كانت الساعة الواحدة صباح 8 أغسطس 1970، حين بدأ تنفيذ وقف إطلاق النار 90 يوما على الجبهة المصرية مع إسرائيل، طبقا لمبادرة وزير الخارجية الأمريكية «وليام روجرز»، ووفقا لجريدة الأهرام، 8 أغسطس 1970: «قالت وزارة الخارجية المصرية فى بيانها، إنها تعتبر أنه على هذا النحو يصبح الطريق مفتوحا أمام جهود السفير جونار يارنج، المبعوث الشخصى العام للأمم المتحدة المكلف بتنفيذ قرار 242».
أدى القرار عمليا إلى وقف حرب الاستنزاف التى كان الجيش المصرى يخوضها ببطولة عظيمة، بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وفى 7 أغسطس، مثل هذا اليوم 1970، أى فى الساعات السابقة على قرار وقف إطلاق النار، شهدت الجبهة قتالا عنيفا، ووفقا للأهرام، 8 أغسطس 1970: «قامت قواتنا فى الساعة الثامنة مساء بفتح نيران الأسلحة الثقيلة على مواقع العدو وتجمعاته على طول خط المواجهة، وأحدثت به خسائر فادحة، وسبق ذلك القصف المركز ضرب كثيف بالمدفعية على مواقع العدو فى القطاع الشمالى عند الظهر فألحقت خسائر كبيرة واشتعلت الحرائق فى المواقع الإسرائيلية وخاصة شرق الإسماعيلية»، إلى جانب هذا القتال العنيف كانت تدور ملحمة بطولية عظيمة، تكشفت حقيقتها فيما بعد، ويذكر تفاصيلها المشير محمد على فهمى رئيس أركان حرب القوات المسلحة عام 1975، وهو مؤسس سلاح الدفاع الجوى وقائده فى حربى الاستنزاف وأكتوبر 1973.
يذكر «فهمى» فى حوار مع «الأهرام، 28 يونيو 1976»: «فى 7 أغسطس 1970 أبلغتنى القيادة العامة للقوات المسلحة (الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية) فى الساعة العاشرة صباحا أن مصر قررت قبول وقف إطلاق النار اعتبارا من الدقيقة الأولى يوم 8 أغسطس 1970، وينص على تسكين الموقف فى جبهة القتال، أى أنه لن يسمح بعد تنفيذ الاتفاق بإدخال المزيد من قواعد الصواريخ أوتقريب حائط الصواريخ إلى قناة السويس، فأخذت أعيد حساباتى وأراجع موقف قواتى خاصة وأنها تحرز كل يوم المزيد من الانتصارات، وخسائر إسرائيل فى الطائرات والطيارين تتزايد يوما بعد يوم، وكنا على وشك أن نحقق هدفنا باستكمال بناء حائط الصواريخ، ففى كل ليلة كنا ندفع بمزيد من قواعد الصواريخ للأمام، واتصلت بالقيادة العامة، وطلبت استغلال الساعات المتبقية على بدء سريان وقف إطلاق النار لاستكمال بناء حائط الصواريخ طبقا للخطة الأصلية، وصدقت القيادة العامة، وكان ذلك يعنى أن ننجز فى ساعات قليلة ما كان مقررا فى أيام، وهكذا تحول الصراع فى الساعات الباقية إلى صراع رهيب مع الزمن».
يكشف «فهمى»: «طلبت من قادة التشكيلات مصارحة مرؤوسيهم بالموقف، وكنت أعلم تماما أنه وفقا للحسابات المجردة يصعب تنفيذ ما أمرت به، ولكنى كنت على يقين أنه فى مقدرة الجندى المصرى أن يصنع المعجزات إذا ما آمن بما يفعل، وفعلا تمكن أبطال الدفاع الجوى خلال هذه الساعات من تحقيق معجزة بكل المقاييس، وأمكنهم مضاعفة عدد القواعد المكونة لحائط الصواريخ، وامتد الحائط ليغطى كل منطقة القناة ويفرض عليها سيطرته تماما، ولعلى الآن أكون أوضحت السر وراء الضجة المفتعلة التى فجرتها إسرائيل عقب وقف إطلاق النار عندما فوجئت بالصور التى التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية صباح 8 أغسطس 1970».
كانت «القفزة الأخيرة» لاستكمال حائط الصواريخ نموذجا ملهما لبطولات حرب الاستنزاف، أما الحرب نفسها، فيذكر المؤرخ الدكتور جمال شقرة فى دراسته «شهادات إسرائيلية على انتصار مصر فى حرب الاستنزاف»، جريدة الوفد، 20 يونيو 2019: «منذ أن توقفت حرب الاستنزاف أثارت جدلا حادا واسعا داخل إسرائيل وخارجها، والثابت أن الجدل تفجر أكثر من مرة، لكن البداية كانت عندما أعلن العميد ماتى بليد MATE عضو هيئة أركان الجيش الإسرائيلى أثناء حرب الاستنزاف، والمسؤول عن شعبة الإمداد فى الجيش الإسرائيلى، فى الصحف العبرية: «أن إسرائيل منيت بالهزيمة فى حرب الاستنزاف، وأن الجيش الإسرائيلى فشل من الناحية العسكرية، وأن هذه الحرب تعد أول مرة يُهزم فيها فى ساحة القتال منذ قيام دولة إسرائيل، لدرجة أنها قبضت على أول قشة أُلقيت إليها بوقف إطلاق النار».
يضيف «شقرة»: «رصدت المجلة العسكرية الإسرائيلية، خسائر إسرائيل فى حرب الاستنزاف، وهى تقديرات لاقت قبولا من المصادر العسكرية المصرية، حيث أشارت إلى أن إسرائيل خسرت 27 طائرة دمرت تدميرا كاملا (بخلاف الإصابات)، وفقدت البحرية المدمرة إيلات وسبعة زوارق وسفن متنوعة، وتحمل كل فرد إسرائيلى نحو 417 دولارا خلال عام 1970 بينما لم يكن الإنفاق العسكرى يتجاوز 138 دولارا للفرد عام 1966، وزاد عبء الاستنزاف على الاقتصاد الإسرائيلى بنسبة 30%، بالإضافة إلى 721 قتيلا من الجنود وعدد كبير من الجرحى وأصيبوا بعاهات مستديمة، وبالجملة فإن أرباح هذه الحرب على الجانب المصرى فاقت خسائرها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة