بدأ الحديث عن اللوحات والأعمال الفنية المفقودة من ممتلكات الدولة، ممثلة فى وزارة الثقافة، ولا أظن أن الحديث سينتهى قريبا لأنه حديث ذو شجون، كما يقولون، فعودة ثلاث لوحات مؤخرا، بعد أكثر من خمسين عاما على اختفائها، فتح بابا كبيرا للتساؤلات أولها: هل تملك وزارة الثقافة قائمة بأسماء وأعداد اللوحات التى خرجت ولم تعد؟ وإن كانت تملك مثل هذه القائمة فلماذا لا تعلن عنها؟
العودة الغريبة للوحات المفقودة
نحن بالفعل سعداء بعودة اللوحات الثلاثة وهى "من وحى فنارات البحر" للرائد عبد الهادى الجزار، و"الريف" للكبير صلاح طاهر، و"دائرة وجذع" للفنان صالح رضا، ولكن تظل هذه العودة بها جانب من الغرابة أقلها فكرة المصادفة، بمعنى أن هذه اللوحات، حسبما تشير بيانات وزارة الثقافة، عادت لأن الذين كانت بحوزتهم هم من سعوا لمعرفة قيمة هذه اللوحات، وقد أشار عليهم من عرف قيمتها بأنها تخص وزارة الثقافة، ومن هنا تجاوبوا وأعادوها، لكن لو أن من كانت بحوزتهم اللوحات ليسوا كذلك، لو أنهم لم يعرضوها أو طمعوا فيها، حينها كان مصير هذه اللوحات سيكون شيئا آخر سواء البيع خلسة أو التمزيق والضياع.
ما أريد قوله أن هذه اللوحات جاءت إلى وزارة الثقافة "مصادفة"، وكما نعرف جميعا فإن المصادفة نقيض العلم، حتى لو نجحت، لكنها تظل معتمدة على الحظ والتوفيق ونوايا الآخرين.
لوحة عبد الهادى الجزار
أما لو شئنا العلم ومناهج العلم فى العثور على ثروتنا الفنية المفقودة، فالمطلوب أن تشكل وزارة الثقافة لجنة "جادة" تقوم بحصر جميع اللوحات المفقودة، وتبين حالتها، بمعنى هناك لوحات خرجت للإعارة لكنها تاهت فى الزحام واختلاف الإدارات، وهناك لوحات وأعمال فنية أخرى سرقت، وهناك أعمال ثالثة لم يستدل عليها ولا نعرف ما الذي حدث لها بالضبط، ربما موجودة في مخزن أو أصابها تشويه أو غير ذلك، وبعد الحصر الدقيق، يتم إعلان هذه القائمة على الجميع، أى تصبح متاحة للجميع، ولا أقصد هنا أسماء الأعمال فقط لكن صورها أيضا.
لو تم هذا الإعلان سيصبح الجميع (أقصد المجتمع كله) مسئولا ومكلفا بالبحث عن هذه الأعمال، مثلا لو أنني وأنا مواطن عادي على علم بالأعمال المفقودة، وذهبت لزيارة جاليرى ما لا يذهب إليه المسئولون في وزارة الثقافة، وهناك رأيت لوحة كانت وزارة الثقافة قد أعلنت أنها "مختفية" فالتقطت لها صورة وأرسلتها للوزارة فتأكدت وطلبت العمل وفحصته وتبين أنه العمل الذي تبحث عنه، عند ذلك تحدث الفائدة.
هل بالفعل تبحث وزارة الثقافة عن الأعمال الفنية؟
الآن طرأ في ذهني سؤال: هل وزارة الثقافة تبحث بجدية عن الأعمال الفنية؟ أنا لا أملك إجابة محددة، لكن حسب ما نرى من نتائج لا أعتقد أن البحث - إن كان موجودا أصلا - يتم بالصورة المرضية، فهناك شيء ما ناقص يتعلق بـ "الروح" المحفزة والراغبة في تحصيل هذه الأعمال، وفي ظنى أن البحث عن الأعمال المفقودة يخضع لنفس روتين الأعمال الأخرى مثل إقامة معرض أو غير ذلك من الأعمال.
وهنا تجب الإشارة إلى إيضاح الفارق بين عودة عمل فني وأي أمر آخر، فالبحث عن عمل مفقود يعنى إعادة حق ضائع على الدولة، ويعنى محاربة للفساد، ويعنى إلقاء ضوء على القوى الناعمة للثقافة، ويعنى أن وزارة الثقافة قوية تملك يدا قادرة على مواجهة قوى الشر.
لدى شعور قوى بأن الأمر يستحق الكثير، يستحق أن نكون جميعا جزءا منه، أن تأخذ وزارة الثقافة الأمر بشكل أكثر جدية وألا تكتفى بالفرح حال العثور على عمل، بل واجبها أن تحاصر الأعمال وأن تشك وتتأكد وأن تمد يدها وتحصل على حق الدولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة