وقف الرئيس السورى شكرى القوتلى أمام مجلس النواب السورى، يوم 5 فبراير 1958، يلقى خطابه معلنا فيه المبادئ والأسس التى تقوم عليها دولة الوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة».
قال «القوتلى»: «إن هذه هى المبادئ التى تلوتها عليكم، وما هى فى الواقع إلا من وحى شعوركم وضميركم، ومن صميم إرادة هذا الشعب الأبى المناضل الذى انتخبكم واتمنكم»، حسبما يذكر «عونى فرسخ» فى كتابه «إشكاليات الوحدة - الجمهورية العربية المتحدة من الفكرة إلى الدولة».
أضاف «القوتلى» فى ختام كلمته، أنه وجه إلى رئيس مجلس الأمة المصرى، عبداللطيف البغدادى، رسالة صباح اليوم «5 فبراير»، وهو يعتبرها موجهة أيضا لمجلس النواب السورى، ولكل مواطن فى «الجمهورية العربية المتحدة» بصفته المواطن العربى الأول فى الدولة الجديدة، تضمنت ترشيحه للرئيس جمال عبدالناصر لرئاسة الدولة فى استفتاء يجرى يوم الجمعة 21 فبراير 1958، وأكد «القوتلى»: «ذلك الترشيح يتم شعورا منى بالواجب تجاه أمتى وبلادى، وثقة منى بالإخلاص للرجل العربى المؤمن الذى تعقد عليه أكبر الآمال، وتقديرا لما يتمتع به من صفات للنزاهة والجرأة والإقدام، وعلى رأسها تفانيه فى خدمة أمته وقوميته العربية».
فى نفس اليوم، عقد مجلس الأمة المصرى، برئاسة عبداللطيف البغدادى، آخر جلساته كمجلس يعبر عن مصر فقط، وافتتح «البغدادى» الجلسة بكلمة قصيرة، ثم ألقى عبدالناصر خطابا حدد فيه- حسب فرسخ- مواصفات الدولة الجديدة قائلا: «لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق. إن دولة جديدة تنبعث فى قلبه، لقد قامت دولة كبرى فى هذا الشرق، ليست دخيلة فيه، ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوى ولا تضعف، وتحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها ولمن حولها، للبشر جميعا، بقدر ما تتحمل وتطبق».
بعد أن انتهى «القوتلى» من كلمته، وافق مجلس النواب السورى بإجماع الحاضرين على البيان، وجاء فيه: «إن مجلس النواب يرى فى ترشيح سيادة الرئيس جمال عبدالناصر لرئاسة الجمهورية العربية المتحدة، الضمانة الأكيدة للسير بالدولة العربية الفتية نحو تحقيق أهداف القومية العربية، وتوطيد العدالة والخير والسلام للعرب والإنسانية».
أما فى مصر، وبعد أن انتهى عبدالناصر منه كلمته أمام مجلس الأمة المصرى، أيد المجلس بالإجماع ترشيحه كأول رئيس للجمهورية العربية المتحدة فى استفتاء يوم 21 فبراير 1958 على مبادئ الدستور المؤقت.
هكذا كانت العجلة تدور فى البلدين متزامنة، وتم إجراء الاستفتاء، وإعلان النتيجة يوم 22 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1958، وحسبما يأتى فى المجلد الأول من «يوميات وثائق الوحدة المصرية السورية 1958- 1861»: «جرى الاستفتاء فى إقليمى الجمهورية العربية المتحدة، الإقليم الجنوبى «مصر»، والإقليم الشمالى «سوريا»، والنتائج فى مصر: عدد الناخبين الذين تمت دعوتهم إلى الاستفتاء 6 ملايين و220 ألفا و343 ناخبا، شارك منهم 6 ملايين و14 ألفا و59 ناخبا بواقع 13 .98%، وكانت هناك 1884 ورقة باطلة، وبلغت نسبة الموافقين 99.99% من الحضور.
وفى سوريا «الإقليم الشمالى»، بلغ عدد الناخبين الذين دعوا إلى الاستفتاء مليونا و431 ألفا و157 ناخبا، شارك منهم مليون و213 ألفا و70 صوتا بواقع 91.75 % وكانت هناك 72 ورقة باطلة، وبلغت نسبة الموافقين 99.98 % من الحضور، وبإعلان نتائج الاستفتاء فى الإقليمين بدأت الحياة العملية للجمهورية العربية المتحدة، وألقى جمال عبدالناصر خطابا بالمناسبة، اعتبر فيها ميلاد الجمهورية العربية المتحدة ردا على التجزئة وإقامة إسرائيل، وبداية التخلص من السيطرة ونهاية الضعف، وأنه لا فراغ فى الشرق الأوسط ولا مناطق نفوذه.
يذكر عبدالمحسن أبوالنور، الملحق العسكرى لمصر فى سوريا وقتئذ، فى مذكراته «الحقيقة عن ثورة يوليو»، أنه فى 21 فبراير 1958 آخر يوم يكون فيه الرئيس شكرى القوتلى رئيسا للجمهورية، فوجئت باستدعائى لمقابلته فى القصر الجمهورى بدمشق، حيث قام بحضور رئيس الوزراء السورى صبرى العسلى، واللواء عفيف البذرى رئيس أركان الجيش السورى بتقليدى وسام الاستحقاق السورى من الدرجة الممتازة، وهو أرفع الأوسمة، قائلا: إنه فى آخر يوم له كرئيس الجمهورية السورية، وتقديرا لما بذلته من جهود كبيرة من تقارب بين مصر وسوريا حتى توجت بينهما بأول وحدة عربية فى التاريخ الحديث، فإنه يقلدنى هذا الوسام، وبعدها تقدم اللواء عفيف بتقليدى وسام الشرف العسكرى من رتبة اللواء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة