خيم الذعر على الموجودين فى قصر عباس باشا الأول، والى مصر فى مدينة بنها، فور اكتشاف مقتله يوم 14 يوليو 1854، بعد أن تأخر فى الاستيقاظ حسب موعده المعتاد، فدخل عليه أحمد باشا يكن وإبراهيم باشا الألفى، ووجداه مقتولا وكتما الخبر، وبدأ التفكير فى كيفية مواجهة هذا الأمر، حسبما يذكر الدكتور زين العابدين شمس الدين نجم، فى كتابه «مصر فى عهدى عباس وسعيد».
يذكر «شمس الدين» روايتين حول قتله، الأولى تشير إلى أن عمته الأميرة نازلى هى التى دبرتها، حيث «أنفذت من الآستانة «عاصمة الدولة العثمانية» مملوكين من مماليكها، وكانا على قدر كبير من الجمال، بحيث يغريان وكيل عباس على شرائهما، وعندما رآهما الوكيل فى سوق الرقيق، قام بشرائهما وأحضرهما إلى قصر عباس فى بنها، فلما رآهما عباس أعجب بهما وعهد إليهما بحراسته ليلا، ولما جاء دورهما فى الحراسة، اقتحما غرفة نومه وقتلاه خنقا، وهربا، أما الرواية الثانية، وهى الأكثر شيوعا، فهى أن خلافات داخل حاشيته أدت إلى التآمر عليه، وقتله يوم الخميس 13 يوليو ليلة الجمعة 14 يوليو 1854، وحين تأخر فى استيقاظه، دخل عليه أحمد باشا يكن وإبراهيم باشا الألفى، فوجداه مقتولا وكتما الخبر.
يؤكد نوبار باشا «وزير عباس» فى مذكراته، أن الخبر تم كتمانه لمدة ثمان وأربعين ساعة، أى استمر حتى يوم 15 يوليو، مثل هذا اليوم، 1854، يقدم ««نوبار باشا» جانبا من الحالة، ويؤكد فى مذكراته أنه كان وقتها فى زيارة إلى النمسا، وفى عاصمتها فيينا، جاءه مندوب عن وزير الخارجية النمساوى، ودعاه للحضور إلى مكتبه ليطلعه على برقية تفيد نبأ وفاة عباس، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى.
فى هذه التفاصيل: «تم كتمان الخبر لمدة 48 ساعة، نقل خلالها جثمان عباس من بنها إلى قصره بالعباسية فى وضح النهار، بعد إجلاسه بثيابه الرسمية فى عربة تجرها أربعة خيول كما لو كان على قيد الحياة، وجلس إلى جانبه ألفى بك، وهو أحد عبيده ومندوبه الخاص للمراسم، فى الوقت نفسه، قام محمد بك شكيب وهو أحد عبيد البرنس إلهامى ابن عباس باشا وقائد القلعة، بتحصين أبوابها بغية مقاومة سعيد بن محمد على الخليفة الشرعى لسيده عباس، وبناء على أوامره، تم إرسال سفينة بخارية من الإسكندرية إلى مرسيليا لإحضار إلهامى، الذى سافر إلى أوروبا صباح يوم وفاة والده».
يذكر «شمس الدين» أن الجثة انتقلت من بنها إلى قصر الحلمية، وقيل: قصر العباسية، وهناك أذيع الخبر ودفن فى اليوم التالى، وقيل: بعد عدة أيام، لتعطيل تسليم سعيد للحكم على أمل أن يؤدى ذلك فى النهاية إلى خلافة إلهامى بن عباس بدلا من سعيد. يضيف: «اجتمع الذين يميلون إلى عباس تحت رئاسة الألفى، واتفقوا على استدعاء «إبراهيم إلهامى باشا» نجل عباس، وكان بأوروبا، فأرسلوا يستدعونه ليولوه على مصر، ويمنعوا عمه سعيد، أكبر أبناء محمد على من تولى الحكم ولو بالقوة، وكان مقيما فى قصره بالقبارى، وكتبوا سرا إلى إسماعيل سليم باشا، محافظ الإسكندرية وقتئذ، بما اتفقوا عليه، وأوصوه بالتيقظ والسهر على الثغر حتى يحضر إلهامى باشا من الخارج.
يؤكد شمس الدين، أن إسماعيل سليم باشا توجه إلى سعيد باشا، وأطلعه على فحوى الرسالة فشكره على إخلاصه، وذهب بصحبته إلى قصر رأس التين، واستولى عليه، وأعلن اعتلاء العرش، وأجريت حفلة الجلوس وسط إطلاق المدافع، ثم سافر إلى القاهرة بصحبة أفراد الأسرة الحاكمة وهم، الأمير إسماعيل باشا والأمير عبدالحليم والأمير مصطفى فاضل والأمير أحمد رفعت وغيرهم، وعندما وصلوا إلى القاهرة وأرادوا الذهاب إلى القلعة، بلغهم أن برنجى آلاى المشاة الموجود فيها تحت قيادة الميرالاى شكيب بك، مصمم على الممانعة حتى يحضر إلهامى باشا كالاتفاق المعقود بين رجال حزبه، فتوجه إليه الأمير أحمد رفعت بن إبراهيم باشا بنفسه، وأقنع رجال الآلاى المذكور بوخامة العاقبة إذا استمروا على عنادهم، فسلموا وفتحوا الأبواب، وصعد سعيد باشا إلى القلعة، حيث تمت له مراسم التولية، وأصبح واليا على مصر».
يروى نوبار باشا موقف «شكيب بك» قائلا: «توجه سعيد بصحبة الهيئة القنصلية إلى القاهرة، ووجه إنذارا إلى شكيب بك مطالبا إياه بإعلان خضوعه والاعتراف بأن زمن المقاومة وانتزاع السلطة عنوة قد ولى»، يضيف نوبار: «أيدت أوروبا إنذار سعيد وتدخلت منذ ذلك اليوم فى الشؤون المصرية بحجة الوقوف إلى جواره، واستسلم شكيب بعد أن اشترط أن يتم اصطحابه فى حماية الهيئات الدبلوماسية إلى الإسكندرية لتأمين سفره ورحيله إلى القسطنطينية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة