سلطت دراسة حديثة أعدها المركز المصرى للفكر والدراسات ، الضوء على اتجاه الحكومة لتعظيم دور القطاع الخاص في مصر، وأكدت أن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ منذ عام 2016 ، شجع القطاع الخاص على زيادة مساهمته في دفع الناتج المحلي للبلاد، وذلك من خلال إجراء الإصلاحات النقدية الهادفة إلى احتواء معدلات التضخم، ورفع كفاءة أداء سوق النقد الأجنبي بما يؤثر على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ويدفع بمزيد من تدفقات النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر.
لفتت الدراسة إلى أنه بجانب الإصلاحات النقدية، جاءت الإصلاحات الهيكلية من خلال إصدار قانون الاستثمار رقم 72 لعام 2017، وميكنة خدمات الهيئة العامة للاستثمار وتفعيل بعض الخدمات إلكترونيًا، وإطلاق الخريطة الاستثمارية، والعمل على تذليل العقبات التي تواجه المستثمرين وحل المنازعات الخاصة بالمستثمرين من خلال اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، بالإضافة إلى افتتاح عدد من مراكز خدمات المستثمرين في المحافظات ليبلغ إجمالي عدد مراكز خدمة المستثمرين في مصر 12 مركزًا في القاهرة (المركز الرئيسي)، والعاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، والإسكندرية، وجمصة، وبورسعيد، وشرم الشيخ، وقنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، والإسماعيلية. فضلًا عن تطوير المناطق الحرة التي وصل عددها 9 مناطق حرة عامة بدأت النشاط في الإسكندرية، ومدينة نصر، وبورسعيد، والإسماعيلية، ودمياط، والسويس، وشبين الكوم بالمنوفية، وقفط بقنا، والمنطقة الإعلامية بـالسادس من أكتوبر، فضلًا عن تبني الدولة خطة متكاملة لإصلاح البنية التحتية، وإقامة الطرق والمرافق اللازمة لجذب وتيسير الاستثمارات.
وأوضحت الدراسة أنه منذ أن اجتاح العالم وباء فيروس كورونا خلال النصف الثاني من عام 2019/2020، استكملت الدولة جهودها في الإصلاح الاقتصادي وتهيئة بيئة الأعمال من خلال تبني البنك المركزي المصري سياسة نقدية توسعية بتخفيض أسعار الفائدة لتخفيض تكلفة الاستثمار، فضلًا عن تأجيل المستحقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والأفراد بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة لمده 6 أشهر مع عدم تطبيق غرامات تأخير السداد لتوفير السيولة للمشروعات، وضمان استمرارية التشغيل، وتقليل فرص تعثر الاستثمارات، بالإضافة لمبادرات البنك المركزي الخاصة بدعم القطاعات الأكثر تضررًا كقطاع السياحة والصناعة والزراعة والمقاولات، علاوة على المميزات والحوافز الضريبية التي يتضمنها قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهة الصغر.
ولفتت الدراسة إلى أن القطاع الخاص يحتل أهمية كبيرة في الاقتصاد المصري؛ فهو يضم نحو 3.741 مليون منشأة بنسبة 99.96% من إجمالي عدد المنشآت، ويعمل به نحو 12.583 مليون مشتغل بنسبة 93.5% من إجمالي عدد المشتغلين بإجمالي أجور تقدر بحوالي 266.1 مليار جنيه بنسبة 74.2%، وذلك وفقًا لبيانات أحدث تعداد اقتصادي عام 2017/2018.
ولفتت الدراسة إلى أنه تشير بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى ارتفاع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2016/2017 وحتى عام 2020/2021، فوصلت نسبة مساهمته إلى 73.3% عام 2020/2021 مقارنة بنحو 60% في الصين، و51% المملكة العربية السعودية، و41.3% في تركيا.
وأوضحت الدراسة أن مصر انتهجت برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016 والذي تضمن محورًا خاصًا بالإصلاحات الهيكلية، بجانب محور المالية العامة ومحور السياسة النقدية والبعد الاجتماعي. وقد استهدف محور الإصلاحات الهيكلية خلق بيئة استثمارية أكثر تنافسية وتعزيز الاستثمارات الخاصة، وذلك بعد أن تولت الدولة الدور الأكبر في الحياة الاقتصادية خلال الفترة اللاحقة لمرحلة الاضطرابات السياسية والأمنية (٢٠١١-٢٠١٣) والتي ترتب عليها عدد من الاختلالات الاقتصادية، دفعت الاستثمارات الخاصة إلى الحذر والترقب.
قالت الدراسة أن الفترة الحالية تشهد تطبيق المرحلة الثانية من برنامج الإصلاحات الهيكلية في ظل ظروف اقتصادية عالمية غير مواتية نتيجة التبعات الاقتصادية للصراع في أوكرانيا، فأعلنت الدولة خطة للتعامل مع الازمة الاقتصادية العالمية تستطيع من خلالها تحقيق مستهدفات التنمية بقدر من المرونة لتتمكن من مواكبة المستجدات المحلية والعالمية، وقد جاء على رأس تحركات الدولة المعلنة خلال الفترة الحالية تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. ومن هذا المنطلق يتناول المقال مؤشرات أداء القطاع الخاص في مصر، وخطة الدولة لتعزيز دوره في النشاط الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
وأشارت الدراسة إلى أن العلاقة بين القطاعين العام والخاص عددًا من المراحل المتباينة؛ فخلال السنوات الأولى من الألفية الجديدة تقاربت مستويات الاستثمار بين كلا القطاعين، ثم ارتفعت نسب الاستثمارات الخاصة بشكل تدريجي ليقود القطاع الخاص النشاط الاقتصادي بدءًا من عام 2005/2006 حتى 2015/2016، ومع تبني الدولة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ضخت المزيد من الاستثمارات العامة في مشروعات البنية التحتية وعدد من المشروعات القومية الكبرى لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، فارتفعت الاستثمارات العامة مقابل الخاصة خلال عامي 2016/2017 و2017/2018، ثم ارتفعت الاستثمارات الخاصة مرة أخرى بشكل ملحوظ خلال عام 2018/2019، ثم عادت للتراجع نتيجة أزمة جائحة كورونا فتدخلت الدولة لزيادة الاستثمارات العامة مرة أخرى لمواجهة الأزمة وتعويض تراجع الاستثمارات الخاصة.
وأوضحت أنه بالنسبة للتوزيع القطاعي للاستثمارات الخاصة المنفذة خلال عام 2020/2021 فقد تركزت في الأنشطة الواعدة سريعة النمو، والقادرة على التكيف مع الأزمات الاقتصادية الخارجية المتتالية؛ إذ ساهم القطاع الخاص بالنصيب الأكبر في الاستثمارات الموجهة لقطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 95% مقابل 5% استثمارات عامة، يليه قطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 93% من إجمالي الاستثمارات، ثم قطاع الغاز الطبيعي، والقطاع العقاري. وفي هذا السياق، يلاحظ ارتباط تلك القطاعات بخطط التنمية التي تنفذها الدولة، فمع اتجاه الدولة لمشروعات البنية التحية والطرق والكباري والموانئ، وإنشاء المدن الجديدة، والتوسع في استكشافات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وسعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، جاءت استثمارات القطاع الخاصة متركزة في قطاع تجارة الجملة والتجزئة، والفنادق والمطاعم، والغاز الطبيعي والقطاع العقاري.
ولفتت الدراسة إلى أن بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة تشير إلى وجود اتجاه تصاعدي في عدد الشركات الجديدة المؤسسة منذ عام 2013/2014 وحتى عام 2020/2021، باستثناء عام 2019/2010 تأثرًا بتوقف النشاط الاقتصادي جزئيًا على إثر جائحة كورونا، وقد بلغ عدد الشركات الجديدة 28.5 ألف شركة برأس مال مصدر وصل إلى 84 مليار جنيه عام 2020/2021.
ووفقًا لبيانات التعداد الاقتصادي لعام 2017/2018 فإن نسبة المشتغلين بالقطاع الخاص تقدر بنحو 93.4% مقابل 6.6% بالقطاع العام وقطاع الأعمال العام. ويستحوذ قطاع تجارة الجملة والتجزئة على 39.6% من العاملين بالقطاع الخاص، يليه قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 24.1%.
وأكدت الدراسة أنه مع توسع دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي خاصة خلال فترة الاضطرابات الداخلية (2011-2013) وما تلاها خلال فترة إعادة بناء البنية التحتية بالبلاد، ثم خلال فترة أزمة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، عانى القطاع الخاص من أثر المزاحمة مع القطاع العام، وقد أدركت الدولة أهمية التخارج الكلي أو الجزئي من عدد كبير من القطاعات الاقتصادية بعدما قامت بتهيئة الطريق للقطاع الخاص للقيام بدوره الطبيعي في العملية الإنتاجية، فأعلنت الدولة وثيقة ملكية الدولة وبرنامج الطروحات العامة الذي تم إعلانه منذ عام 2018.
ولفتت الدراسة إلى أن الدولة تستهدف خلال المرحلة الحالية تعزيز دور القطاع الخاص الوطني في النشاط الاقتصادي، بحيث تصل نسبة مشاركته إلى 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال ثلاث سنوات، ويصبح قادرًا على خلق المزيد من فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي والمشاركة في إقامة البنية التحتية والمنافسة الدولية. وتتمثل خطوات الدولة في هذا الشأن في ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في: تحسين مناخ الأعمال، وإطلاق حزمة من الحوافز المتنوعة، وفتح قنوات تواصل مباشر مع القطاع الخاص.
وأشارت إلى أنه في إطار جهود الدولة لتحسين مناخ الأعمال تم الإعلان عن وثيقة سياسة مليكة الدولة، والتي يتم فيها تحديد الأنشطة الاقتصادية التي تتخارج منها الدولة تخارجًا كليًا، والقطاعات التي تشهد تخفيض أو تثبيت الاستثمارات الحكومية الموجهة إليها، والقطاعات التي تستمر بها الدولة بجانب القطاع الخاص، وذلك خلال العشر سنوات المقبلة، مع الإعلان عن المراجعة الدورية للقطاعات التي تتواجد بها الدولة.
كما تم الإعلان عن إتاحة مشاركة القطاع الخاص في عدد من أصول الدولة بما يقدر بنحو 10 مليارات دولار سنويا لمدة 4 سنوات في عدد من القطاعات الواعدة كمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، والأصول العقارية بالمدن الجديدة، وقطاع الاتصالات، وتحلية المياه، والتعليم. وتضمن جهود تحسين بيئة الأعمال تطوير منظومة الحصول على الأراضي للمشروعات الصناعة من خلال التحول إلى نظام حق الانتفاع في الأراضي الصناعية، وتسعير الأراضي وفقًا لقيمة المرافق. بالإضافة إلى صياغة استراتيجية قومية متكاملة للملكية الفكرية، وتحسين مناخ التنافسية، وتيسير إجراءات إصدار التراخيص والموافقات، وميكنة الإجراءات الضريبية والتراخيص، وتطوير الخريطة الاستثمارية لمصر.
وفيما يتعلق بالنسبة لحزمة الحوافز المعلن عنها لتعزيز مساهمة القطاع الخاص المحلي والاجنبي فقالت الدراسة أنها تشمل: الحوافز الخاصة بقانون الاستثمار والتي تتضمن نسبة 50% خصمًا من التكاليف الاستثمارية للقطاع (أ) والذي يشمل المناطق الجغرافية الأكثر احتياجًا للتنمية، ونسبة 30% خصمًا من التكاليف الاستثمارية للقطاع (ب) والذي يشمل باقي أنحاء الجمهورية، وكذلك الحوافز الخضراء التي تمنح لمشروعات الهيدروجين الأخضر، وحوافز الاستثمار في القطاع الصحي وحوافز في المدن الجديدة، والرخصة الذهبية المعروفة باسم "الموافقة الواحدة" والتي تمنح كموافقة واحدة على كل من إقامة وتشغيل وإدارة المشروع في بعض المجالات الرائدة كالهيدروجين الأخضر، وصناعة المركبات الكهربائية والبنية التحتية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة