عرف أحمد عرابى «ناظر الجهادية والبحرية» أن بعض الضباط الجراكسة فى الجيش المصرى تحالفوا على اغتياله ورؤساء الضباط الوطنيين وجميع النظار، فعرض الأمر على الخديو توفيق وهيئة النظار «مجلس الوزراء»، وتم القبض على أطراف المؤامرة، وقرر عرابى تأليف مجلس عسكرى لمحاكمتهم برئاسة الفريق «راشد باشا حسنى الجركسى» لاعتداله ونزاهته، حسبما يذكر «عرابى» فى مذكراته.
بلغ عدد المتهمين فى هذه المؤامرة 40 ضابطا، وجاءت بعد ثلاثة أشهر من الحكومة الجديدة برئاسة محمود سامى البارودى، وكان «عرابى» وزيرا للجهادية فيها، وكان الحدث أحد المواقف الفاصلة فى تاريخ الثورة العرابية ضد الخديو توفيق، ففى 30 إبريل 1882 أصدر المجلس العسكرى حكمه ضد المتآمرين، ووفقا لداود بركات فى كتابه «الثورة العرابية بعد خمسين عاما - رؤية الأهرام»، فإن المجلس العسكرى قرر «تجريد الضباط المتهمين من الرتب العسكرية والإبعاد المؤبد إلى أطراف السودان، وبالعقاب ذاته غيابيا على السردار راتب باشا وعلى اثنين من المصريين الملكيين، وإحالة خمسة ملكيين إلى المجالس الأهلية».
يذكر بركات، أنه لما استشار توفيق قنصلى فرنسا وإنجلترا يوم 2 مايو 1882 فيما يفعل فى هذا الحكم، اختلفا فى المشورة، فقنصل إنجلترا أشار بإلغائه، أما الفرنساوى فأشار باستعمال العفو بعد استبعاد الأسباب السياسية، وفى 5 مايو أبلغ الخديو، رئيس النظار «البارودى» تلغرافا من الباب العالى، يأمر فيه بتحويل القضية إلى الآستانة «عاصمة العثمانيين»، لأن من بين المتهمين ضابطا برتبة فريق حكم عليه خلافا لحقوق الباب العالى، وأنه بناء على هذا التلغراف سيعرض المسألة على الباب العالى، وبعد أن تشاور النظار فى الأمر عاد محمود سامى البارودى وعرابى إلى الخديو، وطلبا منه أن يستبدل حكم الإبعاد بحكم الشطب من عداد الجيش، وبعد ذلك ورد تلغراف آخر من الباب العالى يطلب فيه إرسال الأوراق إليه، فجمع الخديو القناصل جميعا واستشارهم، فأشار قنصل إنجلترا بالعفو العام، وقنصل فرنسا بإبعاد المحكوم عليهم من الجيش إبعادا بسيطا، وهذا ما فعله الخديو.
يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى» أن الخديو قام بتعديل الحكم إلى النفى من القطر المصرى والترخيص للمحكوم عليهم بالتوجه إن شاءوا خارج القطر مع عدم حرمانهم من رتبهم ونياشينهم.. يضيف الرافعى: «ذهب البارودى إلى الخديو عقب توقيعه على أمر التعديل، ولامه فى لهجة شديدة لنزوله على إرادة قناصل الدول، وإهماله رأى الوزراء، لكن الخديو أصر على موقفه فهاج الوزراء، واجتمعوا يوم 10 مايو، مثل هذا اليوم، 1882 اجتماعا طويلا دام ثمانى ساعات انتهوا فيه إلى وجوب انعقاد مجلس النواب للنظر فى هذا الخلاف.
يؤكد «بركات»، أن جلسة مجلس النظار ألقى فيها «عرابى» خطابا ملؤه الحماسة، حمل فيه أشد حملة على الأسرة الحاكمة من أول عهدها، وبشهادة أحمد بك رفعت الذى كان سكرتير مجلس النظار أمام المجلس الذى حاكم العرابيين بعد فشل الثورة، أن هذا الخطاب عُدل ثلاث مرات بعد إلقائه ليخففوا من شدته، ولكنهم لم يستطيعوا إطلاع الخديو عليه رغم التعديل الكبير، واقترح عرابى فى ختام خطابه دعوة مجلس شورى النواب فى الحال لأنه أقدر على صيانة قوة الرأى العام من الوهن والضعف.
يضيف «بركات»، فى 10 مايو 1882 قابل «البارودى» قناصل الدول وتلا عليهم: «إن مجلس النظار «الوزراء» يستحيل عليه الاتفاق مع الخديو وهو فى الوقت ذاته لا يستطيع استعفاءه، فلذلك قرر دعوة مجلس شورى النواب للاجتماع فى أقرب وقت، وستعرض الوزارة على المجلس جميع وجوه الشكوى من مسلك الخديو، لا سيما فى المسألة الخطيرة جدا وهى أنه ارتكب دون استشارة مجلس النظار عملا ملؤه الخضوع والخنوع للباب العالى، على أن المجلس يضمن بوجه قطعى حتى فى حالة تدخل تركيا الأمن العام».. يؤكد بركات: بعد أن تلا البارودى هذا التصريح على القناصل، قال: «أنا لا أقابل بعد اليوم الخديو توفيق باشا»، وخرج القناصل وهم فى ارتباك شديد، وأرسل قنصل فرنسا إلى حكومته تلغرافا قال فيه: «نحن الآن أمام حكومة ثائرة وخلع الخديو أمر لا شك فيه».
يؤكد الرافعى: «أبرق سنكفكس معتمد فرنسا بتاريخ 10 مايو 1882 إلى وزارة الخارجية يصف الحالة بقوله: «الخلاصة أننا بإزاء حكومة ثورية، وأن خلع الخديو أصبح أمرا محتوما».. وقال فى برقية أخرى فى اليوم ذاته: «عندما تكلم بعضهم مع عرابى عن الأمير حليم باشا، صرح غاضبا بأنه من الواجب التخلص من أسرة محمد على كلها»، وفى ظهر 12 مايو 1882 لبى أكثر النواب الدعوة وجاءوا إلى القاهرة فى دار البارودى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة