ارتفعت وتيرة الهجوم ضد السد العالى أثناء عام 1974 وبدايات 1975، فتقرر إعداد تقرير عنه لتقديمه إلى الرئيس السادات، يتضمن كل ما أثير من مناقشات حول هذا المشروع، ويعده كبار الخبراء فى مصر من الهندسة والزراعة والرى والاقتصاد من أعضاء المجلس القومى للإنتاج والشؤون الاقتصادية، وفقًا للأهرام يوم 13 فبراير 1975.
بعد ثلاثة أيام من نشر الخبر، كان مجلس الشعب ساحة لهجوم جديد ضد السد، حيث شهدت جلسة 16 فبراير، مثل هذا اليوم، 1975 مناقشة ارتفع فيها صوت الهجوم بحججه التقليدية التى ردت عليها الدراسات العلمية، ودفعت الكاتب الصحفى فيليب جلاب، أن يضع كتابه المهم «هل نهدم السد العالى؟»، ساخرًا فى طبعته الأولى عام 1974 ثم الطبعات التالية من هذه الحملة، ومن حججها التى تفتقد إلى المنطق والعقل، ومنها ما أورده عن دراسة لأحد الصحفيين المصريين الذين يصفون أنفسهم بالاطلاع على بواطن الأمور، يقول فيها إن إنشاء السد العالى كان مؤامرة دولية من طراز إجرامى، لأن السد نتيجة حسابات معقدة، لم يفصح عنها الكاتب، سيؤدى إلى غمر الأرض المصرية بالمياه وإغراقها مع بيوتها وسكانها، وأنه لن تمضى سنوات كثيرة حتى نجد أن ميناء دمياط مثلًا قد زحف إلى قرب القاهرة.
فى هذا السياق، جاءت جلسة مجلس الشعب، برئاسة المهندس سيد مرعى، يوم 16 فبراير 1975، وتذكر «الأهرام» وقائعها فى عدد 17 فبراير 1975، مشيرة إلى أن الجلسة بدأت بسؤال من العضو مأمون مشالى حول الآثار الجانبية للسد ومنها نقص الطمى والنحر، واللافت أنه بينما كان وزير الرى المهندس أحمد على كمال يرد مفندًا الآراء التى تهاجم هذا المشروع العظيم، كان رئيس لجنة الزراعة والرى أحمد يونس يكيل الاتهامات ضده، مما دفع النائبين الدكتور محمود القاضى ومحمد عبدالسلام الزيات إلى انتقاد رئاسة المجلس لأنها تركت المناقشات تسير فى اتجاه واحد ضد السد.
اعتبر أحمد يونس، أن السد هو سبب كل البلاء لمصر، قال: «السد العالى سياسيًا أدخلنا فى مشاكل لا حصر لها ولا عدد.. أدخلنا معارك «1956، و1967، و1973».. وأضاف: «احتجنا السد العالى لثلاثة أغراض، زيادة التربة الزراعية، ولم يزد أرض مصر قيراطا واحدا، وتحويل رى الحياض إلى رى دائم، ويا ليت ذلك ما حدث، فقد انخفض إنتاج هذه الأرض إلى أكثر من النصف، ثم الكهرباء ارتفعت أسعارها فى عصر السد العالى، وانخفض الإنتاج الزراعى فى مصر بعده، وأنا أطالب بلجنة على مستوى عال ينضم إليها خبراء من كل الدول لدراسة الأمر».
رد وزير الرى، قائلًا عن مسألة الطمى وحرمان الأراضى الزراعية منه، أنه منذ أن بدأ التفكير فى إنشاء السد 1954، أجريت دراسات علمية متعددة لمعرفة مدى الاستفادة التى يحققها رسوب طبقة الطمى على الأراضى الزراعية فى مصر، وأسفرت هذه الدراسات عن أن معظم كميات الطمى كانت تذهب إلى البحر، ولا يصل منها إلى الأراضى الزراعية سوى 12 مليون طن، ومعظم كميات الطمى كانت ترسب على أراضى الحياض التى كانت تغمرها مياه الفيضان، وكان من المحتم تحويلها إلى نظام الرى المستديم لاستحالة غمرها بعد إنشاء السد العالى ولزراعتها مرتين أو ثلاث مرات، بعد أن كانت تزرع مرة واحدة فى السنة، فإذا كان السد سيحرم الأراضى الزراعية من قدر من طمى النيل سنويًا، فقد وجد أخصائى وزارة الزراعة، أن ما ستخسره الأراضى الزراعية من أزوت يمكن تعويضه بقدر لا يتجاوز 12 ألف طن من سماد نترات الجير سنويًا، وهذه خسارة لا تقاس بما يخلفه المشروع من مزايا اقتصادية.
وعن مشكلة النحر، قال وزير الرى إنه تم إجراء دراسات حول هذه المشكلة، وقدمت لجنة الخبراء الدوليين بالاشتراك مع زملائهم المصريين برنامجا للدراسة فى نوفمبر 1954، وقدرت الدراسات حدوث نحر فى مجرى النهر على امتداد المسافة بين أسوان والقاهرة بسبب انطلاق المياه من أنفاق السد العالى رائقة خالية من كميات الطمى التى ترسبت إلى حوض الخزان، واليوم وبعد انقضاء عشرة أعوام على تشغيل السد العالى لوحظ أن النحر يسير بمعدل قليل.
استمرت المناقشات لكنها مضت فى اتجاه واحد هو الهجوم على السد، مما أغضب النائبان، الدكتور محمود القاضى ومحمد عبدالسلام الزيات، ووفقًا للأهرام، فإنهما قالا: «المناقشة أخذت اتجاهًا واحدًا، وليس من المصلحة أن تنتهى جلسة اليوم على أساس هذا الاتجاه، فالذين تحدثوا، تحدثوا عن الآثار الجانبية للسد العالى، وليس عنه كمشروع عظيم له فوائده الاقتصادية لمصر، ووافق المجلس على أن يشكل رئيسه لجنة خاصة لدراسة هذا الموضوع وإعداد تقرير خاص بشأنه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة