تسلق الجبال والسير عبر الوديان سياحة تحدى صعاب طبيعة كاترين.. مغامرة السير 25 كيلو والصعود 2000 متر فوق سطح البحر للوصول لقمم جبل الطربوش.. الطريق إليها عبر أودية ومسالك صخرية صعبة التضاريس بديعة الجمال.. صور

الأحد، 23 أبريل 2023 11:00 ص

الجمال يرافق رحلات الصعود للجبل يحمل امتعتهم

سانت كاترين ـ محمد حسين

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هنا تمتزج مشاعر الرهبة بمتعة الوصول للقمة وتحدى طول المسافة بالصبر، هى مغامرة الوصول لـ 3 قمم على رأس جبل "الطربوش"، أحد أطول سلاسل جبال كاترين بارتفاع يزيد عن 2000 متر فوق سطح البحر، والإطلالة من فوقها على مشهد غير مكرر يجمع تضاريس الصخور بمسارات أودية عند نهايتها ملامح خليج السويس ومدينتى الطور وكاترين.

قبل تحقيقنا الفوز بالوصول لقمم جبل الطربوش، قطعنا رحلة عبر ممرات جبلية تخطف الأنظار بجمال تكوينها وتفاصيل تنوعها على مسافة ذهاب واياب تقارب 25 كيلو، تستغرق من الزمن 24 ساعة، سيرا على الأقدام من منطقة الشيخ عواد مرورا بتجمع البريقة ثم سلوك مجرى وادى "رفيد"، يتخللها استراحات خفيفة وتخييم فى حضن الوادى.

أبناء قبيلة الجبالية القاطنين مناطق سانت كاترين حراس الأرض وابنائها رافقنا فى الرحلة 3 منهم، تتوزع أدوارهم بنظام وفق أعراف متفق عليها بينهم فى استقبال الزوار ومصاحبتهم فى رحلات تسلق الجبال، وهم الشاب "محمد" منظم الرحلة، والدليل البدوى "سليمان"، والفتى "خالد" الجمال، ومهمته قيادة جمل اسمه دهمان"، يحمل مؤن العابرين عبر مسالك الأودية ودروب تتخلل مجاهل الصخور، وهم فى طريقهم لنيل مجد الوصول للقمة.

أول من يستقبل الصاعدين للجبل من مكونات الطبيعة " وادى رفيد"، الذى عبر مجراه تتحرك الأقدام بحذر حتى لاترتطم بصخرة أو تزل فى منزلق، بينما العيون تحلق بانبهار فى بديع تناسق متعة تضاريس الجبال بألوانها وتراصها بارتفاعات متباينة فى سياج على حافتى الوادى، وتهب نسمات باردة تلطف الأجواء وتنقل روائح زهور أعشاب برية نابته بكثافة منها اشتق اسم الوادى كما ذكر لنا مرافقنا" محمد الجبالى "، لافتا انهم يطلقون مسمى "رفيد " على المكان كثير النبات والذى تجود ارضه بأعشاب يانعه نضره، ومن هنا كان هذا الوادى فى الماضى واجهة أهل الجبال للرعى والإقامة فى شعاب الجبال المحيطة به.

اضاف انهم يطلقون رحلات صعود جبل الطربوش، لمشاهد سحر الطبيعة وجمالها الغير مكرر فى مكان أخر، والبداية تكون من منطقة الشيخ عواد مرورا بودى رفيد، حيث مشاهد إرتفاع الجبال وتعدد ألوانها ونوع صخورها، فضلا عن مشاهدة آثار الحيوانات البرية والطيور وفتحات آبار المياه التى تتدفق من الصخور، والجلوس تحت الأشجار المعمرة، وبعد سير لنحو 8 ساعات يصلون لإستراحة التخييم استعدادا لصعود الجبل، خلالها لايحمل سالك المسار من المؤن غير حقيبة ظهر بها قليل من الماء ومستلزمات ضرورية.

"التخييم" وهو الاستراحة بعد مشقة السير عبر منحنيات الوادى، يبدأها الدليل بالإشارة للمكان وهو متسع بين الصخور تطل من على جوانبه أشجار منوعة مر على بقائها حية فى هذا الفلا عشرات السنين، بينها النخيل وتحت ظلها يتوقف الركب، ويلحق بهم الجمال ينيخ جمله وينزل أحماله وهى خيام محتوى كل واحدة مرتبة وغطاء، وأدوات المعيشة وادوات القهوة والشاى، وأول ما يقوم به انه يشعل النار ويعد الطعام والمشروبات الساخنة على جمرها.

التوقف للتخييم يغرى لإكتشاف مجاهل المكان من كهوف ومسارات صخرية بديعة التكوين، وبعد مغيب الشمس التحليق حول موقد النار، لتناول وجبة طعام، وارتشاف الشاى المطعم بأعشاب يقتطفها الدليل من حوله تضيف للمشروب مذاق مختلف فى حضن الطبيعة ومشاهدة النجوم، والإستماع من ابناء قبيلة الجبالية لحكايات قديمة عن الصحراء والجبال يتوارثونها تبين كم من المعارف الشفهية من كنوز لم تدون تروى على لسان أحفاد أجداد لهم حضروا من بلاد بعيدة لحراسة دير سانت كاترين، وتعايشوا مع الجبال وفيها نسجوا يوميات حياتهم حتى اصبحت بالنسبة لهم معلوم موضع كل صخرة.

يقطع سرد الحكايات فرضية الخلود للنوم داخل الخيمة، الذى سرعان ما ينتهى وقته الثالثة فجرا لتبدأ رحلة الصعود للجبل، إنطلاقا من مكان التخييم، وبعد السير لمسافة فى مجرى الوادى ثم الارتفاع تدريجيا عبر دروب، يقول عنها الدليل " سليمان الجبالى" انهم يحددونها بـ"الرجوم" وهى كومة صخور تعد علامة ارشادية ومنها لأخرى مراحل الصعود للجبل، ويراعى الدليل وهو ينبه لطبيعة المسار الممازحة مقللا من آثار التعب، بقوله بلهجته البدوية التى يحتفظ بها " خلاص هانت قربنا نوصل"، ويخطف الأنظار بين الحين والأخر من بعيد مشهد "وعل" ينسل بين الصخور مبتعدا عن حركة العابرين وهو يصدر اصواتا تنبه بقية قطيعة لما قد يعتقد انه خطر عليهم قادم.

يشير الدليل "سليمان" إلى انه فى رحلة الصعود يتم "طى الجبل" أى السير حوله بشكل دائرى تصاعدى بالارتفاع تدريجيا، لمسافة تقدر بنحو 5 كيلومترات تقطع فى نحو 6 ساعات، لتشرق الشمس مع بداية الوصول لأول قمة، ومنها يتمكن من يصل لأول قمة مشاهدة امتداد سلاسل جبال كاترين وملامح جبل حويط، والقرية النبطية، ووادى سلاف وهو المشهد الذى يتكرر من فوق ثانى القمم ولكن من ارتفاع أعلى، ومنها تبدأ رحلة الصعود لثالث القمم وأعلاها لمشاهدة من الغرب خليج قناة السويس ومدينة الطور، ومسار وادى حبران الذى يربط الطور بسانت كاترين ومن الشرق مسار وادى رفيد وقمة جبل كاترين.

على أعلى القمة تبدو ملامح سيناء بقداستها وهيبة جبالها ماثلة فى لوحة إبداعها متكامل الأركان تبهر من يشاهدها، وتشعره انه بعد مجهود نال جائزة عناء الصعود، وفى صندوق خشبى تركه رحالة يترك كل زائر رسالته متضمنة ذكرياته، التقليب فى هذه الرسائل يكشف حال كل من وصل وهو يعبر عن مشاعره وما بداخله.

أعلى قمة جبل الطربوش، وصلها "جون ايميل" و"عبدالله الحكيم" وهما شابان من القاهرة يدرسان فى طب القصر العينى فى رحلة ضمن رحلات أكتشاف مجاهل كاترين ويصفان المشهد الذى حولهم أن ان روعته فاقت التوقعات والوصف، ويشير"جون" انه لأول مرة فى حياته يصعد جبل، بينما يقول "عبدالله" انها المرة الثانية وبتشجيع من والده، وكليهما يجمعان أن تجربة صعود الجبل مغرية أن تتكرر، وأنهما فى مرات قادمة سيصحبهم أصدقاء لهما، وأشار الشابان، أن سحر جبال سيناء له خصوصية يجب أن لا يحرم منها أى مصرى.