رحل عن عالمنا منذ ساعات الفنان الكبير عهدى صادق عن عمر ناهز 71 عاما بعد تعرضه لأزمة صحية لنفد برحيله أحد الفنانين الموهوبين المثقفين الذين لم يحصلوا على ما يوازى موهبتهم من مكانة وأدوار، ورغم ذلك تركوا بصمة لا تنسى فى عالم الفن.
الفنان الراحل عهدى صادق
عهدى صادق أحد أركان مجموعة الفنانين الذين شاركوا فى صناعة العصر الذهبى للدراما وتعاونوا مع كبار المخرجين والكتاب وقدموا أشهر وأجمل المسلسلات خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، حيث تعاون مع المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ فى «ليالى الحلمية»، «الشهد والدموع»، ويحيى العلمى فى «رأفت الهجان» وجمال عبدالحميد فى «أرابيسك» و«حلم الجنوبى» و«زيزينيا» و«الركين» وإبراهيم الصحن فى «بوابة الحلوانى» أيضًا لمع فى «ولاد آدم» و«جحا المصرى» و«فارس بلا جواد»، وكان ضمن المجموعة الأساسية التى كان يستعين بها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة فى معظم أعماله، وهى المجموعة التى ربطتهم علاقات صداقة كبيرة وجمعهم التآلف الفكرى والثقافى.
عهدى صادق الفنان المبدع المثقف الذى ربطته علاقة قوية بالشاعر الكبير صلاح جاهين واعتبره والده الروحى، والذى تميز فى كل أدواره حتى وإن ظهر فى مشاهد قليلة فى العمل الفنى، ولكنه دائمًا ما يترك أثره فى وجدان المشاهد الذى يحفظ عباراته التى يضيفها للسيناريو ومنها " بحب سوسو" التى كان يرددها فى مسلسل أرابيسك، ولا يمكن أن ينسى المشاهد دور "خميس الخمس" الذى كون ثنائى مع "بسة" الذى أداه صديق عمره الفنان الراحل محمد متولى.
أجاد عهدى صادق الذى ولد فى نوفمبر عام 1950 وتخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية أدوار الطيب والشرير والوصولى والساحر واليهودى والجاسوس بأسلوبه الهادئ الرصين وموهبته التى لم تفصح عن كل أسرارها وقدراتها.
وبدأ الفنان الراحل حياته الفنية أوائل السبعينات بأدوار صغيرة، ورغم أنه لم ينل بطولة مطلقة فى مسيرته الفنية إلا أنه كان يترك بصمة واضحة فى كل عمل شارك فيه حتى ولو ظهر فى مشاهد قليلة، فكان يجيد أداء الأدوار الصعبة التى تظل فى ذاكرة المشاهدين ومن أهم الأعمال التى شارك فيها مسلسلات: (ليالى الحلمية، رأفت الهجان، بوابة الحلوانى، أرابيسك، حلم الجنوبى، زيزينيا، جحا المصرى، فارس بلا جواد.
كما شارك فى عدد من الأفلام سينمائية، منها: المتوحشة، أنياب، الكيف، اليوم السادس، شحاذون ونبلاء وغيرها.
لم يشكو الفنان الكبير حين غاب لفترات عن العمل الفنى، كان دائما يشعر بالرضا ولا يصب لعناته على الحظ والقدر أو حتى نسيان البشر، وحين تتحدث معه عن غيابه يقول " أنا موجود والناس عارفة عنوانى وتليفونى واللى هيطلبنى فى دور مناسب هشتغل " وحين تلمح بأنه لم يحصل على ما يستحق وما يوازى موهبته يبتسم ابتسامة رضا وحكمة تخفى ورائها العديد من الأسرار والأحزان لم يفصح عنها الفنان الكبير، ليقول:"محدش بياخد غير نصيبه"
وكان صادق يعتز ويحتفظ دائما بصورة رسمها له صديقه وأباه الروحى المبدع صلاح جاهين، صورة تحمل من الإبداع ما يظهر كثيرًا من ملامح شخصيته حتى وإن حاول صاحب الصورة إخفاء هذه الملامح، نظرة حزن وعمق وعيون كأنها ترى مالا يراه غيرها، تحمل حيرة دفينة وكأنها تبحث عن شيئ، وقسمات وجه تشبه ملامح القديسين الذين نطالع صورهم فى المعابد والكنائس، هكذا تأخذك تلك الصورة التى احتفظ واعتز بها الفنان الكبير الراحل عهدى صادق ووضعها على تطبيق الواتس آب الخاص به.
تجذبك تلك الصورة كى تدقق فيها كثيرًا لعلك تكتشف ما يخفيه صاحبها وما رآه وعرفه صديقه وأبيه الروحى المبدع الكبير صلاح جاهين حين رسمها عام 1973، والذى جمعته علاقة خاصة وقوية مع الفنان عهدى صادق الذى رحل عن عالمنا منذ ساعات.
فى إحدى المكالمات سألت الفنان الراحل الكبير عن هذه الصورة فتحدث عنها وعن حبيبه صلاح جاهين بحب وحنين جارف قائلًا:" كنت قاعد مع حبيبى المبدع صلاح جاهين فى مكتبه سنة 1973 ورسمهالى".
كان الفنان الكبير عهدى صادق لم يتجاوز عمره وقت رسم هذه الصورة 23 عاما، حيث أنه من مواليد عام 1950، وهو ما يشير إلى ثقافته وتوجهاته وصداقاته منذ فترة شبابه، فارتبط ارتباطًا كبيرًا بالشاعر والفنان الكبير صلاح جاهين امتد هذا الارتباط ولم ينقطع حتى بعد وفاة جاهين بأسرته وأولاده، واعتبر عهدى سامية جاهين ابنته واعتبرته أباها حتى أنه خلال مكالمة معه فى فترة مرضه وبعد إصابته بكسر فى الحوض أكد الفنان الكبير أن سامية جاهين استضافته فى شقة والدها بشارع الألفى وكانت تهتم برعايته، وكانت ابنة المبدع صلاح جاهين هى التى أعلنت خبر وفاة عهدى صادق حيث كتبت على حسابها بموقع التواصل الاجتماعى: "عموعهدى صادق خلاص ارتاح، كنت بحاول أهيأ نفسى للحظة دى بقالى شوية، وأقول لنفسى إنى أبقى أنانية لو اتمنيت له أى حاجة غير إنه يرتاح من آلام المرض، مفيش كلام فى الدنيا ممكن يوصف الوجع اللى فى قلبى، هتوحشنى أوى يا حبيبى ياللى من يوم ما بابا مشى وإنت واخدنى فى حضنك ومغرقنى حب وعطاء ودلع غير مشروط”.
جدير بالذكر أن الفنان الراحل عهدى صادق جمعته علاقة صداقة قوية بالفنان سعيد صالح وكثيرًا ما تحدثت هند سعيد صالح عن هذه العلاقة وعن قوتها وأنها تعتبر اصادق مثل والدها الراحل، وكان هو ومجموعة من أصدقائهما يجتمعون معا ويرددون أشعار المبدعان صلاح جاهين وفؤاد حداد.
وكما كان الفنان الكبير صادقًا لعهده مع فنه الذى عشقه متحملًا فترات الجفاء والبعد بصدر رحب ورضا كامل لتحمل ضريبة حب الفن، ظل عهدى صادق محافظًا على عهد ووعد الصداقة وصادقًا فى مشاعره وصداقته حتى بعد رحيل أصدقائه، أو غيابهم، فقد كان دائم السؤال على الفنان الكبير صلاح السعدنى الذى غاب عن الأضواء والظهور منذ سنوات، راعيًا وأبًا لأبناء أصدقائه الراحلين صلاح جاهين وسعيد صالح وغيرهم، ومن هنا اكتسب مكانة خاصة فى قلوب أبنائهم ومنهم هند سعيد صلاح وسامية صلاح جاهين.
وكان الفنان عهدى صادق قد أصيب بكسر فى الحوض، حيث سقط فى منزله نهاية عام 2020، وظل يعانى من آثار هذا الكسر حتى وفاته.
وكانت آخر أعمال الفنان الكبير عهدى صادق دوره فى مسلسل "الفتوة " الذى عرض فى رمضان الماضى، حيث جسد شخصية "عم مسعد"، الذى يعمل مع "حسن الجبالى" فى محل النحاس، وقبله ظهر فى عدد من المشاهد ببعض الأعمال ومنها مسلسلات لهفة، الضاهر، هبة رجل الغراب، نصيبى وقسمتك، الجماعة 2، وغيرها.
رحم الله عهدى صادق أحد أركان العصر الذهبى للدراما وأحد مظاليم الفن وعشاقه.
صلاح جاهين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة