دخلت الدولة العثمانية الحرب ضد الحلفاء عام 1914 الحرب العالمية الأولى، فرأت إنجلترا حتمية تغيير الوضع الراهن فى مصر، وكان عليها أن تسلك أحد أربعة طرق لتغيير تلك الحالة، فإما أن تضمها إليها، وإما أن تدمجها فى إمبراطوريتها مع إعطائها حكما ذاتيا، وإما أن تستكمل السيطرة عليها بأن تحل محل الدولة العثمانية، وذلك بإعلان الحماية عليها، وإما أن تعطيها الاستقلال التام مع عقد معاهدة تصبح بها مصر دولة حليفة لإنجلترا، حسبما تذكر الدكتورة لطفية سلم فى كتابها «مصر فى الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918».
تضيف لطيفة سالم، أن إنجلترا خافت من فكرة الضم أسباب من بينها «أن يثور المسلمون، فكيف يمكن أن يرفرف علم الإنجليز فوق أرض مصر، فإن ذلك لن يرضى علماء الدين ولا الشعب المصرى، هذا بالإضافة إلى أن الضم يحتاج إلى أعداد كبيرة من الإنجليز تضاف للوظائف، وإلى حامية أكبر تكون تحت الأمر، لأن مصر لن تكون هادئة أبدا لو أعلن ضمها، وأصبحت تابعة مباشرة للتاج البريطانى لا الخلافة الإسلامية، من أجل ذلك فضل رجال الإنجليز فى مصر إعلان الحماية عليها بحيث تصبح مصر من اختصاص وزارة الخارجية، ورأوا أن الحماية تعد خطوة فى سبيل الحكم الذاتى كتمهيد لتعاون المصريين مع إنجلترا».
يذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى «حوليات مصر السياسية - التمهيد» ، أنه فى صبيحة 18 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1914، نشرت الجريدة الرسمية والجرائد السيارة، وعلق على الجدران فى الأماكن الظاهرة للعيان فى جميع بلدات القطر وعواصم مديرياته «إعلان الحماية البريطانية على مصر»، ونصه: «يعلن ناظر الخارجية لدى حكومة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التى سببها عمل تركيا، قد وضعت بلاد مصر تحت حماية جلالته، وأصبحت من الآن فصاعدا من المشمولة بالحماية البريطانية، وبذلك قد زالت سيادة تركيا عن مصر، وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وحماية أهلها ومصالحها».
اللافت أن حسين رشدى باشا رئيس مجلس النظار، والقائم مقام الخديو عباس حلمى الثانى الذى كان خارج مصر، علق على هذا الإعلان بقوله: «إن المنافع التى عادت على البلاد فى حسن الإدارة البريطانية لا تحصى ولا تعد، وكل مصرى تهمه مصلحة بلاده وارتقاؤها يسلم بهذا، ويرجو أن تدوم الرابطة بين الأمتين إلى ما شاء الله، وما دام قنال السويس حلقة الاتصال بين أجزاء الامبراطوية البريطانية، وطرقا لازما للإنجليز فمن الطبيعى أن ترتبط بريطانيا العظمى ومصر بأشد روابط الصداقة والوداد، وزد على ذلك أننا أمة ضعيفة تحتاج إلى صديق قوى يصون أملاكنا من كل اعتداء ويكون على جانب من الارتقاء والحرية، حتى يتيسر لنا أن نسير بإرشاده فى معارج الحرية»، لكن عبدالرحمن الرافعى، يعلق على هذه الخطوة قائلا فى كتابه «ثورة 1919»: «بهذا الإعلان حلت الحماية المقنعة التى فرضتها إنجلترا على مصر من سنة 1882، ومن السهل أن ندرك ما فى هذا الإعلان من البغى والعدوان».
وإذا كان «رئيس النظار» يرى كل هذا الإيجابيات فى «إعلان الحماية»، فماذا كان وضع حاكم البلاد وهو الخديو «عباس الثانى»؟، ويجيب هو عن ذلك فى مذكراته «عهدى»، موضحا أنه كان فى تركيا، وبينما يستعد للعودة يوم 3 أغسطس 1914، وجعل يخته «المحروسة» على أهبة الاستعداد للعودة لكن السفير الإنجليزى فى تركيا، أبلغه بأن الحكومة الإنجليزية تطلب منه عدم العودة وعليه أن يذهب إلى إيطاليا للإقامة فيها طوال فترة الحرب، وستكون هناك فيلا تحت تصرفه.
كان قرار إنجلترا بعدم عودة عباس الثانى بمثابة إعادة ترتيب البيت المصرى للمرحلة المقبلة بما ستشمله من إعلان الحماية، وخلع الخديو يوم 19 ديسمبر 1914، أى فى اليوم التالى لإعلان الحماية، وقالت الحكومة البريطانية فى مبررات الخلع: «حكومة جلالته لديها الدلائل الواضحة بأنه منذ نشوب الحرب مع ألمانيا، كان صاحب السمو عباس حلمى باشا، خديو مصر السابق، قد ألقى بنفسه، وبشكل نهائى، إلى جانب أعداء جلالته»، بينما يرد عباس الثانى على ذلك بقوله: «وجد خصومى العنيدون فرصة ممارسة انتقامهم الخسيس بإبعادى عن عرش أجدادى، ورأت إنجلترا فى ذلك وسيلة لإبعاد إمكانية حصول مصر على الجلاء، فتضمن بذلك تحقيق أهدافها فى السياسة الإمبريالية دون عقبات».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة