أرسلت الطالبة نجلاء هدايت حلمى رسالتها الحزينة من القاهرة إلى الرئيس الأمريكى نيكسون على عنوانه بالبيت الأبيض فى واشنطن.. كانت نجلاء ابنة الرابعة عشر، وكان نيكسون رئيسا جديدا منذ يناير 1969 بعد فوزه فى انتخابات 1968، وفاجأ نجلاء برده على رسالتها، وسلم «دونالد بيرجيس» المشرف على مصالح الرعايا الأمريكيين فى مصر الرد إلى والدتها فى 19 فبراير، مثل هذا اليوم، 1969، حسبما تذكر الأهرام فى تغطيتها الموسعة للموضوع يوم 20 فبراير 1969.
بدت رسالة نجلاء باكية فى كل كلماتها، وحزنها فاجعا هى وأختيها، نيفين، وشيرين، ووالدتهن لحرمانهن من الأب العقيد طيار «هدايت حلمى» لاستشهاده فى حرب يونيو 1967، وكان ذلك هو موضوع رسالتها إلى الرئيس الأمريكى، وتكشف الأهرام أسرار هذه القصة التى بدأت مقدماتها فى عام 1965 أثناء زيارة نيكسون إلى القاهرة، ووفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «عبدالناصر والعالم»: «كان نيكسون وقتها خارج الحكم، وعومل بكل مراسم التشريف والتكريم المخصصة لنواب رؤساء الجمهوريات، وزار السد العالى، وعندما قابل الرئيس جمال عبدالناصر بعد ذلك قال له: لقد رأيت السوفيت يعملون جنبا إلى جنب معكم فوق موقع السد العالى ولولا «دالاس، وزير الخارجية الأمريكية» لكان هنا أمريكيون بدلا من السوفيت».
كان العقيد طيار «هدايت حلمى» قائدا للطائرة التى أقلت «نيكسون» من القاهرة لزيارة السد العالى، ووفقا لكلام نجلاء للأهرام وهى تبكى، فإنه بعد استشهاد والدها فى يونيو 1967، وجدت بين أوراقه صورتين له مع نيكسون، إحداها وهو يضع يده على كتفه، والثانية يضحك معه فى مرح، وتتذكر أنه قال لها بعد عودته من هذه الرحلة بأنه تعرف على نائب الرئيس الأمريكى السابق «كان نائبا لإيزنهاور من 1952 إلى 1960»، وأمضى معه يوما سعيدا، وضحكا كثيرا، وغنى له أغانى سودانية ومصرية وإيطالية، وروى له نكاتا مصرية، وكان نيكسون يناديه طوال اليوم ضاحكا: يامستر h.h، وفى نهاية اليوم قال: يامستر h.h إذا صرت يوما رئيسا لبلادى فسوف تكون ضيفى فى البيت الأبيض.
تذكر نجلاء أنها طالبة بالسنة الثالثة الإعدادية بمدرسة الليسيه، وتتحدث الإنجليزية والفرنسية، وبكت بعد أن أمسكت الصورتين لأن نيكسون أصبح رئيسا، أما والدها فمات فى الحرب مع إسرائيل بسلاح أمريكا، وهنا قررت أن تكتب رسالتها، وقالت فيها: «لعل تذكر أبى الطيار هدايت حلمى الذى استشهد فى حرب يونيو بالأسلحة التى قدمتها أمريكا إلى إسرائيل.. هدايت حلمى الطيار الذى رافقك إلى أسوان، هو الذى أبيت إلا أن تؤخذ صورة وأنت تضع ذراعك على كتفه، وهو الذى نقل إليك مشاعر المصريين جميعا عندما كنت بعيدا عن الرياسة.. هو الذى قلت له: إذا أصبحت رئيسا للولايات المتحدة يوما فسوف أدعوك لزيارتى فى البيت الأبيض، وكانت مسز نيكسون معكما يومها ولعل استمعت إلى ذلك الحديث.
هل تعرف أين هو الآن؟ إننى لا أحملك مسؤولية استشهاده بقدر ما أحمل الرئيس الذى ذهب مستر جونسون، وأنا لا أطالبك بالوفاء بوعدك فأصبح من المستحيل أن تدعوه، ومن المستحيل أن يلبى دعوتك، كل ما أطلبه منك هو ألا تساعد على قتل مزيد من العرب بالأسلحة الأمريكية التى زودتها إلى إسرائيل، ولا شىء أكثر من ذلك».
رد نيكسون برسالة بتاريخ 6 فبراير 1969، ونصها: «العزيزة نجلاء..قرأت الآن فقط ما نشرته الصحف عن وفاة والدك وعن رسالتك إلى، وأريدك أن تعرفى أنى أكن لوالدك إعجابا واحتراما عميقين، فقد كان طيارا ورجلا يتمتع بحرارة وحيوية بارزتين، لقد استمتعت كثيرا بالوقت الذى قضيته معه فى عام 1965 ولن أنساه أبدا، ومن الأهمية البالغة لكل واحد منا أن يذكر فى كل ساعة من كل يوم ماذا يعنى السلام حقيقة لكل شخص فى العالم، ويجب علينا جميعا ألا ندخر أى جهد فى السعى إلى السلام بين الأمم، وإذا استطعنا أن نحقق هذا السلام فلن نفقد رجالا ممتازين مثل والدك فى معارك مقبلة، بل ونستطيع أن نساهم فى سعادة الأسر ورخاء الأمم، ولقد قلت مرة لوالدك إننى أريده أن يزورنى إذا جاء إلى الولايات المتحدة، وأنا أقدم نفس الدعوة لك، وتود مسز نيكسون، كما أود أن نسعد للترحيب بك فى البيت الأبيض، وتشاركنى مسز نيكسون والأسرة فى التعبير عن أحر الأمانى لك».
لم تتضمن دعوة نيكسون لنجلاء ثمن التذكرة لأنه يدعوها إلى البيت الأبيض «إذا جاءت واشنطن»، فقررت الأهرام أن تتحمل نفقات السفر «فى سبيل أن تحمل فتاة مصرية بنفسها مأساتها إلى البيت الأبيض، ويكون صوتها مسموعا مباشرة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة