انتفض الرأى العام غضبا من خبر توقيع الفنان يوسف وهبى عقد تجسيده دور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى فيلم سينمائى بصورة الراهب راسبوتين الروسى، وتنتجه شركة سينمائية ألمانية بتشجيع من الرئيس التركى مصطفى كمال أتاتورك، وبتمويل من الحكومة التركية، وكشفت مجلة المسرح، لصاحبها ورئيس تحريرها محمد عبدالمجيد حلمى، عن الموضوع فى عددها، 17 مايو 1926، «راجع، ذات يوم، 17 مايو 2022».
من اليوم التالى للكشف عن هذه الخطوة بدأت المعركة، ويتتبعها الكاتب والناقد السينمائى سمير فى كتابه «تاريخ الرقابة على السينما فى مصر»، معتمدا على ما نشرته مجلة المسرح و«الأهرام» حول الموضوع، يذكر أنه فى 18 مايو، مثل هذا اليوم، 1926، اهتمت مشيخة الأزهر بالأمر، وخاطبت وزارة الداخلية تطالبها بالحيلولة بين حضرة يوسف بك وبين ما يريد، ولو اقتضى الحال منعه من السفر حفاظا لكرامة النبى ومقامه جليل الشأن، وفى 24 مايو، ردت «الداخلية» على المشيخة، قائلة: جوابا على كتاب فضيلتكم المؤرخ يوم 18 مايو الحاضر، بخصوص تمثيل رواية سيدنا محمد، نفيد بأننا استحضرنا يوسف وهبى بك، وطلبنا منه العدول عن تمثيل هذه الرواية فقبل، وسيعلن عن عدوله هذا فى الجرائد، وستتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة لمنع إخراج هذه الرواية نفسها.
فى 24 مايو 1926، نشرت الأهرام خطابا مفتوحا من يوسف وهبى، يدفع فيه عن نفسه تهمة تمثيل النبى بصورة الراهب راسبوتين، ويقول فى آخر الخطاب: أرفض لعب الدور عن طيب خاطر حتى لو كنت سأجنى من ورائه الأرباح الطائلة، إذا رأى السادة العلماء هذا الرأى ليعلم إخوانى المصريون أن شعارى «دينى قبل كل شىء».
فتحت الأهرام صفحاتها لاستقبال المقالات حول هذا الموضوع، فكتب علماء أزهر وقراء، جميعهم يرفضون فكرة الفيلم، ويهاجمون يوسف وهبى، وفى 28 مايو 1926 نشرت الأهرام ردا من الأديب التركى «وداد عرفى» الذى حضر مع ممثل الشركة الألمانية لقاء يوسف وهبى للاتفاق معه على الفيلم، قال فيه: «أقرأ منذ بضعة أيام فى جريدتكم الغراء مقالات وأخبارا عن وضع رواية تعرض على لوحة السينما عن حياة نبينا العظيم محمد، وقد تأثرت جدا من هذه الأخبار التى لا تستند حتى الآن إلى قرار بات صريحا، ولا شك أن وضع رواية كهذه داخل برنامج أعمالنا، ولكنه حتى الآن مجرد مشروع، ومن الجلى قبل وضع رواية كهذه أنى بصفتى مؤلفا ومسلما أطلب رأى حضرات علماء الدين، وهذه الاستشارة تعد بالطبع واجبا محتما على، لذلك أرجو أن تعلنوا باسمى بأنه لا يوجد حتى الآن قرار بات فى هذا الصدد»، وفى 29 مايو 1926 نشرت الأهرام مقالا للكاتب والشاعر المسرحى بديع خيرى، قال فيه: «أصارح الأستاذ فى شىء من الحيطة والحذر، وأنبهه إلى خطورة موضوع كهذا له جلاله الغريزى وله قداسته المكينة فى نفوس المسلمين عامة، وأنه لبعيد الاحتمال أن يطمئن واحد من هؤلاء جميعا إلى نزاهة المقصد من شركة مسيحية فرنساوية، تعمل قبل كل شىء لمجرد المصلحة المادية كغيرها من الشركات»، يختتم بديع خيرى مقاله قائلا: «إن شخصية محمد أرفع بكثير مما يستطيع أن يتصوره مجرد شخص فى غير مقام النبوة».. وفى نفس العدد، 29 مايو» نشرت الأهرام للتاجر سعيد عبدالقادر كامل من الإسكندرية، يقترح دعوة العلماء أعضاء المؤتمر الإسلامى للخلافة، المنعقد بالقاهرة للنظر فى هذا الأمر.
فى 30 مايو1926، نشرت الأهرام بيانا من يوسف وهبى، قال فيه: بناء على قرار حضرات أصحاب الفضيلة العلماء، واحتراما لرأيهم السديد، أعلن أننى عدلت عن تمثيل الدور وسأخطر الشركة بعزمى هذا، ولقد كان لكلمة الأستاذ وداد عرفى بك وقع حسن فى نفسى، إذ فهمت منها أن الشركة ستعدل أيضا عن تمثيل قصة محمد احتراما للدين الإسلامى الحنيف، وستستعيض عنها بقصص عربية أخرى، وقبل أن أختم كلمتى، أريد أن أنبه حضرات أصحاب الفضيلة العلماء ورجال الأزهر إلى نقطة ذات أهمية، وهى، إن كانت شركة ماركوس قد عدلت أو ستعدل عن إخراج قصة النبى محمد، فإننى لأخشى بل أكاد أعتقد أنه ربما أخرجتها فى القريب شركة أجنبية أخرى فى تونس أوالجزائر لموافقة مناظرها للقصة، فإن كنتم حقا تريدون منع هذه القصة من الظهور، فيجب مخابرة جميع الدول بذلك، إذ ما فائدة عدولى أنا عن تمثيل هذا الدور ما دام سيمثله أجنبى، وهنا لا يغرب عن الأذهان أن الرواية ستمسخ مسخا، سواء كان من جهة عادات العرب وأخلاقهم وصفاتهم وحقيقة دينهم، فعليكم ألقى عبء المسؤولية، وعليكم أن تحاربوا الفكرة فى الخارج كما حاربتموها فى الداخل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة