، وأود أيضاً أن أشكر الهلال الأحمر المصري على ما يقومون به من جهود."
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أيضا سلطت الضوء على جهود مصر في استقبال السودانيين، ففي بيان رسمي ليها بتاريخ 2 مايو، :" في مصر، تضطلع المفوضية مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى بمهمة تقييم احتياجات أولئك الذين يصلون من السودان وتدارس أفضل السبل لتلبية احتياجاتهم وكذلك التخطيط لإمكانية وصول وافدين جدد في المستقبل. وتقوم الأمم المتحدة بتسليم المساعدات من أجل توزيعها على الوافدين من قبل الهلال الأحمر المصري، بما في ذلك المياه ومستلزمات النظافة الشخصية وتلك الخاصة بالنساء، والكراسي المتحركة والطعام والأقنعة والقفازات. تقود المفوضية جهود التنسيق بين الوكالات بالتعاون مع الحكومة. وقد تم تحديث التقديرات الأولية للوافدين من قبل الحكومة ليصل العدد إلى 40,000 سوداني و 2,300 مواطن أجنبي".
وفي بيان آخر بتاريخ 4 مايو، تبرز فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين جهود مصر أيضا في استقال السودانيين الفارين من الاقتتال قائلة :" تجري المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عملية تخطيط لتدفق 860,000 لاجئ وعائد من السودان، وسوف تكون رفقة شركائها بحاجة إلى 445 مليون دولار أمريكي لتوفير الدعم لهم حتى شهر أكتوبر، حيث تم تقدير هذه الأرقام في ملخص تمهيدي للخطة الإقليمية المشتركة بين الوكالات والخاصة بالاستجابة للاجئين في السودان، والتي تم تقديمها اليوم للمانحين. وسوف تغطي الخطة في المقام الأول جهود الدعم الفوري في مصر وتشاد وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، ومن المتوقع أن تشهد مصر وجنوب السودان أكبر عدد من الوافدين".
الصحة تزيد أعداد الفرق الطبية لتقديم خدمات الدعم النفسى للقادمين من السودان
وفي 10 مايو أصدرت وزارة الصحة بيانا قال فيه الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، إنه تم تقديم الخدمات الطبية لـ581 قادما من المصريين العائدين والأشقاء النازحين من دولة السودان، أمس الثلاثاء، عبر ميناء سفاجا البحرى بمحافظة البحر الأحمر.
وخلال البيان قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إنه تم مناظرة 466 قادما من خلال عيادات الحجر الصحي بالميناء، كما تم تطعيم 114 طفلا بالطعوم المضادة لشلل الأطفال، إلى جانب تحويل حالة إلى مستشفى سفاجا العام بواسطة سيارة إسعاف مجهزة، حيث تلقى الخدمة الطبية اللازمة، وتم إعادته مرة أخرى، لافتا إلى تمركز 9 عيادات متنقلة في ميناء سفاجا إلى جانب 10 سيارات إسعاف مجهزة بعناية مركزة، علاوة على رفع حالة الاستعداد في المستشفيات والخدمات الإسعافية بمحافظة البحر الأحمر، كما تم الدفع بـ50 فردا من اطقم الحجر الصحي لسرعة إنهاء إجراءات الكشف الطبي على القادمين.
جانب-من-الفاعليات
اليوم السابع تلتقى السودانيين في أسوان
قررنا أن نعاين الأوضاع عن قرب ونستمع إلى السودانيين أنفسهم الذين فروا من مناطق الاقتتال في بلادهم ووصلوا مؤخرا إلى محافظة أسوان، فعلى بُعد 20 كيلو جنوب مدينة أسوان، يقع الموقف الدولى البرى للرحلات السودانية بوداى كركر، فى منطقة صحراوية مطلة على طريق أبو سمبل، وهناك تجد هذا المكان يستقبل آلاف السودانيين يوميا فارين من جحيم الحرب فى البلد الشقيق، ليجدوا ملاذا آمنا فى بلدهم الثانى مصر.
انقلنا إلى الموقف الدولى بوادى كركر، ليرصد رحلة الأشقاء السودانيين فى الفرار من الحرب وصولاً إلى بر الأمان فى مصر، والاستماع إلى قصصهم فى قطع كل هذه المسافات وصولاً إلى محافظة أسوان بوابة مصر الجنوبية.
طارق عبد الرازق، سائق سودانى الجنسية، تحدث عن رحلته من السودان إلى مصر، قائلاً: كان الحياة قبل اشتعال الأحداث فى السودان طبيعية جداً فى السفر بين أسوان والخرطوم وهناك موقف للأتوبيسات فى المدينتين والحافلات تقطع هذه المسافات عبر الطريق البرى "أرقين" وكان آمناً فى الذهاب من وإلى السودان، ولكن مع الأحداث انقلب الحال، وأصبح المسافرون الآن اتجاه واحد فقط من السودان إلى مصر.
ويضيف السائق السودانى، أن السفر عبر الطريق البرى من أسوان إلى الخرطوم كان يستغرق يوم ونصف اليوم فقط، ولكن مع الأحداث الحالية للأوضاع فى السودان أصبح السفر يستغرق ثلاثة أيام أو أربعة بسبب تكدس المسافرين على المعبر الحدودى، والطرق اختلفت لصعوبة الدخول إلى الخرطوم نفسها واشتعال الأحداث فيها وارتفاع أصوات الرصاص وإطلاق نيران الأسلحة من كل مكان، فاضطرت الأتوبيسات لتحميل النازحين من غرب الخرطوم حيث "أم درمان".
وفي ذات السياق يوضح حامد الحلفاوى، مواطن سودانى، أنهم نجوا بأنفسهم من الموت فى السودان، لأن الضرب والنيران كانت محيطة بهم فى كل مكان، وتحديداً فى الخرطوم العاصمة، فاضطر الأهالى للنجاة بأرواحهم واصطحاب أسرهم وأطفالهم الصغار والنزوح بهم إلى مصر عبر الطريق البرى بأسوان، فهى أول البلاد التى خطرت على بال أهل السودان لأن مصر هى وطن السودانيين الثانى وأهلها هم أشقاء السودانيين وتربطهم بهم أنساب وصهر خاصة فى جنوب مصر وشمال السودان، لافتا إلى أن سكان الخرطوم كان يتسللون ليلاً أو فجراً للفرار من أماكنهم التى فيها الأحداث وتركوا منازلهم وأراضيهم ونجوا بأنفسهم، وعلق قائلاً: "كل واحد كان يصطحب أسرته ويحاول الوصول لموقف الأتوبيسات البرى فى أم درمان بأى وسيلة للنجاة والسفر إلى أسوان".
-سيدة-سودانية
وأكد المواطن السودانى، أن أشقائهم المصريين استقبلوهم أفضل استقبال والمسئولين فى المعابر الحدودية لم يقصروا فى الترحيب والسماح بدخول السودانيين والجنسيات المختلفة القادمة من السودان فى ظل الظروف الراهنة، موضحاً أن المواطن السودانى شعر بالأمان لحظة دخوله الأراضى المصرية لأنه بلدهم الثانى، متمنياً من الله أن يعود الاستقرار والهدوء إلى بلادهم السودان مرة أخرى حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وأرضهم.
لقاء مع أسرة سودانية
التقينا بأسرة "آل الطيب" ، وهى رجل و3 سيدات و6 أطفال، سودانية الجنسية فرت من جحيم الحرب فى البلد الشقيق إلى أسوان بوابة مصر الجنوبية لتلتقط أنفاسها وتشعر بالطمأنينة وترتاح قليلاً فى بلدهم الثانى بعد رحلة فرار استغرقت 5 أيام عبر المنافذ البرية الحدودية، واستضافهم أهالى قرى وادى كركر جنوب مدينة أسوان، للاستمتاع منهم عن قصة نزوح السودانيين إلى مصر بالآلاف يومياً بعد أن اعتبروها وجهتهم الأولى وبلدهم الثانى بعد الخروج من السودان.
وليد أحمد سليمان، رب الأسرة، بدأ الحديث مع محرر الجريدة قائلاً: "لن نستطيع أن نصف الشعور الذى نشعر به بعد وصولنا أسوان، خاصة أنها رحلة طويلة بسبب الظروف الصعبة لأوضاع السودان حالياً وهذه الرحلة امتدت لخمسة أيام متصلة، بسبب نزوح آلاف السودانيين يومياً إلى مصر بلدنا الثانى التى لم نشعر فيها بالغربة وأهلها هم أهلنا وتربطنا بهم صلة قرابة وأنساب خاصة فى محافظة أسوان".
وأشار إلى المعاملة الحسنة والاستقبال الطيب لأسرته المكونة من 10 أفراد واحتوائهم وتقديم المساعدات له ولأسرته فور وصولهم إلى الموقف الدولى لوادى كركر، وتخصيص أحد المنازل بقرى وادى كركر جنوب أسوان للإقامة فيه واحتوائه وأطفاله ونسائه، ومد يد العون لهم فى توفير مستلزمات منزلية للإعاشة فيه وتشمل: "أسرة للنوم وبعض الأثاثات وثلاجة وتليفزيون" وغير ذلك من مقومات المعيشة.
صحفى-اليوم-السابع-مع-أهالى-كركر
وفى مشهد داخل المنزل، تجلس "الحبوبة" عامرية، كما يناديها الأطفال الصغار فى المنزل، وتعنى "الجدة"، على أحد الأسرة فى المنزل وقد تخطى عمرها السبعين عاماً، ويتجمع الأطفال حولها تحتضنهم بعد أيام هلع وخوف من أحداث الحرب الحالية، ثم تلتفت إلى التلفاز وتتابع أخبار وطنها السودان لتنزل الدموع من عينيها حزناً على ما جرى لبلادها.
وقالت الحبوبة عامرية، إنها عاشت طويلاً فى السودان ولم تشاهد ما شاهدته الآن من أحداث وصراعات، ضاع بينهم المواطنون الأبرياء من الأطفال الصغار والنساء والشيوخ والشباب، واضطر الأهالى إلى الفرار فى أوقات مبكرة ومنتصف الليالى إلى أقرب نقطة آمنة لمحاولة استقلال أى وسيلة نقل تنقلهم إلى الموقف الدولى البرى ومنه إلى أسوان للدخول إلى مصر، بلد الأمن والآمان، وعلقت قائلةً: "حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها لم يتأخروا بشيئ عن أهل السودان فى الظروف الحالية، ولجئوهم وآووهم من مرارة الحرب وفتحوا أهل أسوان بيوتهم لاستقبال النازحين".
وفى مشهد آخر، تجلس الطفلة "لما" البالغة من العمر 13 سنة، بجوار نافذة المنزل شاردة الذهن تفكر فى مصيرها الدراسى، بعد أن انقطعت عن المدارس فجأة واندلعت الحرب فى السودان وكانت هى تؤدى امتحانات نهاية العام، وكذلك الحال بالنسبة للطفلة "حنين" من أفراد الأسرة أيضاً والتى تسربت من التعليم بعد ترك مدرستها فى السودان والسفر إلى مصر.
وتوجهت أسرة الطيب بالدعاء إلى الله أن يمن على السودان بالأمن والأمان ويعود الاستقرار والهدوء إلى بلادهم مرة أخرى حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وأرضهم، ويحفظ شعب السودان وشعب مصر الذى آواهم.
إيواء الأسر السودانية فى المساكن
على مستوى السكن والإقامة، هب مجموعة من أبناء أسوان لإيواء أشقائهم السودانيين فى منازلهم، وبعضهم فتح أبواب بيته بالمجان لاستقبال الفارين من الحرب خاصة كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة، وتقديم يد العون لهم وتوفير مستلزمات المعيشة لهم، والبعض الآخر قرر تخفيض تكاليف استقبال النزلاء فى فندقه وغيرها من المبادرات لإيواء النازحين.
تجهيز-وجبات
وأكد الدكتور إيهاب حنفى، وكيل وزارة الصحة بأسوان، أنه تم توفير أطقم من الأطباء والتمريض مدعمين بعدد من العيادات المتنقلة والثابتة لتقديم الخدمات العلاجية والدعم النفسى للوافدين، وكذا فرق الإسعاف والهلال الأحمر المصرى وشباب المتطوعين.
وأضاف الدكتور إيهاب حنفى، أن الخدمات شملت أيضا قيام فريق الملاريا وناقلات الأمراض بتنفيذ حملات تعقيم وتطهير بالموقف، مع القيام بالرش بجهاز الضباب فى الفترة المسائية، وتوفير أكثر من 20 باسكت لجمع القمامة والمخلفات وتوزيعها بكافة أرجاء الموقف وأماكن الانتظار.
جانب-من-الفاعليات
وأوضح أن مستشفى أسوان التخصصى، أعلنت حالة الطوارئ لاستقبال المرضى والحالات الطارئة، والتأكيد من الجاهزية الطبية والاستعداد لاستقبال المرضى النازحين والمحولين من معبر "أرقين" البرى الرابط بين الحدود المصرية السودانية، وذلك لتأكيد عمق أواصل العلاقات التاريخية والإنسانية لدعم ومساندة المرضى من جمهورية السودان، واختتمت الجولة بتفقد المرضى بأقسام الرعاية بالأقسام الداخلية.
"قعدة عربى" ومطبخ لتوفير الوجبات واستراحة للمبيت لدعم السودانيين
في السياق ذاته ، وداخل الموقف الدولى بوادى كركر التى تبعد عن مدينة أسوان نحو 20 كيلو مترا فى الاتجاه الجنوبى، تجد الأتوبيسات اصطفت داخله بعد رحلة سفر طويلة قادمة من دولة السودان الشقيق متخذة الطرق البرية الدولية بأرقين وقسطل على الحدود المصرية السودانية جنوب مصر، ومع تزايد هذه الأتوبيسات السودانية خلال الفترة الأخيرة بسبب الأحداث الأخيرة الواقعة فى الخرطوم، بدأت معها إعداد المواطنين السودانيين فى التزايد بعد نزوح الآلاف منهم إلى مصر عبر بوابتها الجنوبية محافظة أسوان.
وداخل الموقف، يوجد عم سيد وعدد من الشباب المتطوعين معه، يبادرون باستضافة الأسر السودانية التى تحتاج إلى مكان تأوى إليه مؤقتًا لأخذ قسط من الراحة بعد رحلة عناء وسفر فى ظروف صعبة مرت بها دولة السودان الشقيق، ليجدوا الشباب المصرى فى استقبالهم والترحيب بهم وتقديم المساندة والدعم لهم فى أول محطة وصول لهم بعد عبور المنافذ الحدودية البرية بين البلدين.
جانب-من-الفاعليات
يمد العم سيد، يديه وبها صينية عليها الأكل والشرب ويقدمه للضيوف من الجنسيات السودانية ويقوم رفقاؤه بالعمل مثل ذلك، ثم يقوم ليجهز فراشًا ومكان ليستريح فيه القادمون من السفر الطويل عبر الطرق البرية الرابطة بين مصر والسودان وتستغرق نحو 13 ساعة للسفر بين البلدين، دون كلل أو ملل مما يفعلوه ويعتبرونه ثواب ودعم للأشقاء فى محنتهم الحالية.
فيما تحدث سيد أحمد سليمان، من قرية دابود بمحافظة أسوان، والشهير بـ"عم سيد"، لـ"اليوم السابع"، قائلًا: منذ 4 سنوات واعتدنا أن نقيم مبادرة بين شباب العاملين فى موقف كركر البرى الخاص بالسودانيين، لتجهيز الإفطار الجماعى خلال شهر رمضان المبارك، والحمد لله مستمرين عليها ونسأل الله القبول".
وتابع سيد، المواطن النوبى، أنه مع بداية الأزمة السودانية واندلاع الأحداث فى الخرطوم، ونزوح آلاف المواطنين السودانيين إلى أسوان نظرًا لتعطل باقى فرص الهجرة من بلادهم واقتصارها على الطرق البرية مع مصر فقط، فكر الشباب فى موقف كركر الدولى وخاصة أنه أول محطة وصول للمسافرين السودانيين بعد دخولهم المنافذ الحدودية، فى عمل مبادرة لاحتواء النازحين خاصة ممن لا تسمح ظروفهم الاقتصادية بالسفر والتنقل بين مدن جمهورية مصر العربية.
جانب-من-الفاعليات
ودخلت نادية جودة مواطنة من السودان، في الحديث قائلةً: "المصريون جدعان معنا وما قصروا، مشيرة إلى أنها مكثت فى هذا المكان لنحو 14 يومًا مع باقى السودانيين، لافتةً إلى أنها تعمل بالأساس فى التجارة بين البلدين وعندما كانت تأتى ببضاعتها من السودان كانت تحتفظ بها لدى العم سيد لأنه أمين هو وأشقاءه المصريين الذين يسعون لتوفير الطعام ومستلزمات الحياة للنازحين بدون مقابل ومحاولة إغناء الناس عن السؤال فى ظروفهم الحالية".
المصريون يفتحون بيتهم لدعم أشقائهم السودانيين
دائما المواطن المصري يعرف بجدعنته، ويقف بجانب أخيه في وقت الشدة، تجسد هذا خلال استقبال أهالي أسوان أشقائهم السودانيين الفارين من الاقتتال في السودان، ففى ملحمة إنسانية ومبادرات تطوعية، هب المصريون لمساندة ومساعدة أشقائهم السودانيين النازحين من بلادهم بسبب الحرب، وفتحوا بيوتهم وأبواب منازلهم لاستضافة جيرانهم الجنوبيين بعد فرارهم بأنفسهم وعائلاتهم من الأحداث فى السودان واللجوء إلى مصر بلد الأمن والآمان.
هنا لدينا قصة أمين العجمى، شاب عمره 28 سنة بمحافظة أسوان، أسرته خصصت عمارة سكنية كانت خالية من السكان، فقرروا إيواء بعض السودانيين النازحين فيها بالمجان لحين توفيق أوضاعهم المتعثرة وتحديد مصيرهم سواء بالسفر أو الإقامة فى جنوب مصر.
تجهيز-وجبات
ويقول أمين العجمى، إن المنطقة المقيم فيها بأسوان بطبيعتها تحوى تجمعات للأشقاء السودانيين وهذه الأعداد تزداد يوماً بعد يوم خاصة فى ظل الأحداث التى وقعت فى السودان الشقيق ونزوح أعداد بالآلاف إلى أسوان عبر الطرق البرية، وصاحب ذلك نداءات بدأت تنتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى لمساعدة الفارين من جحيم الحرب فى السودان، ومن هنا جاءت الفكرة فى إيواء الأسر السودانية.
ويضيف الشاب الأسوانى، أن الأسر النازحة إلى أسوان تركوا بلادهم وهجروا فجأة دون سابق استعداد ولم يحملوا معهم إلا ذويهم وبعض ملابسهم وأموالهم، ومن هذا المنطلق كثير منهم وصل إلى أسوان ودخل الحدود المصرية من خلال المنافذ البرية بشق الأنفس، وبدأ بعضهم فى التعثر، لذلك جاءت الفكرة بإيواء هؤلاء المتعثرين لحين توفيق أوضاعهم.
ويتابع أن أسرته لديها عمارة سكنية فى منطقة العقاد بمدينة أسوان، فقرروا فتحها أمام هذه الأسر النازحة لإيوائهم بالمجان، بجانب التواصل مع الأصدقاء والمعارف لإيواء مجموعة أخرى من السودانيين وانتشار هذه المبادرات الإنسانية خاصة فى وقت الأزمات لأشقائهم، متمنياً توسع هذه المبادرات لمساندة الأشقاء دون استغلال للأزمة الواقعة عليهم.
الأسر-السودانية
وكذلك فى قرى كركر جنوب مدينة أسوان بنحو 20 كيلومترا، وملاصقة لموقف الأتوبيسات للسفر البرى إلى السودان، لم يقف أهالى هذه القرية مكتوفى الأيدى رغم ضعف الإمكانيات لديهم، وساهموا من خلال المجتمع المدنى وجمعية القرية فى تقديم يد العون لأشقائهم السودانيين.
ويؤكد علاء بحر، أحد القيادات الطبيعية، أن الأهالى فى قرى وادى كركر لم يترددوا لحظة للتفكير فى مساعدة أشقائهم السودانيين خاصة أن هناك علاقات أسرية وأنساب تربط أهل أسوان بأهل السودان، فكان لا بد من استضافة أعداد منهم خاصة أن قرى كركر ملاصقة لأول محطة وصول للنازحين السودانيين فى أطراف مدينة أسوان حيث الموقف الدولى بوادى كركر الذى يضم عشرات الأتوبيسات القادمة من السودان يومياً عبر المنافذ البرية الحدودية.
ويتابع "بحر"، أن بيوت كركر مفتوحة بالمجان لإيواء الأشقاء السودانيين خاصة أصحاب الأسر الكبيرة التى تضم أطفال ونساء وشيوخ، ومحاولة توفير مستلزمات المعيشة داخل المنزل من أسرة وأثاثات وأجهزة منزلية وكهربائية، حتى يتمكن المواطن السودانى من المعيشة بطبيعته وكأنه فى بلده تماماً.
ولدينا أيضا قصة فيلكس اجيلكا، مواطن، نوبى، هكذا يطلق عليه أبناء النوبة فى جزيرة هيسا الواقعة بمدينة أسوان، وهو يمتلك أحد البيوت النوبية التى تخصص لإقامة السائحين خلال زيارتهم للمعالم السياحية والأثرية بأسوان، وتحركت مشاعر الشاب النوبى وقرر أن يطلق مبادرة لاستضافة النازحين السودانيين فى "الكامب النوبى" بالمجان، وخاصة كبار السن والمرضى وذوى الاحتياجات الخاصة منهم، ممن لا يستطيعون مقاومة الظروف الصعبة خلال فترة اللجوء فى مصر.
الأطفال السودانيون يلعبون في شوارع أسوان
وفى شوارع محافظة أسوان، انتشر أطفال دولة السودان فى مختلف الأحياء والميادين، تجدهم يلعبون كرة القدم ويقسمون أنفسهم فريقين أحدهما يضم أصحاب الجنسية السودانية والآخر يضم أصحاب الجنسية المصرية ليتنافس الأطفال من البلدين ويتشاركون اللهو والمرح يومياً فى شوارع المدينة الجنوبية التى استقبلت آلاف السودانيين بعد اندلاع الحرب فى الخرطوم.
أطفال-السودان-يلعبون-فى-شوارع-أسوان
التقينا بعض الأطفال من أبناء السودان وذويهم، الذين عبروا عن سعادتهم باستقبال المصريين لهم واستضافتهم، بجانب ارتياحهم من الوصول لأسوان بعد أيام من المعاناة واطمئنانهم على صغارهم بعد مضى وقت كانت النيران فوق رؤوسهم.
وتحدث أحمد محمود، مواطن سودانى الجنسية، لـ"اليوم السابع" قائلاً: كنت متواجد فى مدينة أسوان وقت اندلاع الحرب فى السودان، ولكن بقيت زوجتى وأطفال فى السودان ونحن أسرة مكونة من 5 أفراد، فكان الخوف عليهم والفزع يملأ القلوب رهبة أن يمسهم مكروه بسبب الضرب والنار المشتعلة بسبب الحرب فى الخرطوم، فكان لابد من التفكير فى الهجرة من السودان فوراً خاصة أن أسرتى بلا عائل هناك، وكنت فى استقبالهم بأسوان بعد وصولهم.
أطفال-السودان-يلعبون-فى-شوارع-أسوان
وتابع المواطن السودانى الحديث، قائلاً: عبرت أسرتى بمفردهم إلى مصر من خلال الطريق البرى "أرقين" ووصلوا بعد 3 أيام من معاناة السفر فى هذه الظروف الصعبة التى تمر على السودان، حتى وصلوا أسوان وهنا بدأ الهدوء يملأ القلوب وترتاح معها النفوس بعد الشعور بالطمأنينة والأمان فى بلدنا الثانى مصر.
ويسكت المواطن السودانى أحمد محمود، عن الحديث قليلاً ويلتفت إلى أطفاله الذين يلعبون فى الشوارع مع أقرانهم المصريين فى نفس السن، ليجدهم يتقاسمون لعب كرة القدم وينادى بعضهم على بعض "العب يا مدثر.. اجرى معه يا نجيب"، وهكذا من عبارات اللهو واللعب بين الأطفال.
موقف-كركر-الدولى
و تابع الحديث محمد عبد الله يماح، مواطن سودانى، يقيم بجوار صديقه السودانى أحمد محمود، فى أسوان عن نزوحهم إلى مصر، قائلاً: "أتمنى من الله فى بداية حديثى أن يحفظ البلاد فى الوقت القريب من هذه الحروب اللعينة"، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية فى السودان أصبحت صعبة جداً لأن الحرب ما تركت شيئا للمواطنين الذين اضطروا للتضحية بكل ما يملكون داخل السودان للنجاة بأنفسهم وأرواحهم ومن معهم، فارين من الحرب التى خربت بيوتهم.
سياسيون مصريون وسودانيون: استضافة القاهرة للأشقاء السودانيين على أعلى مستوى
سياسيون مصريون وسودانيون، كشفوا حجم الجهود التي بذلتها الدولة المصرية لاستقبال الأعداد الكبيرة من السودانيين الفارين من أماكن الاقتتال، حيث يؤكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن استضافة مصر للسودانيين تمت على أعلى مستوى من خلال إدارة الدولة، في مركز إدارة الأزمات الذي تم إعداده على الفور للتعامل مع هذه الأزمة السودانية.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن إدارة الأزمة اتسمت بالحرفية والمهنية الكبيرة، ونجحت مصر في فتح المنافذ البرية التي على الحدود مع السودان، ووضع ضوابط لتشغيلها، ولم تكن هناك مشكلة، وليس فقط للسودانيين ولكن للعالقين من جنسيات، وهذا يؤكد على توجه مصر نحو التعامل مع أي مشكلة، حيث حدث ذلك مع أزمات متعددة.
ويوضح الدكتور طارق فهمي، أن السودان أقرب الدول لمصر وننظر لها الدولة الشقيقة القريبة من مصر، والإجراءات تمت ولا زالت تتم لاستجلاء الرعايا حتى الأجانب، وهناك تنسيق على أعلى مستوى يتم مع دول الجوار، وبالتالي تحرك مصر في هذه الأزمة تحركا مسؤولا، فالأجهزة المعنية قامت بدورها الكبير، والمنافذ أيضا، ونحن أمام واقع يؤكد أن مصر لديها الإمكانيات والقدرات الداخلية في التعامل مع الأزمات خاصة مع دول الجوار الإقليمي وهي دول مهمة أن نتحرك في هذا الإطار.
ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن الإجراءات التي اتخذتها مصر لاستضافة الأشقاء السودانيين تؤكد أن توجهات ومواقف السياسة المصرية مهمة تجاه أشقائها وتجاه دول الجوار تحديدا، خاصة أن مواقف الدولة المصرية مسؤولة تتم في إطار محدد، حيث يأتي هذا في إطار الالتزام المصري بطبيعة العلاقة مع الدول العربية، فهو أمر طبيعي، لأن الدائرة العربية ودول الجوار أهم بالنسبة لنا.
ويتابع أن مصر استحدثت دوائر جديدة في السياسة الخارجية، موضحا أن السياسة المصرية تبني دوائر في مجالات تحركها، مع التركيز على المقاربات في السياسات العربية، ولم تتأخر مصر عن دعم أشقائها، في السودان والملف السوري واليمني، والملفات الأخرى في الإقليم، وهو أمر طبيعي.
من جانبه يقول عبد المنعم الكتيابي، الأمين العام الأسبق لاتحاد الكتاب السودانيين، إن الشعب السوداني يعرف مصر من خلال العلاقات الأزلية ، كما يعرفها من خلال ما كانت تضخه المطابع من إبداعات وأفكار وكتابات الأقلام المصرية، بجانب التأثير الوجداني الذي وصل إلى وجدان معظم السودانيين عبر الفنون موسيقى وسينما ودراما، لذا كان التنقل سهلا بين البلدين كما كان التواصل أكثر يسرا من خلال التساكن هنا وهناك ، متابعا: "في السودان منذ أزمان سحيقة أسر مصرية في أغلب المدن السودانية كما في مصر أيضا أسر سودانية ممتدة مما أضاف وشيجة التصاهر لهذا القرب الحميم".
ويضيف الأمين العام الأسبق لاتحاد الكتاب السودانيين، في تصريحات خاصة أنه لم يكن غريبا أن يتوجه السودانيون إلى مصر في هذه المحنة كما لم يكن غريبا أن يحتفي المجتمع المصري بأخوتهم القادمين إليهم بحثا عن الأمان والمؤازرة المعنوية، وقد كان بالفعل أن شهدنا في هذه الأيام العصيبة بشاشة الاستقبال من خلال العديد من المبادرات الطوعية التي قام بها الأفراد والمنظمات في تسهيل مهمات الدخول إلى مصر آمنين والمساعدة في توفير السكن والاحتياجات الصحية وإيواء المعسرين.
ويتابع عبد المنعم الكتيابى :"هذه هي مصر التي نعرفها منذ الأزل، أم الدنيا، وهذا هو المجتمع المصري الذي درج على استقبال واستيعاب كل من وفد إليه من العالم ، ناهيك عن جاره القريب، ونحن كسودانيين نعجز عن توجيه كلمات الشكر والعرفان لأرض مصر الطيبة شعبا وحكومة، ونأمل أن تتوثق هذه العلاقة أكثر في رحاب السلم القادم بإذن الله ويرعى البلدان مصالح بعضهما البعض فكلاهما امتداد طبيعي لبعضهما البعض في السراء والضراء".
فيما تقول صباح موسى المتخصصة في الشأن السوداني، إن مصر منذ بداية الاشتباكات تستقبل السودانيين، وهي أكبر دولة تستقبل سودانيين عبر حدودها البرية، فصحيح تشاد تستقبل أيضا سودانيين وكذلك جنوب السودان لكن مصر استقبلت أكثر من 60 ألف سوداني حتى الآن، من خلال ميناء أرقين وقسطل، والقنصلية لم تستطيع العمل في الخرطوم، لذلك تم إنشاء مكان لاستخراج الفيزا من وادي حلفا، حتى يتم التحرك إلى الميناء البري".
وتضيف صباح موسى في تصريحات خاصة :" مصر تحاول تدقيق الأمور لأن الأمور الأمنية لابد من التأكد من إعطاء الفيزا بتأني، والسوداني يحصل على الفيزا فوق الـ16 سنة وأقل من 50 سنة، والنساء والأطفال والكبار يدخلون البلاد بدون فيزا، ويتم منح 150 فيزا يوميا في وادي حلفا، والرئيس عبد الفتاح السيسى صرح بضرورة التسهيل على كل السودانيين، لأن مصر إن لم تقف معهم في أزمتهم من سيقف، فمصر تقف مع السودانيين وتحتويهم، فكانت توجيهات الرئيس السيسي في الأيام الأخيرة على تسهيل دخولهم".
وتتابع :" مصر كان بها ما بين من 5 لـ 7 مليون سوداني، ولو تحدثنا عن استقبال 2 مليون سوداني نستطيع أن نستوعبهم لأن الأزمة واحدة، والدولة المصرية تقدر هذه الحالة ، والمصريون المقيمون في السودان والمسجلون في السفارة المصرية بالخرطوم 10 آلاف مصري، ومن الممكن أن يكون قد دخل منهم 8 آلاف مصري حتى الآن ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة