تستمر أزمة المناخ فى تهديد أوروبا، حيث تصدرت أوروبا وخاصة دول جنوب ووسط القارة قائمة الدول الأكثر تضررا جراء تسارع عملية التغير المناخي خلال عامين فقط، حيث أن معدل ارتفاع درجة الحرارة فيها تجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية المقر في إطار اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، بل هناك تحذيرات من الوصول للمعدل المتوقع للاحترار عام 2030، والبالغ 2.3 بوتيرة أسرع بكثير من المتوقع.
وقال معهد الصحة فى برشلونة ISGlobal فى تقرير، إن أكثر من 70 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب ارتفاع درجات الحرارة فى القارة العجوز، مشيرا إلى أنه فى بداية العام الجارى تم نشر بيانان أن هناك 63 الف شخص توفوا نتيجة الحر فى أوروبا خلال 2022 ولكن المعهد الإسبانى أكد أن هناك 70 الف شخص راحوا ضحايا الحر فى أوروبا.
وفى السياق نفسه، فإن التأثير الاجتماعي والاقتصادي للتغيير المناخي، هو أحد العوامل الأكثر أهمية التي تساعد على تطوير المؤسسات العالمية والشركات التي تؤثر على ظروف مستقبل القطاعات المنتجة، وأبلغت وكالة تصنيف الائتمان الأوروبية، Scope Ratings GmbH، في آخر تقرير لها أن التطور وتأثير السلسلة قد يكلف إسبانيا 4.6 مليار يورو بحلول عام 2050، وهو ما يعادل 5.8% من الناتج المحلى الاجمالى لكل فرد من الدول.
من المؤكد أن هذا الوضع يسبب ضررًا كبيرًا للأنظمة الاقتصادية والبشرية والطبيعية لأن الحلقات المتسلسلة تمثل بين العديد من التأثيرات الضارة للتغيير المناخي، حيث إسبانيا وإيطاليا (أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي) تمثل 45% من إجمالي الخسائر المتوقعة في الاتحاد الأوروبي (15% إسبانيا و30% إيطاليا) .
ويمكن أن تكلف هذه السلسلة إيطاليا 10 مليارات يورو خلال الفترة 2020-2050، وهو ما يعادل 8,3% من إجمالي الدخل الشخصي لكل فرد من الدولة خلال نفس الفترة.
وتعتبر إسبانيا هي الدولة الثانية من الاتحاد الأوروبي الأكثر إنفاقًا على ما قد يصل إلى 4.6 مليار يورو، وهو ما يمثل 5.8% من الناتج المحلى الاجمالى خلال نفس الفترة.
تواجه إسبانيا أسوأ موجة جفاف منذ عام 1961 مع ندرة هطول الأمطار، حيث قامت وكالة الأرصاد الجوية الحكومية (Aemet) بتقييم الوضع، وقالت إن الفترة 2022-2023 كانت جافة فى إسبانيا بشكل واضح حيث سقط 560.7 لتر لكل متر مربع؛ وهو أقل بنسبة 12% من المعدل الطبيعى، حسبما قالت صحيفة لابانجورديا الاسبانية.
وقال خوليو بيربل، الأستاذ بجامعة قرطبة وعضو لجنة خبراء الجفاف التابعة لحكومة الأندلس: "هناك العديد من الرسوم البيانية المخيفة"، فى إشارة إلى السلسلة التاريخية التى يعدها إيميت سنويا ببيانات هطول الأمطار. الآن، كما يشير عالم المناخ صامويل بينر، "مع وجود تضاريس معقدة مثل تلك الموجودة فى إسبانيا، فإن متوسط معدل هطول الأمطار ليس مفيدًا جدا.
وأشارت وكالة الأرصاد الإسبانية إلى أنه فى بعض مناطق الأندلس وكاتالونيا، يجب أن تستمر الأمطار غير العادية لعدة أشهر متتالية لتعويض العجز فى السنوات الأخيرة.
وأدى الجفاف وموجات الحر الشديدة التى ضربت إسبانيا إلى خفض إنتاج زيت الزيتون إلى النصف، حيث أنتجت إسبانيا 1.5 مليون طن لعام 2023، كما تؤدى قلة الأمطار وموجات الحرارة المتكررة إلى إجهاد شجرة الزيتون، وسقوط الثمار قبل موعد نضوجها للمستوى المطلوب.
كما ارتفع سعر زيت الزيتون هذا العام بنسبة 112% مقارنة بالعام الماضى وفقا لتقرير نشرته وزارة الزراعة والأغذية الإسبانية الشهر الماضي.
وقدمت وزارة التحول البيئى والتحدى الديموجرافى ووزارة الزراعة والصيد البحرى والأغذية فى إسبانيا تقرير حول إدارة الجفاف فى عام 2023، وحذرت فيه من أن 14.6% من الأراضى الوطنية فى حالة طوارئ بسبب نقص المياه و27.4% فى حالة تأهب، حسبما قالت صحيفة "الموندو" الإسبانية.
ويعتبر المزارعون، الذين يواجهون كل هذه المشاكل إضافة إلى التكاليف الإضافية، أن "التحول التكنولوجى فى مجال الرى ضرورى للتمكن من مواجهة قلة الأمطار"، لأن "الاستثمارات الجارية لا تكفى للتخفيف من نقص المياه"، ومما زاد من "الحاجة إلى الاستفادة منها بشكل أفضل فى مواجهة تغير المناخ".
بالإضافة إلى ذلك، تؤدى هذه التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ إلى تفاقم العواقب المترتبة على ارتفاع مستوى استهلاك المياه، وخاصة لرى المحاصيل الصناعية، مما يجعل الإجهاد المائى الذى نعانى منه فى العديد من مناطق شبه الجزيرة الأيبيرية مزمنا. ولهذا السبب، فقد طالبت حكومات عدة بلديات بوضع استراتيجية وقائية ضد الجفاف.
ومن ناحية آخرى ، فقد أدى تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة فى اوروبا الى انتشار الامراض والفيروسات ، وخاصة "حمى الضنك" حيث حذر الخبراء فى منظمة الصحة العالمية من أن حمى الضنك ستصبح تهديدا كبيرا في جنوب أوروبا خلال العقد الحالى، وتخلق درجات الحرارة الأكثر دفئًا الظروف الملائمة لانتشار البعوض الذى يحمل العدوى، ومن المتوقع أيضًا أن ينتشر في جنوب الولايات المتحدة وأجزاء جديدة من أفريقيا.
وكان هذا المرض منذ فترة طويلة آفة في معظم أنحاء آسيا وأمريكا اللاتينية، مما تسبب في وفاة ما يقدر بنحو 20 ألف شخص كل عام.
وقد ارتفعت معدلات المرض بالفعل ثمانية أضعاف على مستوى العالم منذ عام 2000، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تغير المناخ وكذلك زيادة حركة الناس والتوسع الحضري.
ولا يتم تسجيل العديد من حالات حمى الضنك، ولكن في عام 2022 تم الإبلاغ عن 4.2 مليون حالة في جميع أنحاء العالم. وحذر مسؤولو الصحة العامة من توقع حدوث مستويات شبه قياسية من انتقال العدوى هذا العام.
يقول جيريمى فارار، أخصائي الأمراض المعدية الذي انضم إلى منظمة الصحة العالمية في مايو من هذا العام: "نحن بحاجة إلى التحدث بشكل أكثر استباقية عن حمى الضنك ، "نحن بحاجة إلى إعداد البلدان حقًا لكيفية تعاملها مع الضغوط الإضافية التي ستأتي، في المستقبل في العديد والعديد من المدن الكبرى".
ومن المرجح أن "تنطلق" حمى الضنك في أوروبا مع ظاهرة الاحتباس الحرارى، يجعل الاحتباس الحرارى مناطق جديدة مضيافة للبعوض الذي ينشر حمى الضنك.
ويحذر من أن ذلك سيضع ضغطًا حادًا على أنظمة المستشفيات في العديد من البلدان، ويقول: إن الرعاية السريرية مكثفة حقًا، وتتطلب نسبة عالية من الممرضات مقارنة بالمرضى، "أشعر بالقلق حقاً عندما تصبح هذه مشكلة كبيرة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة