هنا فى قلب قرية ويش الحجر بمدينة المنصورة، مشهد يزهر ويثرى الوجدان، حب وعمل تفوح رائحتهما فى الأرجاء، طموح وأحلام حرة تحلق وتحط بأجنحتها على زهرات الحياة، صوت يغرد خارج السرب ويشدو بألحان الكفاح والحياة، همة بطل تعانق السماء وتصنع المجد والنجاح، وتشيد القلوب شموخا وفخرا.
محمد ماهر الجمل.. شاب عشرينى مكافح، استطاع بإرادته وعزيمته أن يكتب بسطور من ذهب قصة كفاح تتنفس حياة، نجاح بالجهد والعرق والتعليم، أراد أن يثبت ذاته، ويبنى مستقبله، ويحقق أحلامه وآماله، لم ينتظر الفرصة ولم يجعلها تنتظره، بل صنعها هو بجرأته وإصراره، ظل يكسر الحواجز وحده بقوة وصمود وإرادة من حديد فى رحلة طويلة تكللت بالمشقة والتعب بجانب اهتمامه بتعليمه ودراسته ليحقق حلمه فى الالتحاق بكلية الطب، متشبثا بكل فرصة تمنحه الحياة بفخر وعزة وكرامة، حبه الجارف لوالده صنعت منه بطل محارب يبحث عن الشقاء والعمل منذ نعومة أظافره؛ ليساند والده ويساعده ويعينه على أعباء المعيشة.
عمل "أجدع دكتور"، منذ طفولته سائق جرار زراعى مع والده، يجوب معه الشوارع والأحياء منذ ساعات الصباح الباكر لتحميل ونقل البضائع، وعند عودته لمنزله يذاكر ويجتهد ويتابع دروسه، كان حريصا على تعليمه ومستقبله بجانب عمله الشاق وبحثه عن رزقه، فنجح أن يكون من الأوائل والمتفوقين ويلتحق بكلية الطب، وبالرغم من تفوقه ونجاحه والتحاقه بكلية الطب جامعة الأزهر، لم يتخلى عن مهنته ومهنة والده يوما، وما زال يعمل سائق جرار فى قريته من أجل لقمة العيش، وحقق ما يطمح إليه ويريد بالعزم والتصميم، غير معترفا بمعاناة أو ظروف أو فشل، واضعا نصب عينيه النجاح هدفا.
وفى هذا الصدد، قال محمد ماهر الطالب بالفرقة السادسة بكلية الطب جامعة الأزهر، لـ"اليوم السابع"، أنه كافح واجتهد فى الحياة منذ أن كان فى الـ12 من عمره، حيث اهتدى لمساندة والده فى عمله كسائق جرار لينفق على ذاته ويساعد أسرته على المعيشة، مشيرا إلى أنه كافح واعتمد على نفسه وتحمل المسؤولية بالعمل ليل نهار؛ ليحقق حلمه وحلم أسرته فى الالتحاق بكلية الطب.
وتابع أنه نجح بإصراره وعزيمته أن يواصل عمله على الجرار ويحصل على نسبة 97,3% فى الثانوية العامة ويلتحق بكلية الطب جامعة الأزهر، موضحا أنه وفق بين عمله على الجرار وبين مذاكرته وسفره لمدينة القاهرة لحضور محاضراته فى الكلية، مؤكدا على أن عمله لم يكن عائقا أمام مواصلته لدراسته ونجاحه وتفوقه بحصوله على أعلى التقديرات.
"الجرار شغلة والدى وبقت بتجرى فى دمى، وربنا بيوفقنى ويبارك فى وقتى عشان أقدر أوفق ما بين دراستى وشغلى على الجرار"، بهذه الكلمات تابع "محمد" حديثه، فقال أنه يعمل على الجرار لمدة ست ساعات، وبعد عودته لمنزله يواصل دراسته ومذاكرته لمحاضراته لأكثر من خمس ساعات، مشيرا إلى أن توفيقه بين عمله ودراسته لم يكن صعبا خلال الأربع سنوات الأولى من دراسته فى الكلية، وفى آخر سنتين له فى الكلية نجح أكثر فى التوفيق بينهما بعد أن أصبح التعليم يتم إلكترونيا عن بعد.
وأشار إلى أنه يعشق الكفاح والعمل، فيثابر ويجتهد ليحاول أن يوفق بين عمله الذى يوفر له مصاريفه ويعينه على أعباء الحياة، وبين دراسته وتعليمه الذى سيحقق له حلمه بأن يكون طبيب جلدية شهيرا وناجحا فى مجال عمله، قائلا: "حبى لمهنتى ومهنة والدى، ورغبتى فى إنى أعتمد على نفسى وأوفر مصاريف دراستى من غير ما حد يساعدنى، كان دافع دائم ليا عشان أقدر أكمل واشتغل وانجح فى دراستى، فخور بمهنتى وكفاحى وبإذن الله هكمل مسيرتى فى شغل الجرار لحد ما أتخرج وبعدها هركز أكتر على تخصص دراستى عشان أحقق حلمى وأكون دكتور ناجح".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة