وصلت القوات الإنجليزية، يصحبها بعض سفن المدفعية التركية ونحو ستمائة جندى من الأتراك إلى الإسكندرية مساء أول مارس 1801، وفى صباح اليوم التالى ألقت مراسيها فى خليج «أبوقير»، وعلى ظهرها الجيش الإنجليزى وعددها 17 ألف وخمسمائة مقاتل، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
جاءت هذه الحملة الإنجليزية لمحاربة الفرنسيين الذين كانوا يحتلون مصر منذ 1798، ولم يكن ذلك من أجل أن تنال مصر استقلالها، وفقا للرافعى، مؤكدا: «سياسة إنجلترا حيال مصر تقتضى ألا ترى لدولة قوية سواها نفوذا فى وادى النيل، ولا تدع مصر نفسها تنهض وتصبح دولة قوية مهيبة الجانب محفوظة الكيان، وكانت الحكومة الإنجليزية تحرض تركيا على محاربة فرنسا وإجلائها عن مصر، وكانت ترمى لا إلى جلاء الفرنسيين عنها فحسب، بل أخذت تنتهز الفرص لاحتلالها وتثبيت قدمها فيها».
كان الجنرال «منو» هو الذى خلف «نابليون بونابرت» ثم «كليبر» فى قيادة قوات الاحتلال الفرنسى، ويصف الدكتور محمد فؤاد شكرى وضعه وشخصه، قائلا فى كتابه «الحملة الفرنسية وخروج الفرنسيين من مصر»: «حين قتل كليبر وتولى منو صار يتنازع الجيش عاملان ظاهران، هما عامل الحزن على وفاة كليبر، وعامل الدهشة المقرونة بالجزع بسبب انتقال قيادة جيش الشرق إلى الجنرال منو، ذلك أن الجيش، أو إن شئت فعلى الأقل قواده وضباطه، كانوا لا يثقون فى قيادة منو، الذى وصفه جماعة منهم بأنه «رجل البلاط القديم» الذى يجهل فنون الحرب والقتال جهلا تاما، بينما قال عنه آخرون: إنه كضابط تنقصه الكفاءة، ويهزأ الجميع ويسخرون منه».
ساد الاضطراب بين الفرنسيين عندما علموا بقدوم الحملة الإنجليزية التركية، وفقا لتأكيد «الرافعى»، مضيفا: «أخذ منو يتوعد كل من يذيع أخبارها بين الأهالى، فأصدر منشورا يوم 25 فبراير 1801 يطمئن فيه المصريين، ويحذرهم من تصديق الأخبار الكاذبة، وأنذر كل من يثبت عليه إذاعة هذه الأخبار بالقتل»، ويذكر «فؤاد شكرى»، أنه حين وصلت أخبار نزول الإنجليز فى «أبوقير»، طلب القائد الفرنسى فى الإسكندرية «فريان» النجدة من القاهرة، فى وقت كان «منو» مشغولا بخلافاته مع كبار قواده.
بدأت القوات الإنجليزية فى النزول إلى شاطئ أبوقير يوم 8 مارس، ويذكر الرافعى، أنه انحدر منهم ستة آلاف جندى، فاشتبكوا فى قتال شديد مع قوات الجنرال «فريان»، وأطلقت المدافع الفرنسية نيرانها على الإنجليز الذين خسروا كثيرا من القتلى فى المراكب وأثناء نزولهم إلى البر، ودار قتال عنيف على الشاطئ انتهى بهزيمة الفرنسيين، وتراجع الجنرال فريان وجنوده فى المندرة، أما الإنجليز فأنزلوا بقية جنودهم إلى البر، ودخلت قواربهم المسلحة إلى بحيرة أبوقير لتعرقل تقهقر الفرنسيين، وفى يوم 12 مارس 1801 قصدوا المندرة، وانسحب الفرنسيون منه، وواصلوا تقهقرهم حتى أطلال قصر القياصرة وتحصنوا به.
يذكر «الرافعى» أن الإنجليز واصلوا تقدمهم إلى أن اقتربوا من مواقع الفرنسيين، فدارت معركة شديدة بين الفريقين فى 13 مارس، مثل هذا اليوم، 1801.. يضيف: لما التقى الجمعان هجم الإنجليز على مواقع الفرنسيين، فأصلتهم المدافع الفرنسية نارا حامية أوقعت فى صفوفهم خسائر فادحة، لكن حسن تنظيم الإنجليز وكثرة عددها أنهى المعركة بهزيمة الفرنسيين وتراجعهم إلى أسوار الإسكندرية واحتلال الإنجليز قصر القياصرة، وكان عدد الجيش الإنجليزى نحو 14 ألف مقاتل، بينما الجيش الفرنسى نحو 5 آلاف، وتكبد الإنجليز خسائر فادحة، فبلغ عدد قتلاهم وجرحاهم نحو 1300 قتيل وجريح، وخسر الفرنسيون نحو سبعمائة بين قتيل وجريح».
يسمى «الرافعى» هذه المعركة «معركة سيدى جابر»، ويعيد ذلك إلى «أنها وقعت على مقربة من المسجد المعروف باسم سيدى جابر وهو اسم مشهور وموقعه معروف، وكان المسجد قائما فى زمن المعركة، فتسميتها باسمه تقرب إلى الذهن حقيقة موقعها»..يوضح: «أما الإنجليز فيسمونها «معركة 13 مارس سنة 1801»، والفرنسيون يسمونها «معركة نيكوبوليس» ومعناها «مدينة مصر»، وتقع فى الجهة المعروفة باسم «بولكلى» وما حولها».
يذكر «فؤاد شكرى» أثر انتصار الإنجليز فى هذه المعركة، قائلا: «أقبل العربان يمدون الجيش بالمؤن والأغذية، فقد سرهم ولا شك انهزام الفرنسيين الذى كانوا يعنفون فى معاملتهم، وكان العربان يعرفون المستر جورج بلدوين، القنصل الإنجليزى القديم الذى نزل بينهم لتنظيم حركة البيع والشراء بينهم وبين الحملة، وأفلح بالاتفاق معهم على إقامة «سوق» بالقرب من بحيرة المعدية «أبى قير» تحت إشرافه لتقديم المواشى والخيول والجمال وما إلى ذلك إلى الجيوش الإنجليزية، وفضلا عن ذلك فقد تسببت هذه المعركة فى سقوط قلعة أبو قير فى أيدى الإنجليز يوم 18 مارس 1801.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة