تفاقمت أزمة الخبز في لبنان حيث أغلقت أفران أبوابها في مناطق متفرقة بالبلاد، فيما اصطفت طوابير طويلة أمام الأفران التي وضعت ضوابط محددة لبيع الخبز بالسعر الرسمي المدعوم وأبرزها تقنين كمية الخبز التي يمكن أن يحصل عليها كل شخص وهو ما لا يكفي للاستخدام الشخصي المعتاد لقطاع من اللبنانيين. ونتج عن ذلك ظهور سوق موازية يتم فيها بيع ربطة الخبز بسعر أعلى من السعر الرسمي في ظل استمرار الأزمة على مدار الأسبوعين الماضيين على الأقل وسط زحام شديد على الأفران عادة ما يتخلله احتكاكات بين المواطنين تؤدي إلى مناوشات وأعمال عنف تتدخل القوى الأمنية إلى فضها. كما شهد أحد الأفران وفاة مواطن أثناء تواجده للحصول على ربطة الخبز بعدما صدمته سيارة مما أثار حالة من الغضب لدى الأهالى.
ويرجع أصحاب الأفران تفاقم الأزمة إلى امتناع المطاحن عن تسليم الدقيق اللازم لصناعة الخبز العربي المدعوم وذلك نظرا لعدم استلام تلك المطاحن للقمح الذي تدعمه الحكومة اللبنانية بنسبة كبيرة، حيث تحدد وزارة الاقتصاد والتجارة سعر ربطة الخبز الصغير وزن 370 جراما بـ7 آلاف ليرة وربطة الخبز من القياس الوسط وزن 875 جراما بـ 12 ألف ليرة وربطة الخبز من القياس العائلى وزن 1055 جراما بـ 14 ألف ليرة.
ورغم تأكيد وزارة الاقتصاد على تأمين ما يقرب من 50 ألف طن من القمح للمطاحن، إلا أن أصحاب المطاحن يؤكدون أن ما يصلهم من القمح أقل بكثير من الطاقة التشغيلية للمطاحن على الأراضي اللبنانية إذ يعمل قرابة مطحنين فقط من بين 11 مطحنا وفقا لتصريحات إعلامية، وذلك وسط تبادل للاتهامات بين وزارة الاقتصاد والتجارة من جهة وأصحاب المطاحن من جهة أخرى حول المسئولية عن الأزمة التي بدأت بوادرها في أواخر شهر فبراير الماضي مع بدء الحرب في أوكرانيا التي يعتمد لبنان عليها في تأمين أكثر من 60% من احتياجاته من القمح بالإضافة إلى القمح الروسى.
بدأت أزمة القمح في البلاد حينما أعلن وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في الخامس والعشرين من فبراير الماضى أن لبنان يستورد حوالى 50 إلى 60 بالمائة من القمح من أوكرانيا، فيما يعتمد في تلبية بقية احتياجاته من بعض الدول التي تجاورها، موضحا أن مخزون القمح في البلاد يكفي لشهر واحد فقط، مشيرا إلى أن الحكومة بدأت التواصل مع عدد من الدول بينها الولايات المتحدة الأمريكية والهند وكندا وبعض الدول الاوروبية المنتجة للقمح الطري الذي يوافق انتاج لبنان من الخبز، وذلك للحصول على القمح بأسعار مناسبة وبما يعمل على زيادة المخزون الاحتياطي للبلاد، حيث يحتاج لبنان بين 40 و50 ألف طن شهريا من القمح لتغطية حاجة السوق المحلية، إلا أن قدراته التخزينية لا تتعدى شهر أو شهرين على الأكثر وذلك لأن الكميات تخزن في المطاحن مباشرة لعدم وجود مخزون احتياطي بسبب الدمار الذي لحق بصوامع القمح الموجودة في ميناء بيروت البحري جراء الانفجار المدمر الذى وقع في الرابع من أغسطس عام 2020.
وأوضح أنه خلال فترة الاستهلاك، يتم طلب بواخر جديدة لتصل قبل نفاد الكميات الموجودة معتبرا أن هذه الآلية تتم من قبل وزارة الاقتصاد لأنها تعطي اوامر السماح بدخول واستيراد القمح بالتنسيق مع مصرف لبنان، والذى يدعم القمح بنسبة مئة بالمئة، مشيرا إلى أن لبنان به حوالي 12 مطحنة، وللمطحنة قدرة استيعابية معينة تستطيع تخزين مخزون شهر فقط.
ونتيجة لارتفاع تكلفة انتاج الخبر، رفعت الوزارة أسعار ربطة الخبز مرتين منذ شهر فبراير وحتى اليوم الذي لا تزال فيه الأسعار ثابته ولكن الخبز نفسه مفقود وسط أزمة نقص حادة في الدقيق لم يسبق لها مثيل.
وفي محاولة لحل الأزمة ولو جزئيا، أصدرت وزارة الاقتصاد عدة قرارات منها رفع الدعم نهائيا عن القمح المخصص لإنتاج جميع المخبوزات بخلاف الخبز العربي، وهو ما نتج عنه زيادة كبيرة في أسعار المناقيش والمنتجات الأخرى التي يعتمد عليها اللبنانيون بشكل أساسي كوجبات يومية. كما صدر قرار بخفض حصص الأفران الكبيرة من الدقيق المخصص لإنتاج الخبز العربي منعاً لاستعماله في صناعة المعجنات الأخرى المتنوعة والموجودة أكثر لدى الأفران ذات الحصص الكبيرة، وتشجيعاً للأفران الصغيرة المتوزعة في القرى والمناطق البعيدة على زيادة انتاجها وحمايتها من المنافسة والمضاربة.
كما كثفت وزارة الاقتصاد من حملاتها الرقابية وسط اتهامات صريحة لعدد من المطاحن بتخزين الدقيق لبيعه في السوق السوداء ولعدد من الأفران بالتلاعب وافتعال الأزمات، وبالفعل أحالت الوزارة عددا من المطاحن والأفران إلى النيابة العامة طالبا التحرك السريع لمحاسبتهم حتى يكونوا عبرة لكل من يتجرأ على مخالفة قرارات الوزارة او استغلال لقمة عيش المواطن أو الاخلال بالأمن الغذائي للبلد.
ومع كل هذه الإجراءات، تفاقمت أزمة الخبز الذي اختفى تماما من محلات السوبرماركت ولا يتواجد إلا لساعات وربما دقائق معدودة في عدد من الأفران وخصوصا في المناطق الشعبية، وذلك وسط حديث متزايد عن توجه حكومي لرفع الدعم نهائيا عن القمح وبيعه بالسعر الحر أسوة بما حدث في قطاع المحروقات في شهر سبتمبر الماضي، وهو السيناريو الذي سبق وأن رفضه وزير الاقتصاد مشيرا إلى أن الدعم لا بد من رفعه تدريجيا ووضع ضوابط لتحديد الفئات المستحقة له ورفعه تماما عن غير المستحقين عبر منظومة اليكترونية تضمن وصول الدعم لمستحقيه وخصوصا أن رفع الدعم قد يتجاوز ضعف السعر الحالي وفقا لتقديرات وزارة الاقتصاد.
كما شكلت الحكومة لجنة في وزارة الداخلية مهمتها وضع آلية محددة للتوزيع العادل للقمح والدقيق على كل المطاحن، كما أنها تقوم بتنظيم عمليات وصول القمح والتوزيع الذي يجب أن يكون من خلال قسائم وآليات واضحة، بالإضافة إلى مراقبة انتاج الأفران للخبز وقد وضعنا كاميرات هناك.
وخلال الجلسة التشريعية الأولى لمجلس النواب اللبناني والتي عقدت أمس الأول الثلاثاء، تحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أهمية تنظيم وصول القمح والدقيق إلى المطاحن والأفران، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيكون مرتبطاً بآلية واضحة تُشرف عليها لجنة مختصة، مشددا على أن معظم ربطات الخبز التي يجري انتاجها تذهب لغير اللبنانيين وذلك في إشارة واضحة لما تردد حول قيام عدد من اللاجئين بشراء ربطات خبز من الأفران وبيع بعضها في السوق السوداء بضعف ثمنها الرسمي، وهو ما عزز المطالب بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد استقرار الأوضاع فيها حيث يستضيف لبنان قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري.
على صعيد متصل، أقر مجلس النواب اللبناني في جلسته التشريعية اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار أمريكي لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتامين إمدادات القمح، وهو ما يكفي لبنان لتأمين القمح لمدة 9 أشهر على الأقل، حيث من المقرر أن تدخل الاتفاقية في حيز التنفيذ خلال شهر سبتمبر المقبل بعد إقرارها بشكل نهائي من قبل رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.
من جانبه، أكد وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام أن بواخر محملة بالقمح وصلت إلى لبنان وسيتم إنهاء الأزمة خلال الساعات المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة