"فاجعة الحوز.. الحصاد المر 1".. فرق الإنقاذ بين معاناة البحث و"رائحة الموت".. قصص إنسانية بطلها الألم.. "عناصر إنقاذ" ضحايا زلزال المغرب يدلون بشهادتهم.. ويروون تجربتهم لـ"اليوم السابع": كأنه يوم القيامة.. صور

الأحد، 01 أكتوبر 2023 11:57 م
"فاجعة الحوز.. الحصاد المر 1".. فرق الإنقاذ بين معاناة البحث و"رائحة الموت".. قصص إنسانية بطلها الألم.. "عناصر إنقاذ" ضحايا زلزال المغرب يدلون بشهادتهم.. ويروون تجربتهم لـ"اليوم السابع": كأنه يوم القيامة.. صور
إيمان حنا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ـ منقذون: واصلنا العمل نهارًا وليلًا للعثور على ناجين..كنا نسابق الزمن..ونسمع صرخات الضحايا ولا نستطيع تحديد أماكنهم..تعرضنا لمخاطر الموت..نقص الأدوات وطبيعة الأبنية ووعورة الطرق أبرز التحديات

ـ إخصائيون نفسيون لـ"اليوم السابع": بعض الفرق تتعرض لصدمة نفسية جماعية ونوبات بكاء هيسترية..60 % من المنقذين يحتاجون برامج علاجية..هلاوس سمعية وبصرية ونوبات هلع أبرز الإصابات

ـ رسالة عضو بفريق الإنقاذ الفرنسى لـ"اليوم السابع": انقذوا أسرًا فى العراء..البرد قارس والمياه لا تصل لهم..مسئول حكومي يرد

ـ باتريك فيلاردرى: اعتمدنا على الكلاب في عملية البحث..بكينا لعدم تمكنا من إنقاذ حياة العالقين..الضحايا توفوا اختناقًا بالغبار..شاهدت فرحة عائلات لحصولهم على جثث ذويهم

ـ منقذ مغربى لـ"اليوم السابع":نقلنا المصابين فوق نقالات الموتى وظهور الدواب..سيارات الإسعاف لم تتمكن من الوصول لعدة مناطق لوعورتها..الأهالى تعاونوا معنا الإنقاذ لإخراج العالقين

ـ  فيلاردرى: اندمجنا بقلوبنا مع الفرق المغربية..عملنا على جمع الأموال فيما بيننا لشراء سخانات لتدفئة تلك العائلات..الأطفال ودعونا بالابتسامة رغم الألم.. نظرات الرجاء والحب والأمل بعيونهم لن تمحى من ذاكرتى

ـ رئيس"جمعيات المجتمع المدنى" لـ"اليوم السابع": خرجت وأسرتى للشارع فوجدنا الجميع يصرخون ويهرولون والبعض خرج عاريا من منزله

ـ أحد المتطوعين: دربنا الأطفال على كيفية نصب الخيام وقدمنا عروضا ترفيهية لهم

ـ أب فقد ابنته الوحيدة بعد أن سقط سقف المنزل فوقهما: وأنا ألتقط أنفاسى الأخيرة فجأة وجدت يدًا تمتد لإنقاذى..ظلت تصرخ وهى ترتجف حتى ماتت فى حضنى..المنقذون بكوا وهم يأخذون جثتها منى

ـ أحد الناجين لـ"اليوم السابع": تخيلت أنها نهاية العالم وقلت الشهادة

ـ رئيس"الهلال الأحمر" بإقليم شيشاوة لـ"اليوم السابع": الجميع يترقب الشتاء بقلق كبير..نتخذ إجراءات استباقية..ونتعاون مع السلطات لاستخراج جثث الحيوانات والماشية تحت الأنقاض لخطورتها على صحة الأهالى

 

"ثوانٍ معدودات، يظل المجتمع يدفع ثمنها رُبما لسنوات"..هذه العبارة تُوصف الوضع فى المغرب حاليًا، فمُنذ أن باغت زلزال "الحوز" المملكة، مساء الثامن من سبتمبر الجارى؛ وهى تجابه تبعات تلك الكارثة، التى خلفت وراءها 2946 قتيلًا و 5674 مصابًا(وفق إحصاءات الحكومة المغربية)، 2930 قرية متضررة بها 2.8 مليون مواطن لحقت به أضرار مختلفة، و59674 منزلا متهدمًا جزئيًا وكليًا(وفق بيانات وزارة الاقتصاد والمالية المغربية).

أصبح هناك عدد هائل من الأسر بدون مأوى أو مورد رزق، وكان للأطفال نصيب خاص من تلك المحنة، فبعضهم أصبح يتيما والبعض مصابا و6000 تلميذ أضحوا بدون مدارس، أما الآثار النفسية فحدث ولا حرج .كل هذا بالإضافة إلى الأضرار التى حلت بالمناطق التاريخية، و البنى التحتية، ما يستلزم حوالى5 سنوات لإعادة الإعمار، وفق الخطة التى أعلنها ملك المغرب، راصدًا 11 مليار دولار لهذه الخطة.

وهناك فئة أخرى جزء من تلك المأساة، رُبما لم يلتفت كثيرون إليها، إنهم "أبطال فرق الإنقاذ" الذين عملوا على إخراج العالقين بين الأنقاض، حيث تمتد إليهم أيضا تبعات تلك الفاجعة، فإلى جانب التحديات التى يواجهونها والمخاطر التى يتعرضون لها أثناء عملهم، هناك آثار نفسية جسيمة تتركها تلك اللحظات المروعة بداخلهم. وما بين التحديات والمخاطر والآثار هناك العديد من القصص بطلها "الألم".

نستعرض على مدى حلقات متتالية، تبعات تلك الكارثة، والبداية فى هذه الحلقة بـ"فرق الإنقاذ "..

بين أكوامٍ من الركام وحطام منازل متهدمة، وقطع أثاث متناثرة تتداخل مع بقايا ملابس لا يمكنك تحديد هوية صاحبها بعد أن أخفت معالمها بصمات الأنقاض ودماء الضحايا.

هُنا يكتب الألم أبدع القصص، وينسج ُأصدق العبارات، فهو حقاً "كلمة السر" وراء توحد القلوب واندماج المشاعر، متجاوزًا حدود البلدان والأعراق واختلاف الجنسيات وصراعات السياسة وحساباتها المعقدة، إنه اللغة التى لا يُخطؤها عقل، فالجميع يفهمها دون التباس، طالما إننا بشر تجمعنا بوتقة الإنسانية التى خُلقنا في إطارها.

رُبما كان هذا ما استخلصته من روايات "شهود عيان" من عناصر فرق الإنقاذ والبحث عن المفقودين، وناجين من الموت، وأيضًا المسعفين الذين شاركوا في لملمة جراح ضحايا زلزال "الحوز".

 

متشبثون بالحياة

"باتريك فيلاردرى"..أحد أعضاء فريق الإنقاذ الفرنسي، الذى قَدم إلى المغرب ضمن فرق المتطوعين، التى تدفقت من مختلف بلدان العالم لتقديم المساعدة فى عمليات البحث عن العالقين وإنقاذ ضحايا زلزال "الحوز"، يقول باتريك، في حديثه لـ"اليوم السابع"، وصلنا إلى المغرب فى العاشر من سبتمبر؛ قادمين من مدينة "ليون" الفرنسية، وأمضينا نحو 8 أيام لمساعدة فرق الحماية المدنية المغربية فى عمليات البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، ولكن دون جدوى؛ ففريقنا لم يتمكن من إنقاذ حياة شخص واحد من هؤلاء الذين ظلوا متشبثًين بأمل العودة للحياة مرًة ثانيًة حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة قبل أن نتمكن من الوصول إليهم.

باتريك أثناء بحث فريق الإنقاذ عن العالقين
باتريك أثناء بحث فريق الإنقاذ عن العالقين

يصف باتريك مشاعره وقتذاك، قائلًا: لقد شعرت بخيبة أمل كبيرة وبكيت حينما فشلنا فى العثور على ناجين، لقد واصلنا العمل نهارًا وليلًا منذ لحظة وصولنا تلك القرى المنكوبة المعلقة فوق الجبال، ورغم ذلك لم ننجح فى إنقاذ هؤلاء العالقين.

هنا توقف باتريك لثوانٍ عن الحديث وأجهش بالبكاء، فصرخات العالقين لا تزال تتردد فى أذنيه، هكذا أوضح باتريك حينما استأنف كلماته، التى تقطر ألمًا، بصوت يرتعش حزنًا، وأنفاس متقطعة قائلًا: "فى بعض الأحيان كنا نسمع صرخات الضحايا، ولا نستطيع تحديد المكان الذى تأتى منه تلك الأصوات، حينئذٍ انهمرت الدموع من أعيننا، كل الفريق كان يبكى، إنه شعور فى غاية الحزن والرعب فى آن واحد، حينما تعلم أن شخصًا يستغيث بك وأنت عاجز عن إنقاذه، وفى كثير من الأحيان كنا نضطر لرفع الأنقاض حجر بحجر، حتى لا يحدث أى خطأ يؤدى إلى مقتل الناجين أو من لا يزالوا على قيد الحياة، حقًا كانت لحظات يصعب وصف قسوتها."

يواصل باتريك السرد بنبرة صوت يكسوها الحزن: "الآن عُدت إلى بلدى؛ ولكن أشعر أننى ماز لت أحمل صندوق ذكريات تلك الأيام القاسية في قلبى، أشعر كأننى لم أغادر المناطق المنكوبة بعد، فمنذ اللحظة التى علمت فيها إننى سأكون ضمن فريق يشمل منقذين وممرضين أيضا، للمساهمة في إنقاذ ضحايا الزلزال المروع، شعرت بالمسئولية عن هؤلاء الذين يمضون ثوانى ودقائق وساعات؛ بل وأيامًا فى ظلام حالك تحت الأنقاض ينتظرون من يقدم لهم طوق النجاة.

يستكمل باتريك روايته: لقد تحمست كثيرًا للمشاركة فى هذ العمل النبيل، فقد سبق لى أن شاركت فى عمليات الإنقاذ بمناطق زلزال تركيا، الذى وقع فى فبراير الماضى، وأعلم جيدا كم تكون الفرحة التى نعيشها كفريق إنقاذ مع كل روح ننجح فى إنقاذها من براثن الموت، ومع كل عائلة نُعيد إليها فرد أو أكثر كان فى عداد المفقودين، إنه شعور لا يُوصف.

 

آثار الدمار بقرى  إقليم الحوز
آثار الدمار بقرى إقليم الحوز

يقول باتريك، فور وصولنا إلى المغرب علمنا أن عمليات الإنقاذ في أعالى الجبال بإقليم "الحوز ـ مركز الزلزال"، وإقليم "تارودانت"، ثم تخلينا عن الزى الفرنسى واندمجنا مع فرق الإنقاذ المغربية، لقد توحدنا على الهدف نفسه، وسادت بيننا روح الفريق، شعرنا أننا يد واحدة وقلب واحد.

طرق وعرة

لقد صعدنا إلى جبال الأطلس، وإمليل في منطقة إمزميز، ومنطقة تارودانت ضمن المناطق الأكثر تضررا ـ يقول باتريك ـ واستغرق هذا بضع ساعات؛ فالطرق شديدة الوعورة وغير ممهدة للسير، وطوال الطريق لم نر سوى مشاهد الركام والأبنية المتساقطة على جوانب الطرقات، فجُل تلك الأماكن استحال ركامًا فباتت تشبه بعضها البعض.

أحد المصابين ينقل على ظهر حمار لعدم توفر سيارات إسعاف
أحد المصابين يُنقل على ظهر حمار لعدم توفر سيارات إسعاف

الجو شديد البرودة والأهالى فى العراء، سيارات الإسعاف لا يمكنها الوصول إليهم وظهور "الدواب" الوسيلة الوحيدة لنقل المؤن، إضافة إلى طائرات "الهليكوبتر" فى بعض المناطق، هكذا وجدنا المشهد بالمناطق المنكوبة، يوضح باترك.

ويضيف: التقينا مع الأسر المتضررة، والمُدهش أنه رغم الكارثة التى أَلمت بهم إلا أن الابتسامة ارتسمت على وجوههم المُنهكة فور لقائنا معهم، وكأنهم شعروا بالاطمئنان لوجود من يمد لهم يد العون .

نقل المساعدات والمؤن فوق ظهور الحمير للوصول إلى القرى
نقل المساعدات والمؤن فوق ظهور الحمير للوصول إلى القرى

ووجدنا غالبية المنازل مهدمة بشكل كامل، والأسر تفترش التراب، والأطفال والرضع دون أغطية، منزل واحد بالقرية تُجهز فيه جميع الوجبات الغذائية؛ ثم يتم توزيعها على الأسر المشردة، والتي أصبح يتعين عليها العيش في خيام، بدلًا من منازلهم، لقد دُهشت أيضًا حينما وجدت كثيرًا منهم يرفض مغادرة القرية التي ينتمى لها.

يستكمل باتريك حديثه، موضحًا:"اعتمدنا في عملية البحث بشكل أساسى على الكلاب، لم يكن معنا الكثير من المعدات مثلما كان الحال فى عمليات إنقاذ ضحايا زلزال تركيا، لقد كانت عملية الإنقاذ ناجعة بشكل أكبر.

"فى المغرب كان الأمر حاسمًا، ففى غضون أيام، للأسف لم ينجح فريقنا في إنقاذ من هم تحت الأنقاض"، يضيف باتريك.

ويستطرد قائلًا، حينما فقدنا الأمل فى العثور على ناجين، انحرطنا فى انتشال الجثث ومساعدة المتضررين، ونقل المصابين إلى مواقع آمنة؛ انتظارًا لوصول سيارات الإسعاف التي تقلهم إلى المستشفيات. لقد استخرجنا عددًا كبيرًا من الجثث التى كانت تحت الأنقاض، وقمنا بتسليمهم إلى عائلاتهم، وقتذاك شاهدنا فرحة تلك العائلات لمجرد حصولهم على جثث ذويهم، نحن ندرك تمامًا أهمية عملية الدفن وإقامة مراسم الحداد خاصة بالنسبة للمسلمينومن المشاهد التى لا تنسى ـ يقول باتريك ـ  أننا والأهالى كنا ننقل المصابين بنقالات الموتى الخشبية حملًا فوق الأكتاف إلى أقرب نقطة يمكن لسيارات الإسعاف الوصول إليها؛ فوعورة الطريق مع تراكم الركام وسقوط أجزاء من الجبال جعل وصول السيارات أمرًا فى غاية الصعوبة.

يستطرد باتريك قائلا: لقد تعلمت كثيرًا من تضامن أبناء الشعب المغربى معًا لدعم أشقائهم المنكوبين، فإلى جانب مشاركتهم فى نقل المصابين، كان الأهالى يعملون جنبًا إلى جنب مع فرق الإنقاذ لاستخراج العالقين والبحث عن المفقودين، ومع أعضاء منظمات المجتمع المدنى أيضًا لتقديم المساعدات.

ويوضح باتريك أسباب قلة عدد الناجين، قائلًا: إن الأمر يعتمد على المواد المستخدمة في بناء المنازل، فغالبيتها من الطين والقش والأخشاب الخفيفة، دون أساسات خرسانية، ولا أبواب معدنية، وبعض المنازل بُنيت من الحجارة، مما تسبب في سقوط مروع لكل شيء؛ ومن ثم تحولت المنازل إلى غبار أدى لاختناق السكان، لقد كان ذلك الغبار أسرع فى الوصول إلى رئتهم من عناصر فرق الإنقاذ.

إن هذا النوع من الركام ـ يشرح لنا باتريك ـ لا يسمح للضحايا بالبقاء أحياًء لفترات طويلة، مما يعني أن 100% من منازل قرى الجبل مدمرة.

وبالنسبة للأزمات التى يعيشها أهالى الضحايا الآن، يقول باتريك وهو يغالب دموعه، فوق ما يعتصر قلوبهم من ألم فهناك البرد الشديد الذى يمزق أجسادهم، دون توفر وسائل تقيهم تلك البرودة، إضافة إلى عدم توفر مصدر يمدهم بالمياه.

يستطرد باتريك قائلًا، حينما انتهت مهمتنا في عمليات البحث عن المفقودين وانتشال الجثث ومساعدة المصابين، عملنا أيضا على جمع بعض المال فيما بيننا لشراء سخانات تدفئة لعدد من العائلات التى أضحت تمضى ليلها فى العراء، وهى عبارة عن مدافئ صغيرة لها خشب خاص بها، وهي ليست باهظة الثمن، تُستخدم فى القرى بدلًا من الوسائل الأخرى التي ربما تكون مكلفًة للغاية، لذا عملنا على توفير عدد من تلك السخانات وتجهيز بعض القرى الصغيرة بها، والأسر التي تحتاج إليها، لكن بالتأكيد لم نستطع توفير السخانات لجميع الأسر، فالعدد مذهل.

واليوم أُطلق نداء استغاثة ـ عبر موقعكم الإلكترونى "اليوم السابع" ـ لإنقاذ تلك العائلات التى لا يزال البعض منهم فى العراء دون خيام ، فالعدد لم يكفى لجميع الأسر التى شردها الزلزال، والجو شديد البرودة داخل الخيام فهى غير مجهزة لمقاومة البرد، فكيف هو الحال دونها!

ابتسامة الأطفال رغم الألم
ابتسامة الأطفال رغم الألم

ويختتم باتريك مشاهداته، التى نقل لنا جزءًا منها، قائلًا فى نهاية رحلتنا، وقت أن قررنا مغادرة تلك القرى، أعرب لنا أولئك القرويون عن تقديرهم للجهود التي قمنا بها ، حتى الأطفال كانوا فى وداعنا بالابتسامة رغم ما يمرون به من ألم، فاصطفوا على جانبى الطرقات ملوحين بأياديهم ملقين علينا السلام، ونظرات الرجاء و الأمل الممتزج بالحب التى رأيتها فى عيونهم لن تمحى من ذاكرتى.

يوم القيامة!

تلك المشاعر المؤلمة تشاركها مع باتريك جميع من كانوا فى موقع الزلزال لإنقاذ الضحايا لهم، ومن بين هؤلاء" عمر فكدى"، من مراكش، ويعمل محاسبًا.

يبدأ عمر روايته قائلًا: أعمل ضمن الفرق التطوعية بالجمعيات المدنية فى مراكش منذ عام 2004، وقد شاركت من قبل فى إنقاذ ضحايا من فيضانات مدينة"ورزازات"، التى وقعت عامى 2014 و2018، وقد تلقيت تدريبات على البحث عن العالقين وأساليب الإنقاذ الأولى فى حالات الزلازل والفيضانات وكيفية التعامل مع الضحايا.

ترك الزلزال الحسرة فى قلوب الناجين لفقدان ذويهم ومنازلهم
ترك الزلزال الحسرة فى قلوب الناجين لفقدان ذويهم ومنازلهم

يستكمل عمر حديثه، قائلًا: فى حالة الزلازل الأمر يتطلب حرص ودقة أعلى فى عملية البحث؛ درءًا لخطر انهيار ما تبقى من المنزل أثناء محاولات الوصول للعالق. ومنذ أن حلت بنا كارثة زلزال "الحوز" لم أتردد لحظة فى الذهاب لمساعدة المتضررين فوق الجبال.

وعن لحظة وقوع الزلزال، يقول "عمر" كنا بالمنزل حينما فوجئنا بهزات عنيفة، فسارعت بحمل أولادى الثلاثة إلى الساحة بالخارج، وحملنا معنا الأغطية وقضينا ليلتنا فى الشارع.

وفجر السبت، بعد أن اطمأنيت علي أسرتى، استقليت ومجموعة من المنقذين المتطوعين سياراتنا من مراكش متجهين صوب قرى" الحوز"، واصلنا الرحلة حتى وصلنا إلى منطقة "تكرمين"، وهناك كان الطريق مقطوعًا فاضطررنا إلى ترك سياراتنا، وقطع المسافة المتبقية (30 كيلو مترا) سيرًا على الأقدام.

"لم يدر بمخيلتنا أن الوضع بهذا السوء ،فطوال الرحلة كنا نشاهد الانهيارات على جانبى الطريق، وأكوام الركام، كانت مشاهد مروعة"، يسرد عمر.

ويستكمل قائلًا: لدى وصولنا قرى(إغيل ، تلات يعقوب، تاسافت)وجدنا الجثث ملقاة على الأرض، الأهالى ينعون ذويهم، ومنهم من يهيل التراب فوق رأسه؛ باحثًا عن بقية أفراد عائلته التى اختفت تحت الأنقاض. تم تقسيمنا إلى عدة فرق، وكنت ضمن فريق مكون من 4 أفراد، وتوجهنا إلى أول منزل متهدم، بدايةً استعنا بأحد أفراد الأسرة ليرشدنا إلى أماكن الضحايا بداخل المنزل وقت وقوع الزلزال، ثم بدأنا عملية البحث عن المفقودين وكنا نحاول الاستدلال على أماكن الضحايا من خلال أصواتهم، وعقب إخراج الضحية نسلمها لفريق مساعد يقوم بدوره بنقلها إلى المروحيات. ظللنا نبحث عن ناجين طوال الأيام الخمسة الأولى، والأهالى تعاونوا معنا لإنقاذ العالقين ـ يقول عمر ـ وبعد ذلك بدأنا انتشال الجثث لمدة أسبوع، مستدلين بروائح تلك الجثث حتى نتمكن من تحديد أماكن تواجدها.

يضيف عمر، صعوبات تضاريس المناطق الجبلية جعلت المهمة شديدة الصعوبة، إضافة إلى عدم توفر معدات البحث والإنقاذ الحديثة مثل أجهزة القياس الحرارية التى تساعد على تحديد أماكن العالقين، فاستخدمنا مقص لقطع الحديد وفأس، ومعاول الهدم البدائية.

وعن أكثر ما آلمه، يقول عمر: إن مشاهد أشلاء الجثث المتناثرة بكل مكان، وصرخات أطفال تحت الأنقاض لم نسطع الوصول إلي كثير منهم، لا تغيب عن عينى.

يستكمل عمر حديثه، قائلًا: لقد تمكن فريقنا من إنقاذ 8 عالقين، بينهم طفل عمره 8 سنوات، كان يصرخ ثم يخفت صوته ثم يتوقف تماما ، وما بين لحظتى الصراخ والصمت كان الرعب يتملكنا من احتمال فقدان أثر الطفل.

استغرق تتبع بكاء الطفل ساعات طويلة إلى أن وصلت إليه ـ الحمدلله ـوبعد خروجه حضنته بفرحة لا توصف كأنه مولود جديد، أما هو فكان فى حالة صدمة وجسمه يرتجف، إلى أن سلمته لأهله، الذين دخلوا فى نوبة بكاء هيستيرية وهم لا يصدقون أن ابنهم كُتب له عمر جديد.

نتعرض للموت!

"نتعرض فى كل لحظة للموت"، هكذا يصف عمر المخاطر التي يواجهها عناصر الإنقاذ، ويستكمل شارحًا: "إن الدخول ـ على سبيل المثال ـ تحت سقف منزل منهار، يعرضنا لخطر انهيار بقية الأجزاء فوق رؤوسنا، إضافة إلى احتمالية تعلق القدم بين الأنقاض أثناء البحث، ويصعب إخراجها بسلام، وقد تعرضت لهذا بالفعل".

أما بالنسبة للآثار النفسية التى تتركها تلك المهام بداخل عناصر الإنقاذ، يقول عمر: تؤثر بالتأكيد على السلوك الاجتماعى بشكل عام، فـقد أصبحت أميل للوحدة، ونومى متقطع وأحيانًا لا أسطيع النوم لعدة ليالٍ، فالمشاهد المروعة تمر مثل "شريط" أمام عينى طوال اليوم.

وعن الوضع الآن، يقول: إننا مازلنا نعمل على تجهيز قوافل محملة بالمواد الغذائية لنقلها إلى الأسر المتضررة فى بعض المناطق مثل قرية "أغبار" بالحوز.

وناشد عمر بأهمية الدعم النفسى للمتضررين والمنقذين على حد سواء، وتوفير بيوت متنقلة لمن فقدوا منازلهم؛ فالخيام غير مجهزة للتكيف مع فصل الشتاء الذى تصل درجات الحرارة خلاله فى تلك المناطق الجبلية إلى -4 و-5 .

توقف عمر فجأة ولم يُكمل حديثه، ثم قال لى "لقد عاد شريط الأحداث إلى ذهنى مجددًا، لا أستطيع الاستمرار في الحديث، أستأذنك لنكمل في وقت آخر" .

مناطق بدون مياه للشرب

بينما كان المصابون بقرى "الحوز" ينتظرون وصول فرق الإسعاف، شرع هشام بلعطار رفقة آخرين فى تقديم الإسعافات الأولية لهؤلاء الجرحى، ونقلهم إلى أقرب نقطة يمكن لسيارات الإسعاف الوصول إليها، فالطرق لم تسمح بدخول تلك السيارات إلى المناطق السكنية.

بلعطار ـ أحد المتطوعين لإنقاذ ضحايا الزلزال ورئيس اتحاد جمعيات المجتمع المدنى بمنطقة "أوريكة" فى إقليم الحوزـ ينقل تفاصيل تجربته قائلًا: أنا من سكان منطقة "أوريكة"، لحظة وقوع الزلزال شعرنا بهزة قوية وكأن الأرض تزلزلت تحت أقدامنا لجزء من الدقيقة، استيقظ طفلاى(آدم  11 سنة و ريان 16 سنة )من نومهما مهرولين نحوى؛ وهما يرتجفان خوفًا، وفى تلك الأثناء انقطع التيار الكهربائى وشبكات الاتصال أيضًا، فلم نستطع التواصل مع الآخرين أو طلب النجدة، خرجت وزوجتى وطفلاى إلى الشارع فوجدنا الجميع يهرول، البعض حُفاة والبعض خرج عاريًا من منزله، الجميع يصرخ ويهرول فى مشهد أشبه بـ"يوم القيامة".

وفى صباح اليوم التالى ذهبت ومجموعة من المتطوعين إلى القرى الأقرب إلى مركز وقوع الزلزال وهى(إغيل وثلاث يعقوب وإجوكاك)، وجدنا الانهيارات الصخرية قد أغلقت الممرات والطرق، فكان الدمار كبيرا، حتى إننا لم نسطع إدخال معدات الحفر وإزالة الركام لوعورة الطرق؛ لذا اعتمدنا على الأدوات البسيطة مثل الفأس .

بدأنا على الفور تقديم الإسعافات الأولية للمصابين، وتوزيع المواد الغذائية، وعبوات مياه الشرب حيث فقدت تلك المناطق مصادر المياه وتمر بأزمة لاعتمادها على مياه الآبار، وسجلت ذاكرتنا العديد من المشاهد المؤلمة، من بينها أب جالس فوق حطام منزله المنهار،  محاولًا البحث عن زوجته وأولاده الخمسة، دون جدوى .

يتابع بلعطار قائلًا: لا تزال بعض المناطق تعانى أزمة فى المياه، نظرًا لجفاف الآبار تمامًا بسبب الحركات الأرضية المصاحبة للزلزال، من بين هذه المناطق"أوريكة"، وهناك مناطق أخرى تحاول التغلب بشكل مؤقت على هذه المشكلة باستخدام خزانات مياه متنقلة، وبعض المناطق الأخرى لا تزال آبارها لم تجف لكن بها رواسب وأتربة، و بمرور الوقت المياه تبدأ هذه المياه فى التحسن وتتنقى ذاتيا من الطين والشوائب التى خلفها الزلزال.

ويشير بلعطار، إاى مشكلة نقص الخيام، ويقول: فى بعض المناطق تلجأ عدة أسر للسكن فى خيمة واحدة، وفى المناطق التى لم تتدمر بشكل كلى تقوم عائلات باستضافة أسر فى منازلهم، ونعمل الآن  كمنظمات مجتمع مدنى على تجهيز الخيام بما يناسب فصل الشتاء، وبالنسبة للطلاب هناك قرى بها خيام للتدريس.

يختتم بلعطار، قائلًا: لا تزال مشاهد الضحايا عالقة بذاكرتى وأشاهدها أثناء نومى، وأبنائى يعانون نوبات فزع، تطاردهم الكوابيس وفى حاجة إلى علاج نفسى مثل أطفال كثيرين بعد الزلزال.

رائحة الجثث!

شريط ذكريات تلك اللحظات المفجعة، لم يعلق بذاكرة بلعطار فقط، بل يتقاسمه معه، محمد سنى ، (37 سنة)ويعمل صائغ، تطوع لمساعدة الضحايا بمناطق الزلزال ، يقول محمد: قطعت المسافة مع مجموعة من المتطوعين من مدينة "الصويرة "ـ موطنى ـ عقب وقوع الزلزال إلى فوق جبال أطس حيث القرى المنهارة، تحديدا قرية "تافنجيرت".

ويوضح الأسباب التى دفعته للذهاب رغم معاناة الطريق، قائلًا: رسالة استغاثة من إحدى الأسر في "الحوز" بأن المساعدات لا تصلهم، قرأتها عبر مواقع السوشيال ميديا، فقررت على الفور الذهاب وجمعت مع زملائى المتطوعين مبلغا من المال، وقررنا أن نصعد الجبل ومعنا أدوات الحفر لإخراج العالقين.

الطريق استغرق يومين؛ فالطرق كانت مغلقة بسبب سقوط أحجار الجبل ـ يوضح محمد ـ ولدى وصولنا بدأنا بتوزيع بعض الأدوية الضرورية ، ونصب الخيام، فعددها لا يكفى الأسر، وموقع تلك القرى البعيدة جعل المساعدات ومنها الخيام لا تصلها بسهولة، بل كانت الإنزال الضرورى يتم عبر أحبال تتدلى من طائرات "الهليكوبتر".

ولكن المشكلة الأكبر تكمن في أن الخيام لا تناسب طقس الشتاء ، فالثلوج بتلك المناطق يصل ارتفاعها لأكثر من متر ونصف المتر، فوق سطح الأرض، لذا هناك محاولات لبناء قرى داخل ضواحي تابعة لمدينة مراكش لنقل سكان تلك القرى إليها فور الانتهاء منها.

وعن أكثر الصعوبات التي واجهوها أثناء عملهم الإغاثى ـ يوضح محمد ـ رائحة الجثث والحيوانات النافقة تحت الأنقاض كادت تخنقنا، إضافة إلى ما تنقله من أمراض.

ومن المشاهد التي لا تزال محفورة داخلى، لزوج كان يبحث عن أبنائه الثلاثة وزوجته بين الأنقاض ، وهو يصرخ ويقول :" لم أستطع إنقاذ واحد منهم، ضاعت حياتى، وحاولنا مساعدته لكن دون جدوى ، وأخبرنا أنه حينما وقع الزلزال كانت زوجته في غرفة، بينما كان أبناؤه في غرفة أخرى، وجميعهم كانوا يستغيثوا، كانت لحظات مميتة بالنسبة له ، فإلى أين يذهب ومن ينقذ أولاً ! يقول الأب المكلوم: "وفى النهاية الجميع ماتوا" .

يواصل محمد حديثه ـ بنبرة حزن وكأنه لا يزال في عين المكان ـ حاولت أيضًا أن أخفف الضغط النفسى عن هؤلاء الأطفال الذين عاشوا أوقاتا مرعبة، إضافة إلى أن بعضهم فقد الأب أو الأم أو كليهما، ففكرت في تقديم عروض بهلوانية، حيث إننى لدى خبرة بألعاب السيرك.

مصابون لكنهم مسعفون!

ومن بين المصابين من عمل في جهود الإنقاذ أيضًا! .. يبدو الأمر غير مألوف ولكن في حالة كارثة زلزال الحوز لجأنا لكل شيء، هكذا بدأ جمال بوحامد، حديثه لـ"اليوم السابع"، فهومن منطقة "تيزىنتاست"، تابعة لإقليم "تارودانت"، وأحد المصابين فى الزلزال، وفى الوقت نفسه أنقذ بقية عائلته رغم إصابته .

يروى جمال تفاصيل ذلك اليوم المشئوم، قائلًا : كانت الهزات شديدة، وبرق يشق السماء بلونه الأزرق، و نسمع دوى صرخات بالخارج ، حقا كان المشهد مرعبا ، لدرجة أننى للوهلة الأولى تصورت أنه "يوم القيامة"، ليس زلزالا، وبدأت أردد الشهادة، وفى تلك الأثناء تساقطت حوائط منزلنا والأسقف فوق رؤوسنا، حاولت إنقاذ أمى وإخوتى والحمدلله نجونا بأعجوبة، وفررنا من المكان لا نشعر بأجسادنا وما حل بها.

لقد أُصبت إصابات بسيطة فى أحد ساقى، يقول جمال، بينما أمى لا تزال تتلقى العلاج بأحد المستشفيات، ومنزلنا تهدم بالكامل والآن نقطن خيمة صغيرة.

ويستكمل رواية ذكريات يوم الزلزال، قائلًا: فور نجاحى فى الخروج من تحت ركام منزلى انطلقت رغم إصابتى، لأطمئن على خالى وخالتى وأسرتيهما ، ولكن للأسف وجدت منزليهما قد تحولا إلى أكوام من التراب ، كان هول الصدمة كبيرا حينما علمت أن خالى وزوجته و3بنات أسفل هذه الأكوام.

سارعت ومجموعة من شباب القرية مع فرق الإنقاذ، للبحث عنهم بين أكوام التراب، وبعد ساعات وجدنا خالى فقط، بينما زوجته وبناته قد فارقوا الحياة، وتواصلنا مع "الوقاية المدنية" التي أرسلت طائرة مروحية لنقل أمى وبقية المصابين إلى المستشفى.

أكد جمال، أن وجود فرق الإنقاذ من جهات مختلفة داخل المملكة ومن خارجها أعطاهم دعما معنويا كبيرا، وصفه "لن ننسى أن هناك من كانوا يسعون لإنقاذ ذوينا، دعمونا بكل قوتهم".

لم تكن قصة جمال الأكثر إيلامًا ، فربما كانت قصة الحاج "أبو أحمد" أكثر فظاعة، فيقول راويا مشهد فقده أسرته بين أنياب ذلك الزلزال ، بينما كنا نستطلع آراء المتضررين حول عمل فرق الإنقاذ، "كنت بين الأموات بل إننى كنت على حافة الموت ، ألتقط أنفاسى الأخيرة، وفجأة وجدت يدًا تمتد لإنقاذى وإخراجى من تحت الأنقاض، إنه أحد أعضاء فريق الإنقاذ، وأصيب فى يده أثناء إخراجى .

يستكمل "أبو أحمد" روايته قائلًا، لقد سقط سقف المنزل فوقى وابنتى في حضنى، بينما كنا نياما حينما وقع الزلزال ليلًا، لم أستطع الحركة وظلت ابنتى في حضنى ، أسمع صرخاتها متألمة وأخذ صوتها يخفت تدريجيا بينما رجفات جسدها تزداد، كل هذا كنت أشعر به ، ولكن لا أستطيع إنقاذها فحطام السقف فوقنا والركام يحيط بنا من كل جانب، وظلت هكذا إلى أن فارقت الحياة، وقت أن تم إنقاذى وجدوا جثتها في حضنى ويدى ممسكة بيديها، المنقذون بكوا وهم يأخذون جثتها منى .

آثار نفسية

يترتب على العمل فى مجال إنقاذ ضحايا الكوارث الطبيعية مثل الزلازل آثار نفسية ، تفندها الدكتورة نيكول هانى، قائلًة إن أعضاء فرق الإنقاذ يعيشون حالة صراع يتمثل فى سباقهم مع الوقت لإنقاذ العالقين، وبين آلام مشاهد انتشال الجثث، البعض ينتابهم شعور بالذنب لعدم قدرتهم على إنقاذ المستغيثين بهم، هذه المشاعر تُترجم إلى كوابيس من صرخات الضحايا وأصوات استغاثاتهم، ويظلوا لأسابيع طويلة يعانون اضطرابات النوم.

تستكمل الدكتورة نيكول ، قائلة: يتعرضون أيضًا لنوبات بكاء هيستيرية، وتختلط مشاعر الحزن بالفرح ما بين حزنهم للفشل فى إنقاذ البعض، وفرحتهم لتمكنهم من إنقاذ آخرين، والعجز عن إنقاذ العالقين يخلق ردود فعل نفسية عنيفة على المديين القصير والبعيد، سواء على مستوى الشعور أو الإدراك أو الانفعال أو الصحة العضوية أيضا، فسيطرة الشعور بالحزن والذنب يخلق مشاهد مؤلمة تظل عالقة بالذاكرة، وهذا يؤثر على الصحة الجسدية أحيانا، إضافة إلى تأثيرات على الجانب المهنى والاجتماعى للمنقذين.

وأكدت الدكتورة نيكول، أن أكثر من 60 % من المنقذين يحتاجون لخدمات الرعاية النفسية وبرامج علاجية نفسية، مثل الإسعاف والدعم النفسى الاجتماعى، و20% يحتاجون لعلاجات نفسية متخصصة، إصابة بعضهم بهلاوس سمعية وبصرية ونوبات هلع، وفقدان تدريجى للتركيز.

وتنعكس أيضا آثار تلك الساعات التى يمضونها بين الركام والجثث على سلوكهم مع عائلاتهم، حتى إن بعض الفرق تتعرض لصدمة نفسية جماعية، بعد مشاهد الجثث والدمار التى يعايشونها لأيام متواصلة.

وتشدد الدكتورة نيكول على ضرورة مراعاة الجانب النفسى لأعضاء فرق الإنقاذ حتى لا تؤثر على سلوكهم بشكل دائم.

ومن جانبها تضيف، الدكتورة إخلاص فران متخصصة فى تحليل السلوكيات بالمغرب، قائلة إنه فى كل من الأعاصير والزلازل النتيجة واحدة الفقدان والضغط الناتج عن الخوف، فيحتاج كل من المنقذ والمتضرر أو الضحية إلى مرافقة وعناية نفسية تتطلب دعمًا حقيقيًا من المتخصصين. بالنسبة إلى العاملين بفرق الإنقاذ والإسعاف فهم أشخاص يعيشون تحت ضغط كبير، وهذا الضغط يزداد حدًة في إطار الكوارث والأحداث المؤلمة، ولذا فهم يحتاجون اكتساب مهارات كالتعامل مع الضغط والتوتر ومع الموت أيضا، وحتى التعامل مع الأحداث القاسية، والنتائج السلبية كالفشل فى مهامهم.

تستطرد الدكتورة إخلاص، قائلة: بالنظر إلى جسامة ما حدث في المغرب وليبيا، وبسبب عدد الضحايا الكبير ، كانت المعاناة النفسية للمنقذين والمسعفين أكبر ، وما ترتب عليها من آثار نفسية لدى محيط الضحايا، لذلك هم بحاجة إلى المرافقة النفسية كما هو الحال بالنسبة للضحايا، فقد يكون الضغط ليس فقط خارجيا أو متعلقا بالأحداث، فكثير ما يكون الضغط داخليا بسبب ما يتوقعونه من أنفسهم من نجاحات وعدم الرضا بالإخفاقات.

وبالنسبة للمخاطر النفسية التى قد يتعرض لها أعضاء فرق الإنقاذ فهى تشمل التوتر المزمن، الإحباط والكآبة ، الإدمان ومشاكل أخرى بسبب عدم القدرة على التعامل مع الضغط والأحداث.

وتضيف الدكتورة إخلاص، أنه من الضرورى العناية بنفسية عناصر الفرق الصحية وفرق الإنقاذ، فالأمر يستلزم المرافقة والرعاية النفسية في كل واقعة أو كارثة، وهذه المرافقة تتطلب الاستشارات مع متخصصين ومساندة المرافقين النفسيين. وبالنسبة إلى الأمراض الجسدية التى قد تنتج عن تلك الحالة النفسية، فهي مرتبطة بالضغط والخوف المزمنة وحتى الحزن، جميعها قد ينتج عنه ضغط شريان، مشكل في التنفس او ارق. مشكل او عسر في الهضم، مشكلة في الغدد، الامراض النفسية متعلقة بالضغط والتوتر المزمن، الاكتئاب ، الفوبيات.

وتستكمل الدكتورة إخلاص حديثها، قائلة إن التعامل مع الضحايا وفرق الإنقاذ يتطلب الكثير من الخصوصية والتعاطف دون الحكم أو تغيير حقيقة ما يشعرون به؛ لذلك فحصص متواصلة مع مختصين تخفف كثيرًا من آثار الكوارث عليهم، كما أن الضحية تحتاج إلى تطوير مهارات جديدة للتصالح مع الأحداث وتقبل الحقائق الجديدة والصمود أمامها.

رد رسمي

وفى سياق توضيحه لأسباب عدم توفر خيام لبعض الأسر حتى الآن، وفق روايات شهود العيان، يقول الدكتور إسماعيل شعوف نائب مجلس مقاطعة مراكش بالمغرب، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن هناك مبانٍ لحقها أضرار جراء الهزات الارتدادية اللاحقة على الزلزال، وتتم دراسة الاحتياجات المستجدة لتوفيرها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى، كما أن وعورة الطرق الجبلية المؤدية لتلك القرى تعيق وصول المساعدات بشكل سريع لها.

وأكد شعوف، أن الجهات المسئولة والحكومة المغربية منذ اللحظات الأولى تواصل العمل ليلا ونهارا حتى انتهت من إيواء جميع الأسر التى فقدت منازلها وتوفير الخيام، وكانت آخر منطقة تم تغطية احتياجاتها منطقة" إغيل"، والتى تبعد حوالى 70 كيلو مترا عن مراكش، وكانت المنطقة الأصعب فى الوصول إليها بسبب وعورة الطرق وتم استخدام "الهليكوبتر" والدواب لنقل المساعدات إليها، وأيضًا مناطق (امينتاوان، اظيلال) وسط المغرب.

ناجون من الزلزال فقدوا منزلهم
ناجون من الزلزال فقدوا منزلهم

وأضاف شعوف، أن المغرب بصدد الانتهاء من إحصاء البنايات المتضررة جزئيا وكليا خلال أيام، فى الأقاليم الخمسة المتضررة، وهى (تارودانت، والحوز، وشيشاوة، مراكش، ورزازات).

وأوضح شعوف، أن هناك فرق مكونة من كل من ممثلى المجالس المحلية بالمغرب، وممثلين عن المختبر العلمى ومهندسين، ومندوبين من الوكالة الحضرية (هيئة مكلفة بالتخطيط الحضرى)، يقومون بعملية حصر المبانى المتضررة وتحديد درجات الأضرار، ثم يتم تصنيفها إلى ثلاث فئات وهى: (بناية تستدعى الهدم الفورى، بناية تستدعى الهدم الجزئى، وبناية تستدعى التدعم) ، وسيتم استصدار قرارات فورية لإنجاز العمل الخاص بالمبانى المتضررة، و الهدم الفورى للبنايات التى تندرج تحت الفئة الأولى، وترميم الأخرى.

الماشية النافقة ..خطر!

وعلى صعيد المجتمع المدنى، يقول محسن الحسنى ، رئيس هيئة الهلال الأحمر بإقليم شيشاوة: "لا يزال المصابون يتلقون العلاج في عدد من المستشفيات"، والجميع يترقب حلول فصل الشتاء و ما يحمله من مفاجآت، بقلق كبير، فقد تكون هناك ثلوج وأمطار كثيفة، ونحن كمجتمع مدنى نتخذ إجراءات استباقية استعدادا للشتاء، على سبيل المثال، نبدأ ببناء الأجزاء المتهدمة من المنازل، حتى ننقل الأسر إليها.

رئيس الهلال الأحمر بشيشاوة
رئيس الهلال الأحمر بشيشاوة

يضيف الحسنى: نحن نعول على المساعدات من داخل المملكة وخارجها، لتجاوز هذه المحنة وتداعيات هذه الكارثة، لكن بالتأكيد مثل هذه الكوارث تستلزم فترة طويلة للتعافى، خاصة أن عددا كبيرا من هؤلاء فقدوا موارد رزقهم ، فجزء كبير من سكان تلك القرى كان يعتمد على الماشية التي نفقت غالبيتها، كما أن هناك خسائر كبيرة في البنى التحتية أيضا. وأشار الحسنى، إلى أن هذه الكارثة كشفت أن المنازل بتلك القرى غير مطابقة للمواصفات اللازمة للحفاظ على أرواح السكان، ولا يزال العمل جاريا لاستخراج جثث الحيوانات والماشية المنتشرة تحت الأنقاض، وأصبحت تمثل خطرا على صحة الأهالى القاطنين في الخيام، وهذا تحدٍ آخر يواجه المغرب، ونتعاون مع السلطات المحلية في هذا الأمر .

0c6d7cc6-c6d5-4eb2-8b4e-8694396bdc5f
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة