بعد مرور تسعة أشهر على حرب روسيا وأوكرانيا، وفى ظل عدم موجود مؤشرات على نهاية قريبة للمعارك الضارية بين الطرفين، بدأ الغرب يستشعر بالضغط الهائل الذى تمثله تلك الحرب على دفاعاته وترسانة أسلحته فى ظل الدعم العسكرى الهائل الذى قدمته أوروبا والولايات المتحدة لأوكرانيا لمواجهة روسيا.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الولايات المتحدة ودول الناتو تعمل على إعادة ملء ترسانتها العسكرية بعد أن استنفذها الدعم العسكرى المقدم لأوكرانيا، بعد ان دخلت الحرب شهرها العاشر.
وذكرت الصحيفة أنه عندما انهار الاتحاد السوفيتى، قامت دول أوروبا بتقليص ميزانياتها الدفاعية وجيوشها وترسانتها استعداد لوضع السلام. ومع صعود تنظيم القاعدة بعد نحو عقد، وبعد أن أصبح الإرهاب هو الهدف، تطلب الأمر استثمارات عسكرية مختلفة، وقوات أخف وأكثر سرعة. وحتى مشاركة دول الناتو الطويلة فى أفغانستان لا يمكن مقارنتها بحرب برية فى أوروبا، معتمدة بشكل كبير على المدفعية والدبابات والتى لم تعتقد كافة وزارات الدفاع تقريبا أنها ستكرر أبدا. لكنها تكررت.
ففى أوكرانيا، تجرى الآن تلك الحرب الأوروبية التى لم تكن متصورة، وتستهلك معها المخزونات المتواضعة من المدفعية والذخيرة والدفاعات الجوية لما يسميه البعض بجيوش "بونساى" الأوروبية، على اسم الشجرة اليابانية الصغيرة. وحتى الولايات المتحدة، القوية عسكريا، لديها مخزون محدود من الأسلحة التى تريدها وتحتاجها أوكرانيا، ولا ترغب واشنطن فى تحويل الأسلحة الرئيسية من المناطق الحساسة مثل تايوان وكوريا، حيث تجرى بكين وبيونج يانج اختبارا للحدود بشكل مستمر.
والآن، وبعد تسعة أشهر من الحرب، فإن عدم جاهزية الغرب الأساسية أدت إلى اندلاع صراع مجنون لتزويد أوكرانيا بما تحتاجه مع تجديد مخزون دول الناتو. ونظرا لأن كلا طرفى الحرب يستهلك الأسلحة والذخيرة بوتيرة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، فإن المنافسة للحفاظ على تدفق التدرسانات أصبح جبهة أساسية يمكن أن تكون حاسمة لجهود أوكرانيا.
ويقول مسئولو الناتو إن كمية المدفعية المستخدمة مذهلة. ففى أفغانستان، ربما أطلقت قوات الناتو 300 طلقة مدفعية فى اليوم، ولم يكن لديها مخاوف حقيقية بشأن الدفاع الجوى. لكن فى اوكرانيا، يمكن إطلاق آلاف الطلقات يوميا وتظل بحاجة ماسة للدفاع الجوى ضد الصواريخ الروسية والدرون.
وقال كاميل جاند، الخبير الدفاعى فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، والذى ظل حتى وقت قريبا يعمل مساعدا للأمين العام للناتو للاستثمار الدفاعى، إن اليوم فى أوكرانيا بمثابة شهر أو أكثر فى أفغانستان.
وكانت الدول الأوروبية قد خصصت 8 مليار يورو لتسليح أوكرانيا خلال حربها مع روسيا ، وهو ما أدى الى افراغ الترسانات الأوروبية من الأسلحة. ووفقا لصحيفة "لاراثون" الإسبانية فإن تسليح أوروبا لأوكرانيا أصبح له عواقب مقلقة، خاصة، لاسيما وأن الميزانية الأوروبية لتسلييح كييف تعتبر بمثابة 45% من الرقم الذى حققته الولايات المتحدة الأمريكية.
وحذر برونو انجليت ، مدير الأمن والدفاع بوزارة الخارجية البلجيكية قائلا "بعد نهاية الحرب الباردة ، كان حصاد السلام مدفوعا بتقديرات غير صحيحة أدت الى استمرار نقص التمويل الدفاعى ، ولكن المشكلات الحالية لها ثلاث جبهات "مخزونات صغيرة وقدرات غير كافية وقدرة إنتاج صناعية منخفضة للغاية".
وأضاف "الحرب ضد أوكرانيا تقود هذه الأزمات التي تمر بها أوروبا إلى حد حرج ، حيث أن الشحن السريع لأوكرانيا أدى الى استنفاد المخزونات الوطنية ، وأصبح هناك نقص في الأسلحة الثقيلة اللازمة للدفاع عن أوكرانيا في الوقت الذى تواجه فيه الصناعة الأوروبية صعوبات لزيادة الإنتاج بسرعة بسبب أزمة الطاقة التي تمر بها القارة العجوز والازمة الاقتصادية.
وتريد بروكسل منع الدول الأوروبية من الدخول في سباق تسلح يؤدي إلى التعثر والتأخير بسبب نقص التنسيق، والذي يتسبب في عدم توافق أنواع الأسلحة المختلفة مع بعضها البعض. ولهذا السبب اقترحت بروكسل أداة جديدة للمشتريات المشتركة من خلال آلية مناقصات مشتركة بقيمة 5 مليون يورو في العامين المقبلين تشجع الدول الأوروبية على الاستثمار والتخطيط معا.
كما أن تهدف بروكسل لزيادة الإنفاق بمقدار 70 مليار يورو حتى عام 2025 ، وأن يكون عدد المشاريع المشتركة هو أقصى حد ممكن. ووفقا لآخر تقرير أعدته وكالة الدفاع الأوروبية ونشر في نوفمبر، تحدد الخطة التي قدمتها المفوضية الأوروبية في مايو الماضي ثلاث أولويات عاجلة: تجديد مخزونات الأسلحة المستنفدة ، واستبدال الأنظمة السوفيتية الراكدة ، وتحسين أنظمة الدفاع الجوى ، وهو أمر حيوي في حالة اندلاع الحرب في أوكرانيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة