حالة من الحزن تسيطر على إسبانيا بسبب رحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الحياة السياسية، بعد حوالى 16 عاما فى منصبها، وسلط إعلام إسبانيا الضوء على وجود مخاوف لدى أوروبا بسبب الفراغ الكبير التى ستتركه ميركل المعروفة بالمرأة الحديدية.
وقالت صحيفة "الموندو" الإسبانية إن رحيل المرأة الحديدية يثير مخاوف كبيرة من فراغ مكان مسئول حل الأزمات فى الاتحاد الأوروبى، فى وقت تواجه فيه الكتلة العديد من التحديات الأساسية لبقائها، حيث إنها القائد الوحيد القادر على إظهار الحزم فى العديد من الأزمات منها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وازمة الهجرة وأيضا الأوبئة.
صحف اسبانيا
وفى الأشهر الأخيرة، ضاعف قادة الاتحاد الأوروبى التقدير والشكر لميركل التى قادت ألمانيا وأوروبا منذ 2005، وقالت خبيرة فى العلوم السياسية الألمانية جانيس إمانويليديس، من مركز الفكر للسياسة الأوروبية، ليس هناك شك فى أن رحيل ميركل يمثل "نهاية حقبة" بالنسبة للاتحاد الأوروبى.
وقالت إيمانويليديس "بالطبع يترك رحيله فراغا". فى رؤيته، كان على ميركل التعامل مع "أزمة دائمة" فى الاتحاد الأوروبى خلال 16 عامًا من عملها كمستشارة لألمانيا، من بين هذه الأزمات، تبرز الانهيار المالى فى عام 2008، وموجة الهجرة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ووباء فيروس كورونا، وكلها لحظات حرجة أظهرت فيها "الاستمرارية والثبات"، وبالنسبة لإيمانويليديس، يجب على رئيس الحكومة المقبل فى ألمانيا أن "يكبر ليصل إلى هذا الحجم".
يأتى رحيل ميركل، الذى سيدخل حيز التنفيذ فى الأسابيع المقبلة بمجرد تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات اليوم فى ألمانيا، فى وقت يتعين فيه على الاتحاد الأوروبى التعامل مع القضايا الحاسمة على المدى القصير والمتوسط. أزمة المناخ وإعادة تعديل العلاقات مع واشنطن والتعافى الاقتصادى بعد وباء فيروس كورونا.
صحيفة اسبانية
ولكن السؤال هو من يستطيع أن يملأ الفراغ السياسى على المستوى الأوروبى الذى خلفته ميركل، فالمستشارة الألمانية بقراراتها الرئيسية فى بعض القضايا مثل الهجرة والدفاع القوى عن التقشف، ونهاية الديون المشتركة، شكلت اتحادا أوروبيا يبدو الآن غير مؤكد أنه يوجد أى شخص يستطيع أن يحل مكان المستشارة، فالمرأة الحديدية لم تكتسب هذا اللقب من فراغ بل لأنها القائد الوحيد القادر على حل الأزمات التى تواجه أوروبا، وفقا لصحيفة "لابانجورديا" الإسبانية.
أدى فتح الحدود على نطاق واسع للمهاجرين واللاجئين فى عام 2015، والذى اعتُبر قرارًا شخصيًا من قبل ميركل دون استشارة شركائها الأوروبيين، إلى رسم معالم أوروبا التى ظهرت فيها الحركات الشعبوية كرد فعل، والتى غذت اليمين المتطرف فى ألمانيا.
كان الدفع لتوسيع الاتحاد الأوروبى نحو أوروبا الشرقية، مع دفعة واضحة من برلين، بالنسبة للكثيرين، أصل التخفيف الأخير للمشروع الأوروبى وحتى الحجة التى استخدمها مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، مساهمة أخرى لا شك فيها لعصر المستشارة.
كما هو الحال الآن، الذى يغذيه الوباء، تحول برلين فى بداية مديونية مشتركة من 27، لعنة خلال أزمة اليورو منذ أكثر من عقد من الزمان، عندما اتهمت دول جنوب الاتحاد الأوروبى ألمانيا بخنقها الاقتصادى.
وقال الخبير السياسى، ديفيد ويلب، نائب مدير صندوق مارشال الألمانى، "أعتقد أن ألمانيا لا يمكنها الهروب من دورها الريادى داخل الاتحاد الأوروبى لمجرد أنها أكبر اقتصاد وأكبر شريك لها وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وربما مع فرنسا التى تشتت انتباهها إلى حد ما، ستكون تلقائيًا فى مقعد القيادة عند محاولة سحب الاتحاد الأوروبي".
وأضاف أن برلين كان يجب أن تتحرك نحو تبنى "مسؤولية عالمية" لا تزال مع ميركل، ويحذر من أن ألمانيا قد تضطر الآن إلى "تحملها وإن كان ذلك على مضض.
وقال "كامينو موورتيرا مارتينيز" الباحث فى مركز الإصلاح الأوروبى، إن "المجلس الأوروبى شهد اختفاء عشرات العديد من الوجوه الـ16 الماضية، مثل رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق، سيلفيو برلسكونى، ورئيس فرنسا السابق، نيكولا ساركوزى، ورئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوسيه لويس ثاباتيرو، ومع ذلك كانت تنجو ميركل مرارا عاما بعد عام، فكان لها الحضور الأبدى فى بروكسل، وذلك لأنها شخصية يتم النظر إليها فى أوقات الأزمات أنها "محرك الاتحاد الأوروبى.
وقالت قناة "ار تى فى " الإسبانية إن ميركل تعتبر "موتور" حرك الاتحاد الأوروبى خلال 16 عاما، والآن توقف بروكسل هذا الموتور، مع وجود العديد من المخاوف من عدم استقرار الوضع فى أوروبا، حيث ‘نها بصفتها زعيمة أكبر دولة فى الاتحاد الأوروبى، كانت تعتبر أهم شخصية فى اوروبا لجلبها الاستقرار للمجلس الأورووبى، وتمكنت من دمج زملاء جدد، فكونها شخصية غير عاطفية ساعد الاتحاد الأوروبى فى التقدم فى السنوات ال 16 الماضية.
كانت هناك العديد من المسرحيات على مسرح بروكسل لعبت فيها ميركل الدور القيادى. ولكن قبل كل شيء سوف نتذكره لثلاثة أعوام: الأزمة المالية وأزمة اللاجئين وأزمة فيروس كورونا. فى كل منهم مع نهج مختلف.
ميركل هى المستشارة الألمانية التى فرضت التقشف فى الأزمة المالية، التى أصرت على تخفيضات لتخفيض ديون دول مثل إسبانيا واليونان والبرتغال. وقال فى عام 2013: "بصفتى مستشارًا، فإننى أتحمل مسؤولية ضمان عدم تراجع الضغط من أجل الإصلاحات فى اليونان".
لكن الرئيس نفسه الذى غير أدواره بعد سنوات ومع أزمة فيروس كورونا على قدم وساق، اقترح مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إنشاء صندوق مشترك بقيمة نصف تريليون يورو لمواجهة الأضرار الاقتصادية التى جلبها الوباء. وهو نفس الشخص الذى قبل أن يرتفع هذا الصندوق إلى 750 ألف مليون يورو وأن يقوم على أساس إصدار دين مشترك، وهو من المحرمات الحقيقية فى ألمانيا حتى الآن. وكان استنتاجه "نريد أوروبا تبعث الأمل".
الرأى العام فى بروكسل بأضوائه وظلاله هو أن الاتحاد الأوروبى يخسر برحيل أنجيلا ميركل وأن المستقبل غير مؤكد.
تقول كامينو مورتيرا مارتينيز: "يبدو عدم اليقين هذا خطيرًا بالنسبة لى، فى الاقتباسات". الباحث فى مركز الإصلاح الأوروبى يفتقد إيطاليا وإسبانيا وبولندا "كعادته"، ولكن هولندا أيضًا "تناقش تحالفاتها"، وفرنسا منغمسة فى حملة انتخابية "ستستمر عامًا ونصف".
يختتم كامينو مورتيرا بقوله: "نفتقر إلى شخص يكون ميسراً يدير النزاعات والإجماع بدلاً من شخص يطرح الأفكار على الطاولة".
ومن آخر الأزمات التى حلتها ميركل، كان خط أنابيب نورد ستورم 2 الذى أدى إلى توتر بين ألمانيا والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، ففى الوقت الذى تعتمد فيه ألمانيا على وارادات الغاز والنفط خاصة من روسيا، وتعتبر كل من ألمانيا وروسيا التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الخط صفقة تجارية عظيمة، حيث يوفر طاقة أرخص وأنظف لألمانيا مع ضمان استمرار العضو الأبرز فى الاتحاد الأوروبى فى شراء النفط الروسى، عارض هذا المشروع العديد من الدول الأوروبية هذا المشروع وعلى رأسهم أوكرانيا حيث أن هذا الخط يتجاوز أراضيها ما يعنى حرمانها من رسوم العبور التى كانت تحصل عليها جراء مرور الخط القديم فى أراضيها، وفقا لصحيفة "الباييس" الإسبانية.
على الرغم من ذلك، توصلت المستشارة ميركل والرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتفاق بشأن نورد ستريم 2. ويهدف الاتفاق إلى استثمار 200 مليون يورو في أمن الطاقة داخل أوكرانيا وتطوير الطاقة المستدامة في جميع أنحاء أوروبا، مع التزام الطرفين "بحزم" بسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا
شغلت ميركل منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) لأربع فترات متتالية. ويعتقد أنها لم تكن تنوي الترشح لولاية رابعة، لكنها عدلت عن رأيها بعد عشاء مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2016. وتشير بعض الروايات إلى أن أوباما هو من "ناشد ميركل لخوض الانتخابات مرة أخرى حتى يتمكن شخص ما من توحيد الغرب والعالم. وبعد أربعة أيام من هذا اللقاء ، أعلنت ميركل ترشحها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة