كمال زاخر: كان يتفق مع شركات نجارة لتجهيز عرائس الفقراء والمحتاجين
يقف التاريخ طويلا أمام بعض الشخصيات التى أثرت فى أجيال عديدة خلال وجودها فى الحياة وبعد موتها، ومن هذه الشخصيات قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ 117، الشخصية التي لقبت بالعديد من الألقاب منها بابا العرب ومعلم الأجيال والأسد المرقسى وفم الذهب وشمعة القرن وأثناسيوس القرن العشرين، وغيرها من الألقاب التي تؤكد على عظمة وقيمة ومكانة هذه الشخصية، حيث يعتبر قداسته واحداً من أعظم رجال القرن الماضى فى الفكر والإدارة والسياسة والكتابة والحكمة والمودة والرحمة والوطنية.
نشأة البابا شنودة الثالث
ولد البابا شنودة الثالث باسم نظير جيد بقرية سلام فى محافظة أسيوط في 3 أغسطس عام 1923 ، دخل دير السريان قاصدًا الرهبنة عام 1953حتى صار أسقفًا للتعليم ، والتحق بجامعة فؤاد الأول، فى قسم التاريخ، وحصل على الليسانس بتقدير ممتاز عام 1947.
بعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليريكية ، ثم دخل الخدمة العسكرية ضابطاً برتبة ملازم بالجيش، ورسم راهباً باسم (أنطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالى 7 أميال عن مبنى الدير.
بعد سنة من رهبنته تمت سيامته قساً، أمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، عمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس في عام 1959. رُسِمَ اسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وأصبح أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962.
وفى عام 1966، منحته نقابة الصحفيين عضويتها، وكان رقم عضويته 156، أصبح بطريرك الكنيسة خلفا للبابا كيرلس السادس بعد انتخابات بابوية بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971.
البابا شنودة
رسامة القساوسة والكهنة
ورسم قداسة البابا شنودة الثالث فى حياته 117 من المطارنة والأساقفة، و400 كاهن، وعدد غير محدود من الشمامسة فى القاهرة والإسكندرية، وأول بطريرك يهتم بتعليم المرأة ودخولها الكلية الإكليركية، ويعتبر أول أسقف للتعليم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما استمر 4 أعوام في اعتقالة بدير الأنبا بيشوي بعد قرارات سبتمبر1981 والتى استمر إلى 1985.
ويعتبر البابا شنودة هو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر، وأمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادر عمله كسكرتير للبابا كيرلس.
كما يعتبر البابا شنودة الثالث أول من رسم أسقفًا للشباب، وحصل على 8 جوائز عالمية، بالإضافة إلى 9 شهادات للدكتوراه ومجموع كليهما 17.
البابا شنودة
قالوا عن البابا
القس رفعت فكرى
يقول القس رفعت فكرى أمين عام مشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط ورئيس لجنة الإعلام بمجلس كنائس مصر إنه زار قداسة البابا شنودة أكثر من مرة مع الطائفة الإنجيلية في الكاتدرائية المرقسية في العباسية وكان يجده دائما في كل الأوقات رجل لطيف واصفا إياه "ابن نكتة" بالإضافة إلى أنه ذكى ولماح وحواراته شيقه وشاعر جميل وكان شخصيته قوية وواعظ قدير أستطاع أن يصل لقلوب البسطاء، مبديا إعجابه الشديد بكتاباته.
وأضاف في تصريحات خاصة لليوم السابع أنه قداسة البابا كان فى البداية صاحب فكرة مجلس كنائس مصر والفكرة تم تنفيذها بعد نياحته وكان عضواً فاعلاً فى مجلس كنائس الشرق الأوسط، موضحا أنه كان له كتاب جميل يحرص دائما على قراءته يسمى إنطلاق الروح وفيه أشعار جيدة ولديه كتب تروى خبرات من الحياة بها خبرات جيدة بالإضافة لكتب عظات وتفاسير.
الأب بطرس دانيال
وأضاف الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكى للسينما أنه ذهب إليه فى الكاتدرائية في أكثر من مرة، كان يجده في كل مرة يستقبل الفقراء ويعطيهم مساعدات مادية قبل استقباله للضيوف فى معظم الأماكن التي تواجد فيها وكانت لفتة إنسانية أكثر من رائعة.
وأوضح أنه كان لديه روح فكاهة قوية تظل فى فكر ووجدان المواطنين ومن أكثر المواقف التي تدل على إنسانيته الكبيرة زيارته للشيخ الشعراوى وقت المرض وعلاقته بأئمة وعلماء المسلمين.
كمال زاخر
ويقول كمال زاخر الكاتب والمفكر أنه كان يهتم بالفقراء وخاصة المقبلين على الزواج كانوا يأتوا إليه الكاتدرائية بشكل مباشر ويسألهم على احتياجاتهم ويعطيهم نقدا وبعد ذلك أتفق مع شركات نجارة أن تجهز لهم كل احتياجاتهم
وكان تعامله مع الفقراء بنفسه وبدون وسيط، مؤكدا أن هذه المواقف تؤكد أنه إنسان يبحث عن الحنان بأشكال مختلفة، موضحا أنه كان بينه وبين قداسة البابا حوارات خاصة كان يتميز فيها قداسته بالبال الطويل.
وطنى من الطراز الأول
لعل أبرز مواقفه اتضحت خلال حرب 6 أكتوبر 73، حيث بعث عدة منشورات إلى الجنود على الجبهة، والشعب المصرى ككل فى وقت الحرب، نادت بالدفاع عن أرض الوطن وضرورة الصمود والتكاتف.
البابا شنودة
صاحب قلم
عمل قداسته لسنوات محررا ثم رئيسا للتحرير فى مجلة «مدارس الأحد» وفى الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا فى علم الآثار القديمة، وكان خادما فى مدارس الأحد، كما كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة، وطالبا بمدارس الأحد، ثم خادما بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا فى منتصف الأربعينيات ورسم راهبا باسم «أنطونيوس السريانى» فى 18 يوليو 1954.
قداسة البابا
البابا شنودة والإمام الشعراوى
علاقته بكثير من الشيوخ والأئمة كانت قوية جدا، ولعل أبرزها علاقته مع الشيخ الشعراوى، فقد عاش البابا شنودة الثالث قبل وفاته مع الشيخ محمد متولى الشعرواى، رحمه الله، رحلة حياة تمتعت بالمحبة والصداقة وكانت قائمة على التأخى بينهما وبين شعبى مصر وبدأت العلاقة بين الشيخ الشعراوى والبابا شنودة بعد إرسال البابا شنودة وفدا من رجال الكنيسة لزيارة الشيخ الشعراوى أثناء إجرائه عملية جراحية فى لندن، وقدم له هدية عبارة عن "علبة شوكولاتة مع باقة من الورود"، بعدها زاره بنفسه وأوصى الأطباء عليه، ووضع قداسة البابا شنودة الثالث صورة الشيخ الشعراوى فى مكتبه الخاص لكى يصلى من أجل أن يتم الله شفاءه، وأن يعود إلى أرض الوطن بكامل صحته بعد إجرائه عملية جراحية فى لندن، إذ وضع الشموع تحت صورته فى لفتة إنسانية تلفها مشاعر الحب والتقدير، وعندما عاد الشيخ إلى مصر سالما، رأى أن من الواجب أن يزور البابا فى الكاتدرائية، فكان استقبال الشعراوى فى الكاتدرائية استقبالا حافلا، وكان عشرات الأساقفة والكهنة فى انتظاره، وتجمع عدد كبير من الأقباط أمام الباب الخارجى لتحيته أثناء دخوله، فكانت فرحة الجميع بالشيخ ظاهرة على الوجوه، وعلى الرغم من أن هذا اللقاء التاريخى كان مقررا له أن يستمر نصف ساعة فقط، لكنه استمر أكثر من 3 ساعات دون ملل، إذ قال الشعراوى وقتها: "من منح الله لى فى محنتى أنه جعلنى أجلس مع قداسة البابا شنودة".
عظة الوداع
شهدت العظة الأخيرة لقداسته، والتى ألقيت فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، حالة من الهياج بين المصلين الحاضرين، حيث تعالت صيحاتهم غضبا لما كانت تمر به الكنيسة من أحداث، إلا أن البابا استطاع أن يسيطر على الشعب الموجود فى صحن الكنيسة بمزيد من التحمل والحكمة.
وأوضح قداسة البابا شنودة الثالث أن الذكاء لا يجب أن يكون هو العامل الأوحد فى تصرفات الإنسان، بل إن هناك عوامل أيضا تعطل قدرات الإنسان الذكائية، كالتعصب والانفعال، الذى يجعل الشخص يخطئ حال غلبت بعض طباعه الشخصية على ذكائه، وأضاف مثلث الرحمات، أن الطمع قد يدفع الشخص لإهدار كل شىء بسبب قدرته الذكائية، وهدفه بأن يكون دوما هو الأول، مشيرا إلى أن الخبرة هى عامل مهم جدا مع الذكاء، فإن ذلك يضيف للإنسان حياة خبرة فوق حياته، سواء بما احتك به أو بما يستعين به من حياة غيره، وكانت أعداد الجمهور التى كانت تنتظر مجىء البابا للعظة - رغم شائعات مرضه وعدم حضوره - كبيرة جدا، حيث كانوا ينتظرونه فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ليسمعوا صوته فقط، ولكن أيضا ما كان لافتا للنظر هو صوت البابا فى العظة الأخيرة، وشعر البعض بعد انتهاء العظة أنها كانت كلمات البابا الأخيرة بسبب نبرة صوته الهادئة، وكلماته التى ينطقها بصعوبة لشدة ألمه ومرضه، كان يحاول أن يكون صامدا أمام المرض لأجل أحبائه، ولكن كان المرض فى أيامه الأخيرة قد وصل لأسوأ مراحله.
البابا شنودة الثالث
نعى تاريخى من الأزهر الشريف لنياحته
«فقدت مصر أحد رجالها المعدودين، فى ظروف دقيقة تحتاج فيها لحكمة الحكماء وخبرتهم وصفاء أذهانهم، ولم يكن لفقيد مصر مواقفه الوطنية وشخصيته الخيرية وسعيه الدؤوب على المستوى الوطنى فحسب، بل على الصعيد القومى، حيث عاشت قضية القدس ومشكلة فلسطين فى ضميره، ولم تغب أو تهُن أبدا، فقد بذل قصارى جهده من أجل الدفاع عنهما»، بتلك الكلمات الخالدة جاء نعى فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لقداسة البابا شنودة الثالث يوم 17 مارس من عام 2012.
المكتبة الإسلامية للبابا شنودة الثالث
ووصل اليوم السابع إلى موقع المكتبة الإسلامية لقداسة البابا شنودة الثالث بعد رحلة بحث ليجد تراث غزير وفيض كبير من الثقافة لدى قداسته في مختلف المجالات ليس فقط الثقافة الإسلامية بل وصل إلى كتب متعلقة بالجغرافيا والتاريخ واللاهوت والحضارات المختلفة.
ويوجد بالمكتبة كتب تفسير القرآن الكريم للإمام محمد متولى الشعراوى وتفسير الطبرى وتفسير القرطبى وكتب فخر الرازى وكتاب ترجمة القرآن الكريم للغة الإنجليزية وأثناء التجول في المكتبة فوجئنا بوجود مجلد كبير وعند الاقتراب منه وجدنا مصحف القرآن الكريم وكان إهداء من الجمهورية التونسية وكتب موسوعة العقاد الإسلامية والمعجم الفهرس والمجموعة الإسلامية الميسرة وكتب شرح رياض الصالحين.
الزميل محمد الأحمدى فى المكتبة الإسلامية للبابا شنودة
لم تحوى المكتبة الإسلامية لقداسة البابا شنودة الثالث على كتب تفسير القرآن الكريم فقط، ولكنها احتوت على كتب التفسير ومعالم الدين الإسلامي والإسلام وحقوق الإنسان والمعجم الصوفى وأصول الفقة في موسوعة جمال عبدالناصر وكتب أصول الفقة الإسلامي وكتب عن رسالة الملائكة لدار الأفاق الجديدة وكتاب تلبيس إبليس وكتاب فى أفاق الحوار الإسلامي المسيحى.
قصائد البابا شنودة
رهبنتة كان يكتب شعرًا (أو كما يقول هو "ما كنت أسميه شعرًا") لبعض الوقت، إلى أن تتلمذ على يد أحد الكتب القديمة فى الشعر، وهو كتاب "أهدى السبيل إلى عِلمى الخليل" لمحمود مصطفى، وبدأ يتعلم البحر والقوافى ونظم الشعر المختلفة.
وكان قداسة البابا شنودة الراحل يكتب بعض الأشعار وهو طالب حول بعض مواد الدراسة، أو فى احتفالات مختلفة، ثم بدأ بعد رهبنته فى كتابة قصائد روحية و أشعار دينية تلمس مواضيع مسيحية و روحية عدة، وتم تلحين بعضها، وأصبحت ترانيم شهيرة لجمال كلماتها، و معانيها، و أيضًا ألحانها.
وخلال السطور التالية ننشر أبرز قصائد البابا شنودة الثالث الفكاهية
1 – قصيدة في حب مصر
جعلتك يا مصر في مهجتى
وأهواك يا مصر عمق الهوى
إذا غبت عنك ولو فترة
أذوب حنينا أقاسي النوى
2 – قصيدة أحقا كانت لى أم فماتت
أحقًا كان لى أمٌ فماتت؟ أم أنى خُلِقت بدون أم؟
رمانى الله فى الدنيا غريبًا أحلقُ فى فضاء مُدلَهِمِّ
وأسال يا زمانى أين حظى بأخت أو بخالٍ أو بعم ؟؟
وأسأل عن صديق لا أجده كأنى لست فى أهلى وقومى
3 – قصيدة الجغرافيا ( شعر فكاهى )
حاجة غريبة بأدخلها بالعافية فى مخى ما تدخلشى
بنشوف فى الأطلس أمريكا و ألمانيا و بلاد الدوتشى
ماتقول لى بأى فوتوغرافيا و تقول ما تقول ما هاصدقشى
حاجة غريبة بأدخلها بالعافية فى مخى ما تدخلشى
4 – كلمات زجل "قد كنت فى غربة"
قد كنت في غربة أو كنت فى ظنٍ
ثم انثنيت، وبي شوقٍ إلى وطنى
قد خدَّروني بألفاظٍ مُنَمَّقَةٍ
وطلَّ سهرهم ينصبُّ فى أذنى
5 – يعملونى عميد ( شعر فكاهى )
ياما نفسى شهر واحد بس مش عايزه يزيد
يعملونى فيه عميد أو حتى نائب للعميد
كنت أعمل للسكاشن كلها ترتيب جديد
كنت أخلى الشخص يتخرج تقول زى الحديد
كنت أمشى الشخص منكم عالعجين مايلخبطوش
كنت ألغى قسم جغرافيا و مش ناقصين مضايقة
6 – قصيدة "يا مَنْ ستتركنا" ( شعر فكاهى )
يا مَنْ ستتركنا كَم بدي أهديكا
طبلة وكمنجة وزمارة ومزيكا
حتى تُزَمِّرَ في لهوٍ وفي طربٍ وترقصُ الجو فوقيكَ وتحتيكا
فاليوم تخرج من لومانِنا فرحًا ونحن نُترَك للتأبيد عاديكا
7 - قصيدة مناجاة للتراب
يا تراب الأرض يا جدي وجد الناس طُرّا
أنت أصلى, أنت يا أقدم من آدم عمرًا
ومصيرى أنت فى القبر إذا وُسَدتُ قبرًا.
البابا شنودة والبابا تواضروس
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة