لم يزل استمرار اشتعال الحرائق الناتج عن "الماس الكهربائي"، أزمة مخيفة مبعثها الغش التجاري، وفى الأغلب يقف ورائها المصانع غير المرخصة " مصانع بير السلم" التى تعمل فى الخفاء بعيداً عن أعين الرقابة، وتقوم بغش علامات أو منتجات شهيرة بجودة رديئة الأمر الذى يُعد جريمة شروع فى قتل لتعمد تزوير علامات تجارية لمُنتج حيوى يتسبب فى إزهاق الأرواح.
الفاعل الحقيقى فى حوادث "الماس الكهربائي" هو الأسلاك والكابلات الكهربائية المغشوشة، التى يتم تصنيعها من خلال إعادة تدوير مخلفات أسلاك الكهرباء القديمة بصهرها وفصل النحاس عنها وتخفيفه من 3 مللى إلى 1 ميللى جرام، مما يتسبب فى صعوبة تحمل هذه الاسلاك "الخفيفة" لضغط التيار الكهربائى العالي.
برغم الدور الذى تقوم به الأجهزة الرقابية المعنية بشن حملات موسعة لضبط المخالفات آخرها الحملات التى شنتها وزارة الداخلية على معاقل تقليد أسلاك ومنتجات علامات صناعية شهيرة بأشهر مناطق ذاع صيتها على مستوى الجمهورية فى "ضرب" اسلاك الكهرباء، استهدفت أكثر من 20 مصنع مخالف بمنطقة "باسوس" بالقناطر التابعة لمحافظة القليوبية، و5 مصانع بـ"الأرض الإيرانية" بالمنطقة الصناعية بالبساتين ، ومصنعين بـ "عزبة العرب" الكائنة بمنشية ناصر، ومصانع قليلة منتشرة فى مدينة "الصالحية" بمحافظة الشرقية، وبلغت جملة المحاضر التى تم تحريرها بمعرفة الأجهزة الأمنية ضد المصانع المخالفة على مستوى الجمهورية منذ بداية العام الحالى وحتى الأن ما يقرب من 700 محضر شرطة.
ولكن ظهرت العديد من المشكلات المرتبطة بالقصور التشريعي، وحدود اختصاصات، وتفعيل صلاحيات الجهات المختصة كالمحليات، ولعل أخطر هذه المشكلات هو ضعف منظومة العقوبات التى تتصدى لهذه النوعية من الجرائم بسبب قدم التشريعات، فلك أن تتخيل أن المصنع المخالف تحرر له محاضر بموجب قوانين عفا عليها الزمن كانت عقوباتها رادعه فى وقتها، أبرزها مخالفة إدارة منشأة بدون ترخيص ومخالفة المواصفات القياسية بموجب القانون رقم 2 لسنة 1939، ومحضر غش تجارى بموجب القانون رقم 281 لسنة 1994، ومحضر مخالفة العلامات التجارية بموجب القانون رقم 82 لسنة 2002، ومحضر بموجب قانون حماية المستهلك رقم 102 لسنة 2006.
الأن بات المجتمع فى حالة إلى إصلاح تشريعى بشكل يضمن تقنين وضع المصانع المخالفة، أو تفعيل عقوبات ضدها للتوقف عن الغش، مع ضرورة خلق مساحة من التكامل بين مؤسسات الدولية المعنية بالملف، لأن ما يحدث الأن هو قيام شرطة التموين ممثلة فى وزارة الداخلية بشن حملات أمنية ضد المصانع المخالفة وتحرير محاضر لها، وينتهى الأمر بقيام مالك المصنع المخالف بدفع الغرامة، واستمرار نشاط المصنع فى تقليد وغش العلامات التجارية وإنتاج مصنوعات رديئة الجودة دون رادع .
فلابد من تكامل الشق التشريعى بجانب الشق التنفيذي، لأن الهدف ليس غلق المصنع بقدر تحقيق الانضباط، وتقنين الأوضاع، ومنح التراخيص لمباشرة العمل بشكل شرعى وسط تسهيلات حكومية لأصحاب تلك المصانع لخلق بيئة عمل رسمية تتيح لتلك المصانع ابتكار علامات تجارية خاصة بها بدلاً من تقليد العلامات التجارية وإنتاج منتجات رديئة، وعدم الالتزام بالتراخيص، ودفع الضرائب، الأمر الذى يتسبب معه فى اشتعال الحرائق، التى سببها " الماس الكهربائي".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة