نشرت وزارة الأوقاف نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان "الإيجابية"، وجاء نص الخطبة كالآتى: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
فإن الإيجابية عطاء وجهد وعمل، وشعور بالمسئولية تجاه الدين والوطن والمجتمع، ولقد تميزت حياة نبينا (صلى الله عليه وسلم) بالإيجابية في كل مراحلها، فقد شهد (صلى الله عليه وسلم) حلف الفضول الذي تداعت إليه قبائل قريش قبل الإسلام، وتعاهدوا بموجبه ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو من غير أهلها إلا نصروه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ).
كما شارك نبينا (صلى الله عليه وسلم) في تجديد بناء الكعبة بحمل الحجارة على كتفيه، وقضى على بوادر خلاف عظيم كاد يحدث بين بطون قريش آنذاك حينما تنازعوا فيما بينهم؛ رغبة في أن ينال كل منهم شرف وضع الحجر الأسود مكانه، فنزلوا على رأي رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، حيث شاركت القبائل كلها في وضع الحجر في مكانه.
ومن مظاهر الإيجابية مشاركته (صلى الله عليه وسلم) في حفر الخندق، ويوم أن سمع أهل المدينة جلبة صوت شديدة وخرجوا لاستطلاع ومعرفة الأمر وانطلقوا قِبَلَ الصوت استقبلهم النبيُّ (صلى الله عليه وسلم)، وهو يقول: (لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يشاركهم في سائر الأعمال والتكاليف، وهو الذي علمنا المشاركة حتى لمن يخدمنا، حيث يقول (صلى اللّه عليه وسلم): (إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ).
ولقد حث النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أمته على الإيجابية وحذّرها من السلبية، حيث يقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (لا يكُنْ أحَدُكُمْ إِمّعَة، يقول: أنا مع الناس، إِن أحْسَنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساءوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساءوا أن لا تظلِمُوا)، بل كان (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يدعو الإنسان إلى أن يكون إيجابيًّا، ولو في آخر لحظات الدنيا، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا).
ومما لا شك فيه أن من مظاهر الإيجابية المشاركة الجادة في كل ما يخدم المجتمع ويؤدي إلى بناء الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره وتقدمه، سواء أكان ذلك بالدفاع عنه، أم بالعمل والإجادة والإتقان، أم بالتكافل والتراحم بين أبناء الوطن الواحد، أم بالمشاركة الإيجابية الجادة في كل قضايا الوطن، مع التحلي بأقصى درجات الأمانة في تقديم كل ما من شأنه رفعة الوطن، وفق ما يمليه الضمير الوطني الحر على كل وطني شريف ، ولله در القائل:
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ *** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِـقُّ.
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات الدستورية وفي العمق منها الانتخابات الرئاسية من صميم الواجب الوطني، وأن الإدلاء بالصوت أمانة ينبغي أن يؤديها كل وطني، وأن يدلي بصوته لمن يستحق ممن يراه قادرًا على تحقيق مصالح البلاد والعباد، وعلينا أن نُري العالم كله مدى وعينا الوطني وقدرتنا على الممارسة الديمقراطية في أعلى درجاتها، وبما يكشف عن عمق تاريخ وحضارة هذا الشعب العظيم، وحرصه على مواصلة مسيرة البناء والتعمير لوطننا العزيز.
فعلى كل منَّا أن يدرك أن صوته مؤثر في مصير وطنه من جهة وصورته الحضارية من جهة أخرى، وأن صوته أمانة، وأن واجبه أن يعطيه لمن يراه أهلًا لتحمل الأمانة بكفاءة واقتدار.
اللهمَّ احفظ مصرنا وارفع رايتها في العالمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة