كان الخبر قصيرا فى جريدة المصرى، وفى صفحتها الأخيرة يوم 19 أغسطس 1952، ومن وقتها انفتح باب الحكايات والأسئلة عن عبقرية مصرية نادرة تتوارث الأجيال حكايتها.. يقول الخبر: «الآنسة سميرة موسى على، الطالبة المصرية التى تتلقى العلم فى الولايات المتحدة قتلت فى حادث سيارة، بعد أن أتمت دراستها فى جامعة «أوكردج» بولاية تنيس الأمريكية».
كان الخبر بعد أربعة أيام من مصرعها الغامض فى 15 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1952، وفى تفاصيله التى قيلت فيما بعد، إنها قبل عودتها النهائية إلى مصر ورفضها البقاء فى أمريكا، رغم الإغراءات الكبيرة، استجابت لدعوة زيارة معامل نووية فى ضواحى كاليفورنيا، وفى الطريق إليها، ظهرت سيارة نقل فجأة لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقى بها فى واد عميق، وكان معها مرافق هندى، قفز من السيارة واختفى إلى الأبد، مما فتح باب التكهنات حول أن هناك جهات ما تقف وراء التخلص منها، حسبما يشير كتاب «عالمة الذرة- سميرة موسى.. المعجزة واللغز»، للكاتب جلال الصياد عن «المجلس القومى للشباب 2007».
يقدم «الصياد» سيرة حياتها، منذ مولدها بقرية «سنيو الكبرى» مركز «زفتى» بمحافظة الغربية يوم 3 مارس 1917، والتحاقها بالمدرسة الأولية فى القرية عام 1925، ويؤكد أن والدها الفلاح كان سر تفوقها، فهو كان عاشقا للفن والشعر، ويهوى السياسة وقريبا من السياسى الشهير إسماعيل صدقى باشا، ورحل إلى القاهرة بأسرته المكونة من سبع بنات وولدين، واشترى فيها فندقا فى الحسين، وآخر فى ميدان العتبة، وألحق ابنته بمدرسة «قصر الشوق» الابتدائية، ثم مدرسة بنات «الأشراف الأهلية» الثانوية، التى أسستها نبوية موسى وكانت تديرها، ومنها حصلت على المركز الأول فى الشهادة التوجيهية على مستوى الجمهورية عام 1935، وقبلها بعامين ألفت كتاب «الجبر الحديث» وعمرها 16 عاما لطلبة السنة الأولى للثانوى، «وضعته حسب المنهج المحقق الذى أقرته وزارة المعارف العمومية»، كى تبسط على زميلاتها هذه المادة، وأهدته إلى أستاذها الفاضل «محمد أفندى حلمى»، وطبع أبوها منه 300 نسخة على حسابه الخاص.
التحقت بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول «القاهرة»، وفيها تتلمذت على يد أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة، وكانت الأولى على دفعتها، ووفقا للكاتب الصحفى عادل حمودة فى مقاله «سهرة فى بيت سميرة موسى»، «الأهرام 19 يونيو 1999»: «رفضت الكلية تعيينها معيدة، فهى سابقة لم تحدث أن تكون فتاة عضوا فى هيئة التدريس بالجامعة، وهنا جن جنون مشرفة، ووضع استقالته على مكتب مدير الجامعة إذا لم تعين فى المكان الذى تستحقه».
تحقق لمشرفة ما أراد، ويذكر جلال الصياد، أنها حصلت على الماجستير عام 1942 بامتياز فى موضوع «التواصل الحرارى للغازات»، وفى 1947 سافرت بمنحة ثلاث سنوات إلى لندن للحصول على الدكتوراه، وأنجزتها بعد 17 شهرا فقط، وكان موضوعها «خصائص امتصاص المواد بالأشعة X»، وأكملت باقى الثلاث سنوات فى أبحاث علمية، يؤكد الصياد، أنها فى 1951 سافرت إلى أمريكا بمنحة دراسية من برنامج «فولبرايت» الذرى لدراسة الذرة بكاليفورنيا، ومع نجاحها فى أبحاثها، تلقت عروضا بالبقاء فى أمريكا والحصول على الجنسية لكنها رفضت، وواصلوا إغراءها فسهلوا لها زيارة أكبر مصنع سرى لأبحاث الذرة فى ولاية «تنيس»، وأعطوها حرية التنقل كأنها أمريكية.
فى 15 أغسطس 1952 لقيت مصرعها، وهناك من يربط ذلك بقيام ثورة 23 يوليو 1952، يقول عادل حمودة: «فى ذلك الوقت كان الإسرائيليون يخشون السلطة الثورية الجديدة، التى استولت على الحكم فى مصر قبل حوالى ثلاثة أسابيع فقط من قتلها»، ويذكر الكاتب الصحفى جميل عارف، فى شهادة له عن «الإرهاب الصهيونى فى مصر» بصحيفة «المصرى السياسى» 20 ديسمبر 1998، أنه كان فى أمريكا وقت وقوع الحادث، ونشر تحقيقا عنه بمجلة المصور، ويذكر أنه سأل الدكتور محمد حسن الزيات، مستشار مصر الثقافى فى واشنطن وقتئذ، ثم وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973، فكان رأيه: «إن قوة خفية وراء عملية اغتيال عالمة الذرة المصرية، لأنها أثبتت نبوغها فى دراستها حول الأبحاث الذرية».. يضيف عارف: «لما قلت له: هل تظن أنها العصابات الصهيونية؟ ابتسم ورفض أن يقول شيئا».
يذكر العالم والمفكر الدكتور عبدالعظيم أنيس فى مقال بجريدة «الجيل»، مارس 1999: «كانت سميرة موسى معيدة فى قسم الفيزياء بالكلية، عندما كنا طلبة فى الأربعينيات، ثم أُرسلت فى بعثة إلى أمريكا، والذى حدث أنها قبل أن تعود إلى مصر انقلبت السيارة، التى كانت تقودها وماتت فى هذا الحادث، وكانت ظروف وفاتها قبل عودتها إلى مصر مباشرة، باعثة على إثارة بعض الشكوك لدى البعض، بأن الحادث مدبر وليس قضاء وقدرا، ولا يستطيع أحد تأكيد مثل هذه الشكوك، التى قد تكون محض خيال أو تأكيد نفيها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة