يعلم الجميع أن عملية تسجيل المكالمات الهاتفية دون إذن أصحابها، جريمة تندرج تحت بند انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وحدد القانون المصري عقوبة من يقوم بتسجيل المكالمات دون إذن قضائى بالحبس لمدّة لا تزيد على سنة.
وبسبب التطور الإلكتروني الذي أصاب العالم خلال القرن الماضي وظهور ثورة الاتصالات الهائلة، أضحت الأحاديث الشخصية عامة والهاتفية خاصة عرضة للالتقاط والتسجيل والإفشاء.
وأصبحت المكالمات الهاتفية بواسطة الأجهزة الصغيرة والدقيقة عرضة للتسجيل وبطرق مختلفة، وبالتالي عرضة للإفشاء، وعليه فقد أصبح من اليسير أن نجد العديد من المكالمات الشخصية التي نجريها أو تلك التي قد أجريناها بتلك الأجهزة النقالة، تم تسجيلها وحفظ تفاصيلها الصوتية الدقيقة، وبالتالي قد تقدم كدليل في الاتهام.
هل يجوز تسجيل المكالمات الهاتفية بدون إذن قضائى؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية، تتعلق بمدى جواز تسجيل المكالمات الهاتفية بدون إذن قضائي من عدمه، وعما إذا تضمن الحديث التليفونى عدوانا على المتلقي سواء كان عدوان لفظى أو تهديد أو مضايقة أو تحرش أو حتى وصوله إلى تحريض على ارتكاب جريمة…الخ، فهل يجوز للمتلقى تسجيل هذه المحادثة؟ وهل يعتد بهذا التسجيل كدليل يقبله القانون ضد المعتدى؟ وهل المعتدى عليه لا يكون بذلك مخالفاً للقانون أو معرضاً نفسه لمخاطر الحبس؟ .
الخبير القانوني والمحامي بالنقض سامى البوادى قال لـ"اليوم السابع" إن الأصل هو سرية المحادثات التليفونية أضفى عليها المشرع المصري حماية دستورية وقانونية، باعتبارها من ضمانات حماية الحياة الخاصة، ولا يكون تسجيل المكالمات التليفونية صحيحاً، كما لا يمكن اعتباره دليلاً يعتد به أمام المحاكم، إلا إذا سبقه أمر قضائي مسبب فى بعض الحالات التى حددها المشرع "المادتين 95، 95 مكرر إجراءات".
عقوبة تسجيل المكالمات الحبس لمدّة سنة
وأضاف أن عملية تسجيل المكالمات الهاتفية دون إذن أصحابها تُعد جريمة تندرج تحت جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وكان القانون المصري قد حدد عقوبة من يقوم بعملية التسجيل بالحبس لمدّة لا تزيد على سنة، وكانت المادة 309 مكرر م قانون العقوبات قد نصت على أنّه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون" .
التنصت اعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة
وتابع البوادى" يعد التنصت من الناحية القانونية اعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للأفراد، حيث نصت المادة 57 من دستور عام 2014 أنّ تسجيل المكالمات يدخل في نطاقة المراسلات البريدية والإلكترونية والبرقية، ويشمل أيضاً المحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات المختلفة، لكون هذه المكالمات وعاءً للحياة الخاصة، ويعبر فيها صاحبها عن ذاته، وقد يبوح بأسراره، وبما قد يعلمه من معلومات أخرى يتداول فيها الرأي أو المشورة مع المتلقي، وعلى من يتلقى حديثاً من الغير أن يلتزم بواجب الكتمان، باعتباره التزاما أخلاقيا للائتمان على مضمونه، وعدم البوح به إلا برضاء صاحبه.
القاضي فقط من يحق له إصدار الأوامر بتسجيل المكالمات
وبين البوادى أنّه يستثنى من عقوبة التنصت على المكالمات ما جرى تسجيله أو نقله أو تصويره في مكان عام لافتراض الرضا وعلانية ما تم نقله أو تسجيله أو تصويره، كما لا تعد جريمة إذا كانت تلك الأسرار متعلقة بالمهنة أو الوظيفة وذلك كونها ملك للعامة ويشترط في ذلك عدم مساسها بالحياة الشخصية، ويحق للقاضي فقط إعطاء أوامر بتسجيل المكالمات وذلك وفقاً لما ورد في نصوص المواد 95 و95 مكررا و206 من قانون الإجراءات الجنائية.
وقال " سبق لمحكمة النقض أن أجازت تسجيل المكالمات التليفونية إذا كانت تنطوى على سب وقذف من تليفون المجنى عليه الذى يكون له بإرادته وحدها ودون حاجه إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياه الخاصة لاحد، أما إذا جرى تسجيل إحدى المكالمات وتعرّض صاحبها للتهديد بإفشاء أسراره التي جرى الحصول عليها من المكالمة ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدّة قد تصل إلى 5 سنوات، أما إذا كان الفاعل صحفياً فإن العقوبة يتم الحكم عليه بالعقوبة الأشد ويضاف إليها المادة 21 من قانون الصحافة".
في حال التهديد يعاقب الفاعل بالسجن 5 سنوات
ولفت البوادى إلى أن المشرع رتب جزاء تصل عقوبته إلى الحبس 3 سنوات على كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلاً أو مستنداً تحصل عليه بغير رضاء أو إذن صاحبه "مادتين 309 مكررا، 309 مكررا أ"، ويكون الرضاء مفترضاً أى يفترض المشرع أن هناك رضاء أو إذن إذا تم تسجيل الأحاديث التى تجرى على مرأى ومسمع من الحاضرين، أما غير ذلك فلابد من رضا صريح وغير مفترض من المسجل له، حتى ولو كان مضمون التسجيل مجرد معلومات مهنية ولا يتعلق بالحياة الخاصة، فتسجيلها دون إذن صاحبها لا يحمى من قام بهذا الفعل من العقاب وهذا هو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية عام 1997".
شروط تسجيل الأفراد للمكالمات الهاتفية
وطبقا للبوادى نصت المادة 76 فقرة 2 من قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 على أنه مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وحتى يثبت المجنى عليه تعرضه لهذا الاعتداء، يحق له تسجيل المكالمات التى تتضمن هذا الاعتداء، وسوف يتم قبول هذا التسجيل أمام جميع المحاكم والنيابات لأنه دليل يتفق مع القانون ومبادئ النقض، وليس فى ذلك أى مخالفة على المجنى عليه.
والمكالمات التليفونية يتعين أن تمارس فى النطاق المشروع، وإذا استخدمت كوسيلة لارتكاب الجرائم يخرجها ذلك من نطاق الحماية المقررة لها قانون، ولمشروعية تسجيل الأفراد للمكالمات التليفونية يجب أن يتوافر أمرين:
الأول: أن نكون بصدد جريمة معاقب عليها.
الثانى: أن تكون هذه الوسيلة هى الوسيلة الوحيدة لإثبات الجريمة.
وذلك متحقق لأن حالة الضرورة هى التى استلزمت هذا التسجيل لإثبات مضمون المكالمة التليفونية وما تحمله من جرائم، وبدون هذا التسجيل لن يتمكن من إثبات الجريمة، فضلاً على أن التسجيل هنا هو حالة من حالات الدفاع الشرعي عن النفس، ولذلك لا يمكن النظر إلى الدليل هنا على أنه دليل غير مشروع يجب استبعاده، بل يجب الاعتداد به وقبوله شريطة أن يكون المجنى عليه نفسه هو الذى قام بالتسجيل، أما قيام السلطات بالتسجيل للأفراد، فلا يكون ذلك إلا فى إطار القواعد والإجراءات والحالات التى حددها المشرع أى الحصول قبل التسجيل على إذن قضائي مسبب حيث لا يكفى إذن من النيابة العامة، كما لا يكفى إذن دون تسبيب.
رأى محكمة النقض في الأزمة
وسبق لمحكمة النقض التصدي لمثل تلك الإشكالية فى إحدى القضايا المقيدة برقم 22340 لسنة 62 القضائية، حيث قالت في حيثيات الحكم إنه بما مفاده أن المطعون ضدهما وجها عبارات سب للطاعنين عن طريق التليفون، وأضاف الحكم أنه: "قد تم تسجيل تلك العبارات بمعرفة المدعيين بالحقوق المدنية على شريط وقد ثبت من تفريغ الشريط الذي تضمن عبارات السب مطابقته لأصوات المتهمين"، ثم عرض الحكم للدليل المستمد من التسجيلات وأطرحه في قوله "لما كان الثابت من الأوراق أن تسجيل المكالمات التليفونية التي استند إليها المدعيان بالحقوق المدنية كدليل في الأوراق قد تم دون الحصول على الإذن المسبب من القاضي الجزئي المختص وفقاً لصحيح القانون ومن ثم فلا يجوز الاستناد إليه كدليل، ويكون دفع المتهمين في هذا الصدد قد جاء متفقاً وصحيح القانون".
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك، وكان نص المادة 95 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة في حالة قيام دلائل قوية على أن مرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 166 مكرراً، 308 مكرراً من قانون العقوبات قد استعان في ارتكابها بجهاز تليفوني معين أن يأمر بناء على تقرير مدير عام مصلحة التلغراف والتليفونات وشكوى المجني عليه في الجريمة المذكورة بوضعه تحت المراقبة للمدة التي يحددها - ومفاد ذلك بصريح النص وواضح دلالته - أن المشرع تطلب مباشرة الإجراءات المبينة بالمادة المار ذكرها كي يوضع تحت المراقبة التليفون الذي استعان به الجاني في توجيه ألفاظ السب والقذف إلى المجني عليه.
النقض تقرر: للشخص الحق في تسجيل المكالمات دون الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية
وأوضح البوادى أن تلك الإجراءات فرضت ضمانة لحماية الحياة الخاصة والأحاديث الشخصية للمتهم، ومن ثم فلا تسري تلك الإجراءات على تسجيل ألفاظ السب والقذف من تليفون المجني عليه الذي يكون له بإرادته وحدها ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد، ومن ثم فلا جناح على المدعيين بالحقوق المدنية إذ وضعا على خط التليفون الخاص بهما جهاز تسجيل لضبط ألفاظ السباب الموجهة إليهما توصلاً إلى التعرف على شخص من اعتاد على توجيه ألفاظ السباب والقذف إليهما عن طريق الهاتف. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى بطلان الدليل المستمد من الشريط المسجل بمعرفة المدعيين بالحقوق المدنية من جهاز التليفون الخاص بهما، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بالنسبة للدعوى المدنية، وإلزام المطعون ضدهما المصاريف المدنية.
وتابع " الحكم يتفق مع العقل والمنطق فلا يتصور أن تكون المحادثات التليفونية التى تمثل اعتداء أو جريمة أو تحريض على ارتكاب جريمة متمتعة بالحماية، كما لا يجوز اعتبارها من قبيل ممارسة الحق فى الخصوصية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة