1- حين انتهى سامى شرف من كتابة مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»، التى صدرت عام 2014 فى خمسة أجزاء وكتبها بنفسه على الكمبيوتر، سأله صديق عزيز عليه اطلع عليها: «لماذا لم تكتب من أنت؟.. من أين أتيت؟ وكيف نشأت؟، فأضاف إليها سنوات نشأته الأولى، إضافة إلى ما كتبه عن سنواته التالية التى شهدت وجوده فى قمة دولاب حكم مصر مديرا لمكتب جمال عبدالناصر، وعاما مع السادات، ثم دخوله السجن لسنوات، وفى هذه المذكرات التى كتبها فى 1540 صفحة موزعة على خمسة كتب، يقول:
ولد يوم 26 إبريل 1929 فى مصر الجديدة، لكن والده الطبيب عبدالعزيز محمد شرف الذى كان مفتشا لصحة بندر الجيزة سجله فى مكتب صحة الجيزة، ويذكر أن أصول عائلة والده ترجع إلى قبائل عربية استقرت فى مديرية «محافظة البحيرة» مركز شبراخيت وإيتاى البارود، وتعود فى نسبها إلى الشاعر حسان بن ثابت شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام، أما عائلة والدته فتعود إلى قبيلة الصوالح التى هاجرت من الأراضى الحجازية إلى المغرب ومنه إلى مصر، حيث استقرت فى إقليم البحيرة، وكانت جدته لوالدته من عائلة النواوى وجدها الأكبر الشيخ حسونة النواوى شيخ الجامع الأزهر.
كانت والدته من أوليات من انضممن للتعليم فى المدرسة السنية فى العقد الأول من القرن العشرين، وحصلت على الشهادة الابتدائية ثم الكفاءة، وأتقنت اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وسهرت على تربية أبنائها وتعليمهم أفضل تعليم، وعلمتهم عزف الموسيقى، ويذكر: «شجعتنى على تعلم أصول العزف على البيانو والهارمونيكا، وكانت تشجعنا على القراءة ليس فقط باللغة العربية ولكن بالفرنسية والإنجليزية، ومن هنا فقد كانت إجادتنا كلنا للغات منذ الصغر، بل إن شقيقى السفيرين أجادا لغات البلاد التى مثلا فيها مصر «فرنسا، تركيا، السويد، الاتحاد السوفيتى، الصين، باكستان».
حصل على شهادة الثانوية العامة القسم العلمى بنسبة تقارب الـ60 % عام 1945، وقرر والده أن يلحقه بكلية الطب وبالفعل تقدم إليها لكنه بقى فيها يومين فقط ثم قام بالتحويل إلى كلية التجارة وبقى فيها عاما، لكنه كان يخطط لالتحاقه بالكلية الحربية التى تمنى الالتحاق بها، وبالفعل تحقق له ذلك فى سبتمبر 1946، وتخرج فى أغسطس 1948 وكان من أبرز خريجى دفعته الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، والتحق بسلاح المدفعية.
2- لا ينسى سامى شرف أول مرة التقى فيها مع جمال عبدالناصر الذى أصبح مديرا لمكتبه فيما بعد، ومن شدة تعلقه وارتباطه بالزعيم الخالد يحدد عدد الساعات والأيام والسنين التى قضاها معه، قائلا: «قضيت مع ناصر 18 عاما أى نحو 6480 يوما وما يقارب 155 ألفا و520 ساعة»، ويتذكر: «كان اللقاء الأول مع جمال عبدالناصر فى آواخر سنة 1951 عندما التحقت بدورة عقدت فى مدرسة الشؤون الإدارية تمهيدا لرتبة اليوزباشى «النقيب»، وكان هو يقوم بتدريس مادة التحركات والمخابرات فى هذه الدورة التى ألغيت بعد أسابيع ثلاثة بسبب حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، وإعلان حالة الطوارئ فى الجيش، ضمن قرار بإلغاء كل فرق الدراسة والتدريب بالجيش، ولكن رغم ذلك فقد أتاحت لى هذه الدورة التدريبية فرصة لقاء مباشر معه، الذى طلب أن أمر عليه فى مكتبه، وعندما ذهبت إليه استقبلنى بود، ودار حديث حول أدائى فى الدورة، وأعجب بالنوتة الخاصة بى، كما قال لى على وجه التحديد: «إذا استمررت بهذا الأسلوب فسيكون لك مستقبل يبشر بالخير، وأنا متنبئ لك بمستقبل كويس».
3 - فى 26 يوليو 1952 وبعد قيام ثورة يوليو بثلاثة أيام تولى الإشراف ومراقبة البرقيات الصادرة والواردة من وإلى المراسلين الأجانب فى مصر باعتباره يجيد الإنجليزية والفرنسية، ثم اختير فى هيئة جديدة تم تشكيلها باسم «هيئة مراقبة الأداة الحكومية»، وكانت بمثابة هيئة الرقابة الإدارية الآن، ثم كان من العناصر الرئيسية التى أسهمت فى تكوين جهاز المخابرات العامة تحت رئاسة زكريا محيى الدين، واستمر فى عمله بالجهاز حتى استدعاه زكريا محيى الدين يوم 19 مارس 1955 ليبلغه باختيار جمال عبدالناصر للعمل معه سكرتيرا للمعلومات، ويذكر: «بدأ العمل فى سكرتارية الرئيس للمعلومات فى أواخر مارس 1955 بثلاثة أفراد وفى غرفتين اثنتين وجهاز تيكرز لوكالة الأنباء العربية «رويترز»، وكانت تبث أنباءها باللغة العربية والإنجليزية فقط فى ذلك الوقت، وتليفون واحد وموتوسيكل واحد.
فى 27 إبريل 1970 أصدر عبدالناصر قرارا بتعيينه وزيرا للدولة، ويذكر أنه فى 28 يونيو 1970 كلفه بأن يقوم بدراسة وبحث مشروع قرار جديد خاص بتشكيل مجلس للأمن القومى يكون مسؤولا عن عملية صنع القرار بالكامل فى شقيه الداخلى والخارجى.
4 - يسجل سامى شرف فى مذكراته بأجزائها الخمسة شهادته عن كل المعارك الوطنية التى خاضتها مصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى بقيادة جمال عبدالناصر، بالإضافة إلى الفترة القصيرة التى عمل فيها مع الرئيس السادات، وانتهت باعتقاله وإيداعه السجن فى حركة 15 مايو 1971 مع كبار المسؤولين الذين عملوا بجوار عبدالناصر، يذكر معركة تأميم قناة السويس وما أعقبها من العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ومعركة بناء السد العالى ورفض أمريكا والبنك الدولى تمويل تشييده، ويتحدث عن الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 ثم الانفصال فى سبتمبر 1961، ثم قرارات التأميم والتوجه الاشتراكى منذ عام 1962، والاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى، وحرب اليمن، ومعارك إسقاط حلف بغداد، والصراع مع جماعة الإخوان الإرهابية والذى شهد محاولتها اغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية أكتوبر 1954، ثم تنظيم سيد قطب الإرهابى عام 1965، ونكسة 5 يونيو 1967 والصراع مع عبدالحكيم عامر، ويروى تفاصيله، مؤكدا على انتحاره، ثم مؤتمر القمة العربية الطارئ الذى دعا إليه جمال عبدالناصر لوقف حمامات الدم فى الأردن بين الجيش الأردنى والفدائيين الفلسطينيين والمعروف بـ«مذابح أيلول الأسود»، وانتهى هذا المؤتمر بوقف القتال، وبعده بساعات قليلة توفى جمال عبدالناصر يوم 28 سبتمبر 1970 على أثر الجهد الخارق الذى بذله فى المؤتمر.
ولا يترك سامى شرف، شاردة أو واردة خلال هذه السنوات إلا وتناولها مدافعا صلبا عن جمال عبدالناصر ومعاركه، ومفندا لكل دعاوى التشكيك فيها بالأدلة والبراهين، حتى أنه يمكن القول عنه بأنه كان «أرشيف يمشى على قدمين عن هذه المرحلة».
5 - تولى السادات الحكم بعد عبدالناصر، لكن سرعان ما دب الخلاف بينه وبين كبار المسؤولين الذين عملوا بجوار عبدالناصر، وكان على رأسهم على صبرى نائب رئيس الجمهورية، وشعراوى جمعة وزير الداخلية، والفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، ومحمد فائق وزير الإعلام، وكان سامى شرف من هؤلاء، وتقدموا جميعا باستقالتهم يوم 13 مايو 1971، وانتهى هذا الفصل من الخلاف أو الصراع بحسمه من السادات لصالحه والقبض عليهم ومحاكمتهم وسجنهم.
يذكر سامى شرف فى مذكراته، قائلا: «فى الساعة صباحا حضر إلى منزلى أحد ضباط الحرس الجمهورى برفقة شخص يرتدى ملابس مدنية ليبلغانى بصدور تعليمات بتحديد إقامتى فى منزلى، وصدر الأمر باعتقالى يوم 16 مايو 1971، وتقديمى للمحاكمة مع كل رجال الرئيس جمال عبدالناصر الذين بادروا بتقديم استقالاتهم، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء التنظيم الطليعى وقيادات الاتحاد الاشتراكى وأعضاء مجلس الأمة، وكان مجموع عددنا 91، كما وجهت لنا جميعا تهمة واحدة هى الخيانة العظمى والعمل على قلب نظام الحكم بما عرف بثورة مايو أو ثورة التصحيح أو القضية رقم 1 المدعى الاشتراكى لسنة 1971، وكما سميناها نحن «انقلاب الرئيس السادات على ثورة يوليو أو انقلاب مايو».
6
رحم الله سامى شرف الذى أهدانى مذكراته، وكان دائم الاتصال بى مشجعا لما أكتبه، وكريما فى توضيح استفسارات لى، ومبادرا بتقديم معلومات لا أعرفها، وسائلا عن أحوالى الشخصية إن أطلت فى عدم الاتصال به.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة