تفاعل الشعب العراقى، مع قرار الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956، وذلك بالخروج فى مظاهرات مؤيدة لمصر وقضيتها، وقاومتها حكومة نورى السعيد بإعلان حالة الطوارئ، واتخذ تأييد العراقيين لمصر أشكالا عدة، وبعثت فئات نقابية وشعبية برسائل تأييد للقيادة فى مصر، وتوافدت جموع غفيرة إلى السفارة المصرية فى بغداد، للتطوع للقتال بجانب الجيش المصرى للدفاع عن القناة إذا ما وقع اعتداء عليها، حسبما يذكر الدكتور عبدالله فوزى الجناينى فى كتابه «ثورة يوليو والمشرق العربى -1952 1956».
يؤكد «الجناينى»، أن الأمر بلغ مبلغه فى تأييد مصر، بأن قدم بعضهم لوحة تذكارية للسفير المصرى، كتبوا عليها اسم قناة السويس بدمائهم، مضيفا: «كان موقف الحكومة العراقية محل سخط الرأى العام، إذ تقدم 4149 شخصا من أبناء «الديوانية» وهى إحدى ضواحى بغداد بعريضة إلى الملك فيصل الثانى، استنكروا فيها سياسة نورى السعيد، فى الداخل والخارج، وطالبوا بدعم موقف مصر بشكل عملى فى قضيتها، ووصفوا تصريحات الحكومة الصادرة بشأن تأييد الموقف المصرى بـ«السلبية والضعيفة»، ونشطت الحركات الطلابية، فأصدرت مجموعة منها، أطلقت على نفسها اسم «اتحاد الطلبة العراقى العام»، نشرات سرية فى بغداد ضد سياسة نورى السعيد، استنكرت من خلالها سياسته إزاء الأزمة المصرية، واعتقال حكومته للمواطنين ومحاكمتهم لتأييدهم مصر، ودعت زملاءها إلى التطوع للدفاع عن قناة السويس.
يذكر «الجناينى»، أن الزخم الشعبى العراقى الهائل فى تأييد مصر، شاركت فيه أحزاب ورموز سياسية وفكرية مستقلة، وتخطى الموقف أى تقسيمات طائفية من سنة وشيعة وأكراد وتركمان ومسيحيين وغيرهم، والشاهد على ذلك موقف الشيعة العراقيين من قرار تأميم القناة، فوفقا لمذكرة أرسلتها السفارة المصرية فى بغداد إلى وزارة الخارجية فى القاهرة يوم 28 سبتمبر 1956، فإن طائفة الشيعة احتفلت بقرار التأميم بطريقتها الخاصة، وتجلى ذلك فى احتفالها بذكرى استشهاد الحسين بمدينة يوم 25 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1956، وكانت العادة المتبعة فى هذه الاحتفالات إلقاء الأحاديث الدينية والخطب وأبيات الشعر، ولا تخرج فى مضمونها عن الدائرة الدينية والروحية، وللمرة الأولى خرجت هذه الاحتفالات عن المناخ الدينى المعتاد، إذ كان من بين الأحاديث وأبيات الشعر والخطب التى ألقيت، ما هو سياسى، حيث أظهر أصحابها تأييدهم القوى لمصر ولعبدالناصر، ما أثار سخط الحكومة، فلم تراع قدسية الاحتفال، واعتقلت عددا كبيرا من المحتفلين المؤيدين لمصر».
لم يكتف شيعة العراق بتأييد قرار تأميم قناة السويس، إنما امتدت هذه الحالة إلى العدوان الثلاثى «فرنسا وانجلترا وإسرائيل»، ففور شن أطرافه عدوانهم ضد مصر بقيام إسرائيل بغاراتها يوم 29 أكتوبر 1956، سجلوا موقفا رائعا فى رفض العدوان، ويذكر محمد سعيد الطريحى فى مقاله « الشيعة وعبدالناصر» - نسخة إلكترونية - أنه لم تمض ساعات على سماع أبناء النجف خبر وقوع العدوان الثلاثى، حتى خرجت جماهير المدينة متظاهرة فى الشوارع ومنددة بالعدوان، وسرعان ما كانت الشعارات موجهة إلى نورى السعيد وحكومته، وردد الطلاب شعار: «الموت لنورى»، وكان طلبة ثانوية «الخورنق»، و«متوسطة السدير»، فى مقدمة المتظاهرين الذين اجتمع عليهم خلال المسيرة آلاف من أبناء الشعب من رجال دين وكسبة وعمال، واتجهت المظاهرة إلى السوق الكبير فأغلق التجار محلاتهم تضامنا مع المظاهرة، وفى اليوم الثانى استمرت المظاهرات، لكن قوات الشرطة ملأت شوارع النجف استعدادا لقمعها، لكن الطلبة واجهوا الرصاص بدون خوف، وكان من بين قادة المتظاهرين «أحمد الحبوبى النجفى»، الذى كان فى حينها رئيسا لحزب الاستقلال فى النجف، وممثلا لجبهة الاتحاد الوطنى فى النجف ومقرها بغداد، فى اليوم الثالث كسرت الشرطة قفل باب «متوسطة الخورنق» ودخلت عنوة إلى المدرسة، وكان طلابها يهتفون ضد العدوان الثلاثى، ونتيجة للمواجهات جرح 42 طالبا.
تسابق الشعراء الشيعة فى تأليف القصائد المؤيدة لمصر وعبدالناصر، وأبرزهم الشيخ محمد على اليعقوبى، الخطيب الحسينى، الذى كتب قصيدة : «جمال حجى ونهى فاتن / وأى الجمالين لا يفتن / تلذ المسامع فى ذكره وتشتاق رؤيته الأعين»، وكتب السيد محمد جواد فضل الله: «إيه يا جمال الفاتحين وحسبنا / أن تجتلى من فجرك الأنوار/ هذى رؤياك ترف فى آفاقنا / دنيا من فجرك الأنوار».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة