توفى صلاح جاهين يوم 21 إبريل 1986 وعمره 56 عاما «مواليد 25 ديسمبر 1930»، فكثرت الكتابات المتنوعة فى الصحف المصرية والعربية عنه بوصفه «المتعدد المواهب الذى جمع بين الشاعر والرسام وكاتب الحوار والأغنية والممثل»، حسبما وصفته جريدة «الأهرام» ، التى كتب على صفحاتها عنه يوم 24 إبريل، مثل هذا اليوم، 1986، الناقد الدكتور على الراعى، ورائد الأدب الشعبى الدكتور عبدالحميد يونس، والموسيقار مدحت عاصم، والشاعر فتحى سعيد، والمؤلف المسرحى نعمان عاشور، والشاعر فاروق جويدة، والمفكر نبيل عبدالفتاح.
قال عنه عبدالحميد يونس: «صلاح جاهين جمع بين الإبداع فى الشعر وفى الصورة، وهو يتسم بالأصالة لأنه اختار الغناء اختياره للغة السهلة التى يمكن أن تكون عملية وأن تقترب جدا من الفصيحة، وأهم من كل ذلك الالتزام بفنه»، وقال مدحت عاصم: «كان صلاح جاهين جادا كل الجدية، عميقا كل العمق فى كل ما أبدعه، ولكنه كان يغلف إبداعه بأطياف من السخرية والبساطة حتى لا يبدو للناظر وكأنه هو ذلك العملاق الذى هو، لقد تناول بإبداعه مناحى كثيرة من الفكر، كان شاعرا كما كان زجالا، كما كان كاتب أغنية لا يبارى، وممثلا قديرا، وصاحب صوت معبر عميق التأثير، وقبل كل هذا إنسانا حبيبا إلى القلوب لفرط تواضعه»، وفيما وصفه فاروق جويدة قائلا: «الضاحك الباكى، والساخر الحزين، والعابس المبتسم»، قال نعمان عاشور: «لعل أكثر ما سيبقى منه أشعاره وقصائده الوطنية التى نؤرخ بها حياتنا الثورية منذ بداية قيام ثورة 1952».
وكشف على الراعى رحلته معه، قائلا: «عرفت الفنان الكبير صلاح جاهين فى مراحل مهمة من حياته، عرفته فى أوساط الخمسينيات ( القرن الماضى) حينما كان يكتب فى «روزاليوسف»، وقرأ علىّ بعض الأزجال، فقلت له يا صلاح إن هذا ليس مجرد زجل إنه شعر، وأنا أنصحك أن تسمى نفسك شاعرا شعبيا، وبالفعل أخذ بالنصيحة، والتقيته حينما كنا نخرج رائعته «الليلة الكبيرة» التى أصبحت جزءا من وجدان المصريين جميعا ما بين صغار وكبار، والتى نالت عن جدارة جائزة فى مهرجان بوخارست للعرائس الذى كنت مشتركا فيه بوصفى محكما، وقرأت كما قرأ الملايين من أعمال صلاح جاهين «الرباعيات» و«موال عشان القنال»، وانفعلت كما انفعل الكثيرون بجهوده البارزة لتطوير الأغنية المصرية وربطها ربطا وثيقا ومحببا بالأهداف الوطنية والقومية، وفيما لا ينسى له أى متتبع لأعماله أغنيات مثل «اجتماع سياسى» و «صورة» و«الريس» و«الزينة»، وغيرها من أغنيات طوع فيها الشعر الشعبى وفكرة الأغنية بحيث أصبحت تستقبل كلمات عصرية مثل «التصنيع الثقيل»و «الادخار»، كل هذا فى لون محبب تقبل عليه النفوس».
يضيف «الراعى»: «استمتعت كما استمع غيرى بأغنياته التى وجدت طريقها للتليفزيون فى شكل الفوازير تارة، وشكل البرامج الاستعراضية مثل «هو وهى» التى قدمها، مثل هذا الرداء العريض استطاع أن يربط جمهورا كبيرا من المعجبين إلى فنه، بحيث أصبحنا نتطلع يوميا إلى رؤية رسومه فى الأهرام، فإن وجدناها هللنا، وإن لم نجدها شعرنا بفقد شديد».
أما نبيل عبدالفتاح، فكانت رؤيته شاملة حول ما قدمه صلاح جاهين من إبداع، قائلا: «كان بحق أحد الأبناء النابهين الذين خرجوا من معطف بيرم التونسى ومدرسته التى استطاعت التعبير عن جوهر عبقرية الشعب المصرى، ولغته الفذة، واستخراج الكنوز الحقيقية فى بنائنا اللغوى وتراكيبه بالغة العمق، والتكثيف وفى تجسيد الهموم الوجودية، والإنسانية للمصرى المعاصر، والقدرة على رفد الشعر العامى بصور وأخيلة وتراكيب أدائية تتميز بالجدية والابتكار، أما غنائية نسقه الشعرى فكانت متميزة، وتتسم بخصوصية نعتقد أنها كانت نسيجا وحدها بلا جدال بين شعراء العامية فى جيله، وكانت مصدرا للاستيحاء والاستلهام، والاحتذاء للأصوات المتميزة فى خريطة العامية المصرية، واستطاع تطويع القاموس الشعرى المستمد من لغة البسطاء، والبشر العاديين، هؤلاء الذين ظلوا وما زالوا موضعا للغياب، وسواء اتفقت أو اختلفت معه فى كل أو بعض إنتاجه الإبداعى، إلا أن قدراته الفذة فى التعبير عن وجدان المصريين كانت باهرة، وقد استطاع من خلال فهمه للطبقة الوسطى وشرائحها الوسيطة والعبقرية، أن يطور قاموس الأغنية المصرية السياسية، أو الوجدانية، وكان هذا التغير مواكبا لتغيير شخصية أبناء هذه الطبقة الوسطى، وكان لهذا الجهد المقتدر تأثيره الكبير فى تشكيل اللغة، والتراكيب الموسيقية واللحنية، وقد أعطى جهده هذا الفرصة لأعداد من الملحنين والمؤدين للظهور على خريطة التلحين والغناء فى بلادنا».
اختتم نبيل عبدالفتاح كلماته بجملة موحية قائلا: « صلاح جاهين هو تعبير مكثف عن الحضور لا الغياب».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة