سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 ديسمبر 1955.. مبعوث سرى للرئيس الأمريكى أيزنهاور يعرض على عبدالناصر «مقايضة السلام مع إسرائيل بتمويل السد العالى»

السبت، 09 ديسمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 ديسمبر 1955.. مبعوث سرى للرئيس الأمريكى أيزنهاور يعرض على عبدالناصر «مقايضة السلام مع إسرائيل بتمويل السد العالى»

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعث الرئيس الأمريكى، أيزنهاور، برسالة إلى جمال عبدالناصر، يبدى فيها رغبته بأن يرسل صديقه وزير الخزانة، أندرسون، للقائه فى مصر، وفى حالة موافقة عبدالناصر، فإنه يقترح أن تظل الاتصالات سرية، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»، الذى يكشف أسرار هذه الخطوة، مؤكدا: أراد «أيزنهاور» عمل مقايضة هى «شراء السلام فى الشرق الأوسط بالسد العالى فى أسوان».
 
 يكشف «هيكل» أسرار هذه المقايضة ومصيرها، مشيرا إلى أن مصر كانت وقتئذ تعيش حدثين بارزين، الأول هو توقيع عبدالناصر صفقة الأسلحة المصرية السوفيتية فى 27 سبتمبر 1955، التى كسرت احتكار الغرب للسلاح فى المنطقة، وأثارت غضبا أمريكيا هائلا، لأنها استقدمت الصديق الروسى إلى المنطقة، وكان الحدث الثانى هو قرار بناء السد العالى.
 
وحسب هيكل، فإن «أيزنهاور» أراد أن يستثمر الأوضاع لفرض خطة للسلام فى الشرق الأوسط، فبعث لعبدالناصر برسالة يقول له: إنه الآن وقد تغلبت الولايات المتحدة على صدمة صفقة الأسلحة المصرية السوفيتية، وتجاوزت ذلك، وبدأت صفحة بإعلانها عن استعداد أمريكا للمساهمة فى بناء السد العالى، وفى إقناع البنك الدولى والحكومة البريطانية بالمشاركة فى التمويل، فإنه يظن أن الوقت أصبح مناسبا لكى تضع الولايات المتحدة علاقاتهما معا على أساس سليم، ثابت ودائم، وقرر أن يبعث صديقه المستر«أندرسون» ليتباحث معه لتحقيق هذا الغرض، وإذا وافق جمال عبدالناصر على استقبال «أندرسون»، فإنه يقترح أن تظل الاتصالات سرية حتى يتم التوصل إلى نتائج عملية تعلن بعد ذلك.
 
يذكر «هيكل» أن «إندرسون» وصل لمصر يوم 8 ديسمبر 1955، ونزل إمعانا فى تغطية مهمته بشقة الوزير المفوض الأمريكى بالسفارة فى شارع «الكامل محمد» بالزمالك، وفى 9 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1955، اجتمع مع عبدالناصر بقصر الطاهرة وقدم التحية له، ونقل تحيات رئيسه «أيزنهاور» ثم أخرج من جيبه صورا لبرقيات أذاعتها وكالات الأنباء فى اليوم نفسه، وقالت البرقية الأولى: إن الرئيس «أيزنهاور» دعا كبار مستشاريه لدراسة تمويل السد العالى، وسوف يتقدم إلى الكونجرس بطلب الاعتمادات المالية اللازمة، وفى البرقية الثانية: بعث الرئيس «أيزنهاور» للكونجرس اقتراحا بدراسة إمكانية تقديم قرض بمبلغ مائتى مليون دولار يقسط على عدد من السنين لتمويل مشروع السد العالى.
 
أبدى عبدالناصر شكره وتقديره، متمنيا أن تتحقق هذه الأخبار فعلا، فرد «أندرسون» بأن الرئيس مصمم، ثم أضاف أنه يعرفه من زمن طويل، وأنهما صديقان حميمان، وأن «يك»، اسم التدليل لداويت أيزنهاور، رجل يعرف كيف يصل إلى ما يريد، رد عبدالناصر بأنه يعرف تاريخ «أيزنهاور» فى الحرب، وتابعه فى السلام بعد أن تولى الرئاسة، وهو يشعر من بعيد أن الرئيس الأمريكى رجل عاقل، ويريد السلام لأنه جرب بنفسه مأساة الحرب.
 
يذكر هيكل، أن «أندرسون» انتهز الفرصة ليطرح قضيته الرئيسية فى سؤال عن إمكانية تحقيق الصلح بين مصر وإسرائيل، فاندهش عبدالناصر من الربط بين تمويل السد العالى والصلح مع إسرائيل، وبهذه الطريقة الفجة، ولخص رده فى نقطتين بعد أن سيطر على مشاعره، الأولى: إن إسرائيل ليست قضية مصرية، وإنما قضية تهم العالم العربى بأسره، ويصعب على مصر أن تنفرد فيها برأى، والثانية: إنه إذا جاز له أن يتحدث عن مصر، فإنه يستطيع أن يكرر له نفس الموقف الذى قبله مع «أصدقائنا» فى بإندونج «مؤتمر عدم الانحياز» وهو أن مصر مستعدة أن تقبل قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة 1947، وأن قرار التقسيم الذى يقبله هو تقرير الكونت «برنادوت» وسيط الأمم المتحدة، الذى اغتاله الإسرائيليون عام 1948، وهذا بدوره يعنى أن تكون منطقة النقب داخلة فى حدود الدولة الفلسطينية حتى يتحقق الاتصال الجغرافى بريا بين مصر وبقية العالم العربى فى المشرق.
 
أحس «عبدالناصر» أن «أندرسون» لم يفهم قصده، فطلب خريطة للعالم العربى وأوضح عليها أن إسرائيل بضمها لمنطقة النقب، قطعت الاتصال الجغرافى البرى تماما بين مشرق العالم العربى ومغربه، وعلق «أندرسون» بأنه فهم ذلك وبأنه عادل تماما، ثم تحدث عن سبل المساعدات الأمريكية التى يمكن أن تنزل على مصر، إذا ساعدت على تسوية الصراع العربى الإسرائيلى، ثم قال: إن الرئيس الأمريكى رجل متدين، وحلمه هو أن يدخل التاريخ ليس بوصفه قائدا لقوات الحلفاء ضد هتلر «الحرب العالمية الثانية»، وإنما بوصفه صانع السلام فى الأرض المقدسة.
 
بدا «أندرسون» أنه تذكر شيئا فجأة، فأخرج دولارا أمريكيا من جيبه، عليه توقيعه بوصفه وزيرا للخزانة، وقال لـ«عبدالناصر»: «هل ترى توقيعى على هذا الدولار؟ إننى سأعطيه لك وسأوقع عليه توقيعا إضافيا بخطى أمامك رمزا وتذكارا»، واستكمل بأنه سيتوجه إلى إسرائيل لمقابلة «بن جوريون» رئيس حكومتها.. فكيف كان رد عبدالناصر، وماذا جرى بعد ذلك؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة