قال السفير محمود كارم، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، إنه في إطار الدور الهام الذي تقوم به الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بتعميق التعاون والتنسيق بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وفي ظل الرئاسة المصرية لأعمال الشبكة، يسعد المجلس أن يتم تخصيص المنتدى الحواري الإقليمي لمناقشة موضوع مستقبل التربية والتعليم والتثقيف على حقوق الإنسان في المنطقة العربية، خاصة في ظل التحديات الراهنة والتي تواجه العديد من الدول العربية وتعوق تمتع بعض المواطنين بحقوقهم.
وتابع: من أجل عقد اجتماعي جديد يحمي حقوق المواطن العربي ويحقق أهداف التنمية المستدامة وتنفيذا للمواثيق والاتفاقيات الدولية يؤكد المجلس القومي لحقوق الإنسان على ضرورة إيلاء أهمية قصوى لحماية وتعزيز الحق في التعليم الجيد دون تمييز لكافة الأفراد، مع العمل على دعم كافة المبادرات الرامية لتحقيق طفرة تعليمية تواكب التقدم التكنولوجي المتصاعد في ظل التنافسية العالمية الراهنة والتحديات المستقبلية، ودعم البحث العلمي قاطرة التنمية لشعوبنا العربية.
وأكد أنه يثمن المجلس قيام الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بتضمين العمل على موضوع تطوير التعليم والتربية والتثقيف على حقوق الإنسان ضمن خطتها الاستراتيجية، الأمر الذي يؤكد اهتمام المؤسسات الوطنية بقضايا جودة وإتاحة التعليم والتثقيف على حقوق الإنسان وانفتاحهم على التعاون مع كافة الأطراف والشركاء المعنين بتعزيز الحق في التعليم الذي يواكب المستجدات والتطورات المستقبلية.
ويؤكد المجلس بالتعاون مع أعضاء الشبكة العربية على دعم المبادرات المشتركة لتوفير التدريب والتمويل اللازم الذي يُمكّن الدول العربية من النهوض بقطاع التعليم الذي يعد الأساس لتحقيق الأهداف التنموية وترسيخ ثقافة التسامح والسلام، وسيتم التركيز في هذا الكلمة على عدة محاور كما يلي:-
أولا: الإطار الدولي والاقليمي لحماية وتعزيز الحق في التربية والتعليم والتثقيف:-
أكدت كافة المواثيق الدولية على أهمية حماية وتعزيز الحق في التعليم وجودته باعتباره حقا جوهريا لا يمكن إعمال الحقوق دونه، فبداية من عام 1948، وما ورد بالمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي أكدت على أن لكل شخص الحق في التعليم وأن التعليم لابد أن يكون متوفر ومتاح مجانا في المراحل الأساسية على الأقل، وأن التعليم يجب أن يستهدف التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن التعليم يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وأن يؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام.
واتساقا مع ذلك فقد استفاض العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المواد (13 ، 14، 15) في التأكيد على حق كل شخص في التربية والتعليم بشكل متساوي دون تمييز لإنماء الشخصية الإنسانية، ولتمكين الأشخاص من الإسهام بدور نافع في المجتمعات وتوثيق أواصر التسامح والصداقة والسلام. وكذلك جعل التعليم الأساسي متاح وإلزامي، وتعميم التعليم الثانوي بنوعيه التقني والمهني، وإنماء الشبكات المدرسية على جميع المستويات وتحسين أوضاع العاملين في التدريس. وأن لكل شخص الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والتمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته، وعلى الدول اتخاذ التدابير اللازمة لصيانة العلم والثقافة وانمائهما وتشجيع البحث العلمي والنشاط الإبداعي والتعاون في مجال العلم والثقافة.
كذلك تطرقت اتفاقية حقوق الطفل في المادتين 28 و29 إلى اعتبار التعليم حقًا أساسيًا. واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في المواد 10 و14 (د). والاتفاقية الخاصة بحقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في المواد 30 و43 و45. وتناولت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في المادتين 5 و7 الحق في التعليم. فضلًا عن الاتفاقية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 24. بالإضافة إلى التعليق العام رقم 11، والتعليق العام رقم 13 الصادران عن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتناولهما لمفهوم الحق في التعليم ومبادئه بشكل يوسع هذا الحق إلى مداه الأقصى.
ونص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في المادة 17 أن الحق في التعليم مكفول للجميع، ونص الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المواد 41، 42، على أن لكل شخص الحق في التعليم وأن محو الأمية واجب على الدولة، وعلى الدول أن تضمن لمواطنيها مجانية وإلزامية واتاحة التعليم الأساسي دون تمييز، وأن يتم دمج مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المناهج الدراسية، وهو ما أكده الدستور المصري في المادة 19، وكذلك الأنشطة وبرامج التربية والتدريب. وأن لكل شخص الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والتمتع بفوائد التقدم التكنولوجي وتطبيقاته وتتعهد الدول باحترام حرية البحث العلمي، وتحقيق التعلم المستمر مدة الحياة لكل المواطنين إضافة إلى إتفاقية اليونسكو الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم، لما لها من أهمية على صعيد المساواة في التعليم ومكافحة التمييز، والتي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1960، ودخلت حيذ التنفيذ عام 1962، وصدق عليها أكثر من 100 دولة وغيرها من الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية وتعزيز الحق في التعليم.
كذلك نشير في هذا الصدد إلى المبادرة العالمية التي أطلقتها اليونسكو في 2019، لإنشاء هيئة دولية رفيعة المستوى لإعداد تصور مستقبل التربية والتعليم بحلول عام 2050 بهدف صياغة عقد اجتماعي جديد للتعليم يساعد على بناء مستقبل يتسم بالسلم والعدالة والاستدامة، والتي تعد من أهم المبادرات الدولية التي تدعمها كافة الدول وتؤكد المؤسسات الوطنية حرصها البالغ على ضرورة تفعيلها وتبنيها وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ توصياتها.
ثانيا: التربية والتعليم والتثقيف على حقوق الإنسان والتنمية المستدامة:-
ترتبط أهداف التنمية المستدامة 2015-2030 الصادرة عن الأمم المتحدة، ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان، فتسعى أهداف التنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان وتحقيق المساواة من خلال القضاء على الفقر والجوع وتوفير الأمن الغذائي والمياه وتعزيز الزراعة المستدامة، وضمان الحقوق الصحية و التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، إضافة إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير العمل اللائق للجميع. وإقامة مجتمعات مسالمة دون تهميش وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع. وتمتع الأفراد بحقوقهم وتحقيق أهداف التنمية المستدامة يكفل رفاهيتهم، وبالتالي رفاهية المجتمع ككل.
وأوضح أن التربية والتعليم أساسيان للإطار العالمي المتكامل لأهداف التنمية المستدامة، ويعد الحق في التعليم حقا أساسيا لضمان التمتع بكافة حقوق الإنسان، فهو الأساس لبناء المجتمعات ونشر الوعي بين المواطنين وتحقيق الأهداف التنموية، وتقويم سلوك الأفراد. ولحماية حقوق الأفراد، تسعى الدول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السابعة عشر التي أقرتها الأمم المتحدة في 2015، وذلك من خلال مشاركة المجتمعات في تحقيق الأهداف التنموية، واتاحة آليات المشاركة لكافة الأفراد كلا في مجاله. ويأتي الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ليتناول التعليم الجيد، الذي يضمن اتاحة فرص التعليم الجيد سواء المهني أو العالي والتدريب المهني للجميع دون تمييز، وضمان تكافؤ الفرص بين الجنسين، مع ضمان توفير المرافق التعليمية وعدد المعلمين الكافي، وزيادة عدد المنح الدراسية للدول النامية للالتحاق بالتعليم العالي أو التدريب المهني وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبرامج التقنية والهندسية والعلمية، وضمان دعم التعليم المستمر الذي يلائم الواقع المتغير، ويحافظ على استدامة التمتع بالحقوق.
ولفت إلى أنه تلعب المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان دورا هاما في رصد ومتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2023، الأمر الذي يستدعي بناء شراكات بينها وبين المؤسسات المعنية وتقوية قدراتها وفقا للهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة. وتدعم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وكذلك التحالف الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ((GANHRI والشبكة العربية جهود وأنشطة المؤسسات الوطنية للقيام بهذا الدور من خلال عقد اللقاءات التشاورية وتبادل الخبرات وبناء القدرات في هذا المجال.
وتعتبر مهام المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المُدرجة في مبادئ باريس مرتبطة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، ويتم ذلك من خلال تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، تقديم المشورة والتوصية إلى الحكومة أو البرلمان، المواءمة بين القوانين والسياسات الوطنية والالتزامات الدولية لحقوق الإنسان، وتشجيع التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتنفيذها، وإجراء البحوث وإعداد تقارير عن الحالة الوطنية لحقوق الإنسان. وكذلك إعداد البرامج المتعلقة بتدريس حقوق الإنسان والبحوث المتصلة بها، والمشاركة في تنفيذها في المدارس والجامعات والأوساط المهنية، والإعلان عن حقوق الإنسان والجهود المبذولة لمكافحة جميع أشكال التمييز، عن طريق زيادة وعي الجمهور وخاصة عن طريق الإعلام والتثقيف وباستخدام جميع أجهزة الصحافة ونشير في هذا السياق إلى تنظيم المجلس القومي لحقوق الإنسان بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان ورشة تدريبية بعنوان "من أجل تفعيل نهج قائم على حقوق الإنسان للمؤشرات والبيانات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة وإعداد التقارير الخاصة بحقوق الإنسان" خلال الفترة من 7 الي 10 نوفمبر 2021 بالقاهرة.
وذلك بهدف التدريب على تطبيق منهحية حقوق الإنسان للبيانات والمؤشرات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة. ومؤتمر الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية المنعقد في شرم الشيخ 26 - 27 يونيو 2019 حول دور المؤسسات الوطنية في تنفيذ ومتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وكذلك المؤتمر الدولي للتضامن وخطة التنمية المستدامة المنعقد في فبراير 2022 بالقاهرة، بمشاركة الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر، وجامعة الدول العربية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وذكر أنه يوصي المجلس القومي لحقوق الإنسان المؤسسات والمنظمات العاملة في مجتمعنا العربي على ضرورة استمرار تنفيذ السياسات والخطط المعنية بالتنمية المستدامة القائمة على مقاربة حقوق الإنسان بالرغم من التحديات الراهنة في المنطقة العربية تحقيقا لطموحات الشباب العربي وضمانا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتدعو الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان إلى تشجيع منظمات المجتمع المدني لتكثيف دورها للقيام ببعض الأنشطة التعليمية والتدريبية والتثقيفية، وتنفيذ المشروعات الخاصة بالتعليم المدني والمدارس المجتمعية، وسرعة القيام بالجهد الميداني لتلبية احتياجات الأسر المتضررة من الأزمات الاقتصادية أو النزاعات والكوارث الطبيعية ولا بد أن تسعى الدول العربية للتنسيق وتبادل الخبرات في وضع السياسات التعليمية القائمة على مبادئ حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة، وتحقيق التواصل الدوري مع هيئات الأمم المتحدة خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية في المنطقة العربية، والعمل على تطوير المناهج الدراسية وفقا للمستجدات العلمية، وتكثيف التعاون مع الخبراء والأكاديميين لحل مشكلات أزمة المساواة والتمويل والجودة للإرتقاء بجودة التعليم وتشجيع الكفاءات التي تحتاج إليها المجتمعات العربية حاضرا ومستقبلا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة