تلقت دار الحماية «السفارة» البريطانية فى مصر نبأ موافقة مجلس النواب البريطانى على إلغاء الحماية، والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة بعد ظهر 15 مارس، مثل هذا اليوم، 1922، فأبلغت «دار الحماية» هذا الخبر إلى السلطان فؤاد، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا فى كتابه «حوليات مصر السياسية - التمهيد - 3».
يذكر «شفيق»، أن السلطان فؤاد أبلغ الخبر إلى رئيس مجلس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا، وإلى الوزراء الذين بادروا بتطييره بالبرق إلى المحافظات والمديريات، وفى السهرة صدر أمر سلطانى إلى رئيس مجلس الوزراء نصه: «إلى شعبنا الكريم، لقد من الله علينا بأن جعل بأخلص الشكر وأجمل الحمد على ذلك، ونعلن على ملأ العالم أن مصر منذ اليوم دولة متمتعة بالسيادة والاستقلال، ونتخذ لنفسنا لقب صاحب جلالة ملك مصر، ليكون لبلادنا ما يتفق مع استقلالها من مظاهر الشخصية الدولية وأسباب العزة القومية».
تقرر أن يكون يوم 15 مارس عيدا وطنيا تتعطل فيه المصالح الحكومية، وعمت الأفراح رسميا بهذا الحدث.. يذكر«شفيق»:«فى صباح 16 مارس، أطلق مائة مدفع ومدفع من القاهرة إلى الإسكندرية وبورسعيد والخرطوم وسواكن، وأطلق 21 مدفعا فى عواصم المديريات وفى دمياط والسويس»، غير أن عبدالرحمن الرافعى يرى أن الشعب لم يكن متجاوبا مع هذه الأفراح، يذكر فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية - ثورة 1919»: «الشعب لم يشارك الحكومة الابتهاج بهذا الإعلان، إذ لم يجد تحقيقا لمظاهر الاستقلال الصحيح، بل رأى أنه رغم هذا الإعلان، فإن الاحتلال البريطانى قائم، والأحكام العرفية الأجنبية مبسوطة، وإنجلترا مستبقية تحفظات تهدم قواعد الاستقلال، والسودان مفصول عمليا عن مصر، ولهذا قوبلت مظاهر الابتهاج وإطلاق المدافع بالفتور والإعراض».
أمر «فؤاد» بتحويل نظام الحكم فى مصر، من «السلطنة» إلى «المملكة»، وأطلق على نفسه لقب «صاحب الجلالة ملك مصر»، وجاء لقب الملك ختاما لسلسلة ألقاب حكام مصر، منذ أن اعتلى محمد على باشا سدة الحكم عام 1805، وكان وراء كل لقب قصة يشرحها الدكتور «يونان لبيب رزق» فى كتابه «فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول».. يذكر: «تعددت ألقاب الحاكم من أبناء الأسرة العلوية خلال المرحلة الأولى، باشا، خديو، سلطان..الأول «باشا» تمتع به كل من محمد على وإبراهيم، وعباس الأول، وسعيد، وإسماعيل، وكان هو ذات اللقب الذى يتمتع به سائر ولاة الإمبراطورية العثمانية»، يضيف رزق، أن «إسماعيل» الذى تولى الحكم من 1863 إلى 1879، نجح بعد أربع سنوات من اعتلائه لكرسى الحكم فى الحصول على حق التلقيب بالخديو ضمن مزايا عديدة نالها من السلطان العثمانى، الأمر الذى أصبحت معه مصر دولة شبه مستقلة، يذكر رزق، أن إسماعيل دفع دم قلبه أو بالأحرى دم قلب مصر للحصول على تلك المزايا، غير أن ما فعله أدى إلى تقطيع كثير من روابط التبعية بين بلاده وبين الدولة العلية، الأمر الذى قاده إلى أن يتصرف فى كثير من الأمور كحاكم مستقل.
كانت تسمية «السلطان» هى الثالثة لحكام مصر من أبناء أسرة محمد على، ويذكر«رزق» أنها بدأت فى أواخر 1914 نتيجة إعلان الحماية البريطانية على مصر، وقطع علاقة تبعيتها القانونية مع الآستانة التى استمرت منذ 1517، وجاءت تسمية «السطان» بعد قرار الحكومة البريطانية بخلع الخديو عباس حلمى الثانى فى 19 ديسمبر 1914، وتولى «حسين كامل»، يؤكد «رزق» أن هذه التسمية لم تأت اعتباطا، بل جاءت بعد مشاورات عديدة بين إدارات وزارة الخارجية البريطانية، وبين المستر«شيتام» ممثل الحكومة البريطانية فى القاهرة، والأمير حسين كامل ابن إسماعيل أثناء ترشيحه ليخلف عمه «عباس الثانى».
يوضح «رزق» المسارات التى مضت لإقرار تسمية «السلطان»، مشيرا إلى أنها جاءت لأنه لم يكن مقبولا أن يتسمى الحاكم الجديد بالخديو، بعد انتهاء تبعية مصر للدولة العلية وبحكم تركية اللقب، وتقرر أن يكون لقب «السلطان» بديلا، وهو نفس اللقب الذى يتمتع به الإمبراطور العثمانى، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل امتدت المفاوضات إلى ما يجب أن يكون عليه ألفاظ التفخيم الملحقة باللقب.. يذكر «رزق» أنه بعد أن تم الاستقرار على لقب «السلطان»، حدثت مشاورات حول خيارات التفخيم التى تلحق باللقب، ورفض المسؤولون البريطانيون أن يكون «صاحب الجلالة» خيارا، لعدم لياقة أن يتمتع حاكم البلد المحمى «مصر» بنفس لقب ملك بريطانيا وهى البلد الحامى، ولهذا كان الاقتراح بأن يكون «صاحب السمو»، لكن حسين كامل رفض،لأن العديد من أبناء الأسرة الحاكمة يتمتعون به، وبادر هو باختيار «صاحب العظمة» تفخيما لنفسه، ليكون «صاحب العظمة السلطان حسين كامل»، فقبلت الخارجية البريطانية به.
وفى 15 مارس 1922 انتهى العمل بلقب «سلطان»، ليكون «فؤاد» آخر سلطان فى الأسرة العلوية، وأول ملك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة